أيّ مواطن عراقي، كبيرا كان أو صغيراً ، امرأة أو رجلاً ، جاهلاً أو عالمأ ، عامِلاً أو عاطلاً، يستطيع ببساطة أن يَكتبَ منهاجاً حكومياً للدولةِ العراقيةِ الحالية ،فالدولة اليوم باعتراف الجميع ليست طبيعية ، ولم تعد بها حاجة الى مستويات معقّدة من التأويل والتحليل والجيوبولتيك والقدرة على تحسس المؤامرات والمصالح الدولية لتعرف اصدقاءها واعداءها واولويات تحالفاتها، دولة سياستُها سطحية واقتصادها بسيط ، ترتفع أسعار النفط تكون ثرية، تنخفض أسعار الدولة تصبح فقيرة ، لاوجود لرؤيا وترتيب أولويات واعتماد دراسات خبراء ومصانع ومزارع وتطوير ذاتي واكتفاء ودراسات مستقبلية، شعبُها المنفعل برمته تكفّلَ بمعيشتِه بعد أن تيقنَ المواطن العراقي ان دولته باتت مُفلِسة أو ( مُفَلّسَة) بفعل الفساد المنظم والنهب المشروع وغير المشروع، فتحولت من دولة ثرية الى دولة اثرياء فيها طبقتان طبقة تلعب بالملايين وطبقة تاكل التراب ، ويعرف المواطن جيدا بدون تحليل سياسي مافعلت بها امريكا ومافعلته ايران والكويت وبريطانيا وتركيا والسعودية وكرواتيا والصين وكل من لديه حاجة او عنده بضاعة أو محتاج عميل ، دولة تسبح بدماء شهدائها وتشهق مع شهيق امهاتهم وأراملهم، بعدما واجهوا الإرهاب بجميع اشكاله ؛ الوطنية منها والمستوردة ، ويعرف المواطنُ أيضاً وأيضاً أنّ بلاده مرعوبة ٌ من السلاح السائب خارج المؤسسات الرسمية ، وانها مليئة بمئات أجهزة المخابرات ودور الأمن وسجون الأحزاب وأولي الألباب ، دولة لم تُلقِ القبضَ في تاريخِها على قاتل رغم أنها تعرِفُ وجوههم ومشاجبَ كواتمِهم، لايستطيعُ فيها رئيسُ الجمهورية أو رئيسُ البرلمان أو حتى رئيس السلطة القضائية أنْ يحررَ مختطَفا أو يندل مكانَه في الأقل ، حتى وإن كان صحفيا طيبا مسالما مثل توفيق التميمي أو ناشراً وعضو مؤسسة رسمية اعلامية مثل مازن لطيف فما بالك بمتظاهرين ومعارضين وشاتمين ومتهمين بقضايا كبرى! ، في هذا المناخ الواضح جدا تأتي المقالة المؤثرة للزميل الصحفي دولة رئيس مجلس وزراء العراق مصطفى الكاظمي، رسالةٌ تُعرِّفُ المُعَرَّفْ وتكشف المكشوف وتقول أقل مما يقال يوميا في الباصات والأسواق ومساطر العمال وسوح التظاهر ، يشير فيها الى افلاس الدولة وخواء الدولة وهيمنة احزاب الدولة والسلاح خارج سلطة الدولة ، كما يشكو حاله حيث لاظهر وراءه يسنده سوى ظهر الله العلي القدير .
وعليه ستُحفظ هذه الرسالة الوديعة في أرشيف الكاظمي الصحفي ،وليس في ملفه الحكومي ، لان الدولة العراقية اليوم تحتاج الى خبر لا تحتاج الى رأي، بها حاجة الى بلدوزر يسحق الباطل الصارخ من جذوره ، بها حاجة الى ساحر تبتلع عصاه الثعابينَ الكبار ، وليس الى طير من طيور الحب يشكو للشعب حال الدولة العراقية ويشكو لله حاله وصعوبة مهمته كما هو حال المواطن العراقي .