كثيرٌ من الأشياء نتعايش معها ولكننا لسنا سعداء بها وليست لنا القدرة على رفضها او المجاهرة بعدم السعادة بها ،
هذه الأشياء ليست من اختيارنا ، ولم تتحكم ارادتنا الذاتية بتبنيها. لكننا مجبرون على الدفاع عنها وقبولها.
تسيطر علينا دون ان نعَّي بحقيقتها ، ربما تكون كذبة وتتحول الى وهم ويتحول الوهم الى إيمان يتحكم بنا كجماعة ، ثم الى عقيدة مقدسة نقاتل ونقتل من اجلها وتصبح معروفة وتنتشر بين الناس ،وكما تقول العرب : ( رب مشهور لا أصل له) ويقول : روبرت بيرسنغ ( إذا أصاب الوهم شخصاً واحداً يسمى جنون واذا أصاب مجموعة من الأشخاص سمي عقيدة او دين) .
كما هو حال وهم الايدلوجيا حينما تتضخم الفكرة وتصبح وهم ، لذا كثير من معتنقي الأفكار يعتقدون انهم يمتلكون الحقيقة وما سواهم في ظَلال، سواء كانوا دينيين ام علمانيين ، فهم يخوضون الحروب ويقدمون التضحيات لإثبات ان معتقداتهم هي الأصح والأفضل وكل ذلك بفضل سلطة الوهم .
مع العلم ان ليس هناك حقيقة مطلقة ولا حقيقة مقدسة . وإنما هناك وهم مقدس يتسلط على العقول ويسطر وينتج التطرف أو الجهل المركب .
وهذا ما حدث للهنود الحمر كما تحدثنا الاسطورة مع كرستوفر كولومبس الذي نَفَذَ طعامه ، فطلب من الهنود الحمر ان يمنحوه الطعام ، فرفضوا ، لكن الفلكيون الذي رافقوا كولومبس في الرحلة أخبروه بأن خسوفاً سيحصل للقمر ، فاستغل كولومبس هذا الحدث وقال: للهنود اذا لم تمنحوني الطعام والتموين سأسرق منكم القمر ، لكن الهنود استمروا في رفضهم ، وحصل الخسوف وتوهموا ان كرستوفر قد نفذ تهديده وسرق القمر ، فجاؤوا اليه متوسلين ان يرد اليهم القمر وسيمنحوه الطعام ، وفِي اليوم التالي عاد القمر لكن الوهم قد تكرس في نفوسهم ، وأصبح كولومبس قديساً .
وفِي كتاب حكاية القط والفأر للشيخ البهائي يتحدث عن سلطة الوهم فيقول : ان رجلا مر برجلٍ يجلس فوق احد اغصان شجره ماسكاً منشاراً ، يحاول ان يقطع الغصن الجالس عليه ، فنظر له الرجل عابر الطريق وقال له : اذا بقيت على هذا الحال وانت تحاول قطع الغصن فستقع حتماً ، لكن الرجل لم يستمع لكلام عابر الطريق، وقال له انشاء الله لن أقع.
فقال عابر الطريق لكن الله منحنا العقل وانا أرى انك ستقع، وقفل عابر الطريق ذاهباً واستمر الرجل بقطع الغصن ، ووقع فعلاً. فراح مسارعاً نحو عابر الطريق وقال له : من أعلمك بأني سأقع، قال له : فعلك أعلمني فرد الرجل عليه وقال: انت وليٌ من أولياء الله ، أنت تتواضع واولياء الله يتواضعون !!!!!
فوقع يقبل يديه وإقدامه فتجمع الناس حولهما فسألوا عن الخبر فأخبرهم الرجل بأن عابر السبيل هذا وليٌ من أولياء الله، وحكى لهم الحكاية الوهم ، فراح الناس يتبركون بعابر الطريق ، وهو من جانبه رأى ان الناس اقبلوا عليه يقدسونه فأستحسن الامر وأصبح مقدساً ، بفعل الوهم .
ان سلطة الوهم سلطة لا شعورية مؤثرة ، فقد أشعلت كثير من الحروب. وأودت بالدمار على أمم أخرى .
الوهم هو تشوه وخلل في الحواس والعقل، لذا يعتقد الموهومون بأنهم أسوياء لكنهم في الحقيقة مرضى وضحايا ، ولكونهم مجموعة فهم يقعون تحت سيطرت اللاوعي أو ما أسميته سلطة الوهم.
كثير من الناس يدافعون باستماته عن أشياء وأفكار ليست من اختيارهم او ربما وجدوا آبائهم عليها فورثوها منهم ويخافون من رفضها او مجرد نقدها فتصبح مقدسة ومن المحرمات .
الوهم خدعة… مجرد خدعة نحن من ينتجها ويسوقها ، ونحن من نخدع بها أنفسنا .
الوطنية اذا تضخمت أصبحت وهم وخدعة
الدين اذا تضخم تحوَّل الى خدعة و وهم
الأيديولوجيا الحزبية اذا تضخمت أصبحت وهم وخدعة.
الحب اذا تضخم تحول الى وهم ومرض .
القدسية وهم يتضخم فيصبح خوف
وهكذا هي سلطة الوهم .
فكل الخطوط الحمراء وهم وقى الله مجتمعاتنا منها