يتأرجح الوضع العام في ظل عدم استقرار أزمة كورونا في عموم العراق بصورة نسبية نوعاً ما فارقة عن المحيطين الإقليمي والدولي , عن طريق الاجراءات الحكومية لخلية الصحة والسلامة والوعي الشعبي الذي كان له الدور الكبير في الحد إن لم نقل الاقتراب من تحجيم وتطويق هذا الفايروس بلحاظ معدل أعداد المصابين والوفيات والمتماثلين للشفاء , كما تحتم الظروف الخاصة بنا إعادة إجراءات فرض الحظر لاستمرار هذا النجاح بمواجهة هذه الجائحة , تلافياً لأية خروق صحية محتملة نتيجة الاختلاط والتزاحم الاجتماعي بحكم الطبيعة الاجتماعية لشعبنا الكريم .
إلاّ إن الذي يبعث على الخوف والقلق بأن ما كان محلاً للنقد والتقويم للسنوات السابقة , قد حل اليوم بإشارات بدايات انهيار الاقتصاد العراقي نتيجة للاعتماد المطلق على النفط مصدراً وحيداً للموازنة العامة للبلد , وهو الخطأ الذي وقعنا فيه مع انخفاض أسعار النفط في العالم اجمع لمستويات متدنية غير مسبوقة , مما اضحت أزمة اقتصادية عالمية شاملة , إلاّ إن هناك تفاوتاً مابين بلد وآخر بحسب تنويع مصادر الدخل القومي , وإمكانية الضرر النسبي في هذا البلد أو ذاك , إذ إن الأمر مختلفاً في العراق حيث يعتمد كلياً على النفط , ممّا يجعل الوضع الاقتصادي والمنظور المستقبلي اشدُ سوءاً وظلامية وضبابية وقد يصل إلى الانهيار التام , كما حصل في الجمهورية اللبنانية مؤخراً على لسان رئيس وزرائها !
على الرغم من إن العراق يُعد من أغنى بلدان العالم بموارده واحتياطاته المتعددة والمتنوعة على أكثر من صعيد ومجال , فيما لو أُستغلت بالصورة الصحيحة تخطيطاً وإدارة لما يمتلكه هذا البلد المعطاء من الخيرات , ومنها الأراضي الشاسعة على امتداد البصر الصالحة للزراعة , فيما لو استثمرت بصورة علمية صحيحة لحققت لنا الاكتفاء الذاتي , وقد يصل إلى التصدير الخارجي كما كان في عهدنا الملكي , وما تجلبه من مردودات مهمة للدولة العراقية , حتى انه عُد اسم “بلاد السواد” من أسماء العراق! ومن هذه الخيرات والقدرات , هو وجود كفاءات وإمكانيات وموارد بشرية كبيرة من الممكن أن تنهض بمختلف قطاعات الدولة , فضلاً عن جذب المغتربين منهم للاستثمار في العراق . كما لايخفى أهمية المنافذ الحدودية والمطارات وما يمكن ان تدره على الدولة العراقية من أموال ضخمة , قدرت بمليارات الدولارات سنوياً , إلاّ إن الذي يدخل في خزينة الدولة نزر يسير منها !!!
كما أن من أهم العناصر الاقتصادية المهمة هو القطاع السياحي بمختلف مجالاته , من شمال العراق حيث الجبال الشامخة والطبيعة الجذابة , مروراً باهوار الجنوب الساحرة والمهملة منذ سنوات التي روّج لها بعيد إدراجها في لائحة التراث العالمي في اليونسكو , واحتفلنا بهذا المنجز الثقافي , التي ما لبثت أن وضعت في خانة النسيان والإهمال وعدم الإدامة واستمرارية تحقق شروط اليونسكو التي وضعتها تحت بند الاختبار المؤهل لها بعدها تراثاً عالمياً !!! فضلاً عن السياحة الدينية للعتبات المقدسة والأماكن الدينية في مختلف المدن العراقية , بما يصل إلى ملايين السائحين سنوياً , وما يمكن أن تشكله من موارد مهمة لدخول العملة الصعبة فيما لو خُطط لها بشكل علمي واقتصادي سليم , كما هو الحال في دول أخرى ومنها تنظيم وإدارة عملية الحج والعمرة , والمزارات الدينية في أكثر من دولة مجاورة . إلاّ إنه ممّا يبعث على الأسى مع توافر كل هذه العناصر وغيرها الكثير , الكفيلة بوضع العراق في وضع اقتصادي مريح نسبياً , فأنه في الوقت نفسه نفتقد لأهم عنصر أساسي وهو التخطيط العلمي والسياسة الوطنية , لأن سياسي العراق منذ 2003 إلى الآن وعلى مدى 17 سنة مرت بعد عشرات السنين العجاف قبلها , فُتح فيها الطريق أمامهم على مصراعيه لتولي السلطة والتسلط على خيراته وموارده ما ظهر منها وما بطن !
إذ عملوا جاهدين يواصلون الليل بالنهار لتأمين مصالحهم الفئوية والحزبية والشخصية والسعي للاستحواذ على اكبر قدر ممكن من المناصب ( الكيكة ) المربحة , دون أي اكتراث ما للمواطن , ولنا في ذلك شواهد لا تعد ولا تحصى عن جمعهم الثروة والمال من خلال نهب المال العام , واستباحة موارد الدولة وخزينتها تحت مسميات وواجهات ما أنزل بها من نص سماوي أو تشريع ارضي , وينطبق عليهم التوصيف البليغ لكل حزب منهم بأنه ” نَافِجَاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَمُعْتَلَفِهِ , … يَخْضَمُونَ مَالَ اللهِ خَضْمَ الْإِبِل نِبْتَةَ الرَّبِيعِ … ” ، ومن ابرز واحدث موارد عدم التفاتهم لمصالح الوطن وتضحيات أبنائه , هو إنهم ومنذ ما يقارب 6 أشهر لم يستطيعوا حسم ملف اشتغال منصب رئيس مجلس الوزراء والذي أُصيب بالشلل التام بفضل عبقري الاقتصاد وخريج السوربون مبتكر نظرية ” الغياب الطوعي ” ! ولم يتفقوا على مرشح لمرتين متتاليتين وإفشال كل من يرونه لا يتناسب مع مصالحهم الفئوية والحزبية , وتهديدهم بعدم منحه الثقة ومن ثم يعتذر , حتى رضخوا اخيراً لتولية رئيس وزراء جديد بعد التي واللتيا وضغوط هنا وتدخلات هناك وسط الخوف على “مكتسباتهم” المشبوهة , بدون أي مبالاة لنزف دماء المئات من الشهداء والجرحى مّمن خرجوا طلباً للإصلاح الواقعي لا الشعاراتي وتصويب مسار العملية السياسية العرجاء ! إننا اليوم وفي ظل تداعيات هذه الأزمة الخانقة , فأنه من المفترض على الحكومة الجديدة بعد تأديتها لليمين الدستورية والمباشرة بعقد أولى جلساتها , إيجاد حلول مناسبة تكتيكية آنية وإستراتيجية منظورة ومستقبلية , بدلاً رمي الكرة في ملعب المواطن المغلوب على أمره , وإعدادهم لقرارات وإجراءات تخفيض رواتب الموظفين والمتقاعدين بما يرون بأنها الحل الأنسب للخروج من هذه الأزمة وتجاوزها !
إن المضي بهذه الإجراءات التعسفية هو إثقال لكاهل المواطن البسيط في هذه الظروف العصيبة التي نمر بها (الحظر الصحي وآثاره ) , فضلاً عن احتمالية تفجر الوضع العام للبلد مع قرب موسم الصيف وارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء (موسم الثورات والانقلابات العراقية ) , ويضاف إليه محاربة الموظفين في لقمة عيش عوائلهم , ممّا يُنذر بانهيار تام للدولة العراقية أرضاً واقتصاداً وشعباً لا سامح الله ! لذا فأنه ينبغي على هذه الحكومة مع بداية المؤشرات الايجابية لأولويات برنامجها , أن تقوم بفتح وتفعيل ملفات الفساد الكبرى التي أهلكت الحرث والنسل في عراقنا الحبيب , وإطلاق يد هيأة النزاهة وديوان الرقابة المالية باسترجاع أموال الدولة المنهوبة , الموزعة عطايا وهبات على سياسيي الصدفة , من شركات ومقاولات وعقارات , التي ستوفر عشرات مليارات الدولارات لخزينة الدولة , وعدم زيادة الضغط على ذوي الدخل المحدود الذي افنوا عمرهم في خدمة هذه الدولة التي تزج بهم حكوماتها في آتون حروبها الرعناء تارة نتيجة لتخبطهم في الإدارة والقيادة المأزومة التي خلفت لنا تمرداً وانفلاتاً هنا وشعوراً بالتغرب والضياع هناك وتحاربهم في مصادر عيشهم وحقوق عطائهم وخدمتهم تارة أخرى .
ختاماً : ما ذنب المواطن العراقي الحليم أن يدفع ثمن نزوات وغزوات وفساد حكوماته المتعاقبة , من أمنه ودمائه ومن لقمة عيشه مابين سندان الفشل السياسي والحكومي , ومطرقة كورونا …
هوَ العراقُ..سَليلُ المَجدِ والحَسَبِ
هوَ الذي كلُّ مَن فيهِ حَفيدُ نَبي !
كأنَّما كبرياءُ الأرض ِأجمَعِها
تُنْمَى إليهِ ، فَما فيها سِواهُ أبي !
هوَ العراقُ ، فَقُلْ لِلدائراتِ قِفي
شاخَ الزَّمانُ جَميعا ًوالعراقُ صَبي !