قال تعالى عزٌ وجلٌ في سورة فاطر/43(( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله)).
لا أحد يجهل ان النيران الصديقة هي الأخطاء العسكرية التي تجري خلال الحروب فيتم إستهداف أهداف برية او بحرية او جوية لدولة ما بأسلحة نفس الدولة نتيجة الخطأ او الإهمال أوقلة الخبرة، او خطأ تقني، كأن تقصف طائرة معسكرا للجنود او للذخيرة وكلاهما يعود لنفس الدولة، كما جرى في حربي العراق وافغانستان خلال التسعينيات من القرن الماضي. بمعنى ان النيران الصديقة تنحصر في الحرب بين دولتين او أكثر او بين حلف معين ودولة ما، وليس عبر مناورات عسكرية منفردة تقوم بها دولة لأغراض تدريبية دون مشاركة طرف أجنبي فيها، فهذه تعتبر نيران حمقاء وليست صديقة، لأنه من متطلبات المناورة توفير الأمن والأمان وسلامة القوات المشاركة، وتجنب الأخطاء مهما كانت صغيرة. ويؤكد المحللون العسكريون بأن النيران الصديقة تنحصر في أمرين هما:
اولهما: تحديد الهدف بالخطأ، أي عدم التعرف على هوية الهدف.
ثانيهما: الموقع والزمن الخطأ لتفيذ العمل العسكري.
على سبيل المثال، سقطت بعض الصواريخ الايرانية على القاعدتين الامريكيتين في العراق بعد مقتل الجنرال قاسم سليماني في ايران وأخرى في مدينة حديثة غرب العراق بعيدة عن أهدافها اكثر من (40) كم. وهنا تكمن الخطورة:
1. عدم دقة الصواريخ الايرانية، فهي صواريخ قديمة تم تحويرها وتطويرها، وذات تقنية واطئة. 2.عدم كفاءة وتأهيل الكوادر الفنية التي تطلق الصواريخ كما توضح في إسقاط الطائرة الاوكرانية من قبل الحرس الثوري الايراني.
3. ازدواجية القيادة العسكرية، وعدم التنسيق ما بين وزارة الدفاع الايرانية من جهة وقيادة الحرس الثوري من جهة أخرى.
لذا نلاحظ ان الأخطاء العسكرية الايرانية تراكمت بشكل تصاعدي، وهو ما لم يحصل مع أية دولة أخرى، فالعراق مثلا طور برنامجه الصاروخي بنفس الطريقة الايرانية أي عبر التحوير، لكن جميع التجارب كانت ناجحة، ولم يفشل أي صاروخ في إصابة هدفه.
ويبدو ان مسلسل الأخطاء الايرانية يأخذ إتجاها تصاعديا:
فبعد تناثر صواريخها للثأر بمقتل سليماني في ارضها ومناطق مدنية في العراق، وإسقاط الطائرة الاوكرانية، وفشل اطلاق قمرين صناعيين، وغيرها مما لم يعلن عليه، يأتي تدمير البارجة الحربية مكملا لمسلسل الأخطاء العسكرية. فقد أطلقت الفرقاطة الايرانية (جمران) صاروخا على سفينة الإمداد البحرية الايرانية (كوناراك)، وقتل وجرح (40) ما بين ضابط وجندي من رجال البحرية.
في البداية اعترف النظام الايراني أن تدمير البارجة كانت نتيجة خطأ، وجرى عبر نيران صديقة (نيران الحرس الثوري)، وأن الحادث كان عرضيا، موضحا في فيديو نشر على (موقع آجاء العكسري) أن جهاز القذائف الصاروخية تعرض لخلل عطـَّل رأسه الحربي وأعطاه توجيهات خاطئة تسببت في إصابة سفينة الدعم. ولكن بعد يومين خرجت علينا بسيناريو جديد، وهو عدم إستبعاد فرضية وقوع “عمل عدائي في الضربة الصاروخية الصديقة التي استهدفت سفينة الدعم الإيرانية كوناراك”. على إفتراض ان الحادث تم وفق حرب إلكترونية من قبل العدو، في إشارة إلى الولايات المتحدة بالطبع. لكن الفيديو لم يقدم أي دليل يدعم ادعاءه هذا، بحسب موقع (راديو فاردا). ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل خرج علينا النظام بإسطوانة جديدة وهي” أن حادثة النيران الصديقة التي أصابت البارجة كوناراك، والتي وقعت على بعد 700 كيلومتر من ميناء رجائي أثناء القيام بمناورة بحرية في خليج عمان، مرتبطة بالتوترات السيبرانية التي تشهدها المنطقة”. وربما سيخرج علينا لاحقا بإسطوانات أخرى وهذا ديدن النظام، كذب متواصل، وحياء معدوم.
إن هذه الأخطاء تجرنا الى مسألة مهمة وإفتراضية في نفس الوقت: ماذا لو كان النظام الايراني يمتلك فعلا قنبلة نووية، وتم خطأ ما في إطلاقها؟ وهل أن تكرار هذه الأخطاء القاتلة يسمح بإمتلاك هذا النظام لقنابل نووية؟ اليست الولايات المتحدة والدول الأوربية على حق في حرمان هذا النظام من انتاج القنبلة النووية؟ فعلا ((لا تسلم المجنون خنجرا، ولا تسلم الأحمق بندقية فهو أما يقتل احدا أو يقتل نفسه!)).
صلح الحسن ورقة سياسية جديدة بيد الخامنئي
في تصريح خطير وملفت للنظر خرج علينا المرشد الأعلى للثورة الايرانية بالقول ان الحسن ابن علي بن ابي طالب يعتبر اشجع رجل في التأريخ من خلال صلحه مع معاوية!! ويستشف من كلامه رغبته بالصلح مع الولايات المتحدة مناقضا نفسه في جميع تصريحاته السابقة بأنه لا صلح مع الشيطان الأكبر ولا ثقة له بالرئيس الامريكي وادارته، ولا ايضا بالدول الأوربية، وهذا الكلام لم يقتصر عليه فحسب بل شمل رئيس الحكومة روحاني، وقائد الحرس الثوري وكبار المسؤولين في ايران. ونستذكر جميعا قول الخامنئي” أن العدو صمم فيروس كورونا القاتل خصيصا لاستهداف الإيرانيين”. فما بدا مما عدا؟ وكيف يتصالح الخامنئي مع قاتل شعبه؟
ان هذا التصريح لم يأتِ بالطبع من فراع، فالإقتصاد الإيراني على وشك الإنهيار، وهذا ما ينطبق على الدول السائرة في فلك ولاية الفقيه، العراق ولبنان وسوريا واليمن جميعها تعاني من إقتصاد متردي يقف على حافة الهاوية، عجز كبير في الميزانية، وإنهيار سعر صرف العملة، تراكم الديون الخارجية، الفساد الحكومي والتضخم، والفقر والجوع والبطالة، والنقص الحاد في الخدمات و الأدوية والمستشفيات والمستلزمات الطبية، وقد فضح فيروس الكورونا عجز هذه الحكومات التي تتشدق بتسميات عفا عنها الزمن كمحور المقاومة وتحرير القدس، وفي كل يوم يُغير طريق القدس من كربلاء الى دمشق الى صنعاء، مع ان طريق القدس واضح وليس فيه لبس.
كما ان النظام الايراني خسر معظم أوراقه في سوريا والعراق واليمن وقريبا في لبنان، فقد بدأت الشعوب العربية تدرك حقيقة المخططات الايرانية الشيطانية للهيمنة على مقدراتها، والشعارات الفارغة التي تعلنها والتي ليس لها مصداقية على الواقع، فالولي الفقيه وصبيانه في العراق وسوريا ولبنان تلقوا صفعات اسرائيلية متتالية في سوريا دون ان يردوا ولو صفعة واحدة للكيان الصهيوني، دائما يرددوا علينا اسطوانتهم المشروخة ” سنرد في الوقت والمكان المناسب”، ولا أحد يعلم متى يحين الوقت والزمان المناسبين، فالكرامة صارت تحت الأقدام، والذل غطى الرأس، وهيهات منا الذلة!!!
المثير في تصريح الخامنئي أن ايران تحارب في العراق وسوريا واليمن تحت راية الحسين الثائر، وتتفاوض مع الشيطان الأكبر تحت راية الحسن المصلح. لكن لماذا ترفع ايران راية الحسين في حروبها ضد العرب، وراية الحسن مع الولايات المتحدة؟ علما ان الحسين فاوض عبيد الله بن زياد بشروط إستسلامية، لكن مفاوضاته فشلت.
علي أي حال لابد من التوقف عند بعض المحطات حول تصريح الخامنئي وهل صلحه مع الولايات المتحدة يتوافق مع صلح الحسن بن علي مع معاوية بن أبي سفيان:
1. النزاع بين معاوية والحسن يتعلق بزعامة الأمة الإسلامية، اي على منصب سياسي ولا علاقة له بأي مؤشر آخر، والصلح بين الخامنئي وترامب لا يتعلق بزعامة الامة، وانما على مصالح اقتصادية، فلا الولايات المتحدة تريد تغيير النظام السياسي الايراني كما عبر الرئيس الامريكي وإدارته، ولا ايران قادرة على التأثير على الإنتخابات الامريكية.
2. يبدو ان المرشد الأعلى ضرب ما يسمى بالنص الإلهي عرض الحائط، فالعقيدة الإثنى عشرية تعتبر تعيين الإمام يتم بنص سماوي ـ على الرغم من عدم وجود ما يثبت ذلك في القرآن والسنة النبوية ـ ولكن لو قبلنا بالأمر جدلا، فكيف يكون الحسن اشجع رجل في التأريخ وهو لم يلتزم بنص الهي، وتنازل عن حقه في خلافة المسلمين؟
3. طعن الخامنئي بالحسين بن علي من حيث لا يدري، فقد كان تصرف الحسين مناقضا لتصرف الحسن، فإن كان الحسن شجاعا لأنه تصالح مع معاوية، فإن هذا يعني ان الحسين لم يكن شجاعا لأنه رفض الصلح مع يزيد، وكان يفترض ان يفعل فعل أخيه الحسن ليكون أشجع رجل في التأريخ مثل الحسن بنظر الخامنئي على أقل تقدير.
4. كان الشيعة يطلقون وصف (مذل المؤمنين) على الحسن بن علي، واعتدى أهل الكوفة عليه وطعنوه في ساقه بخنجر، وسرقوا متاعه، فكيف يجمع الخامنئي الذل والشجاعة في بوتقة واحدة.
5. الصلح بين معاوية والحسن تم ضمن إطار واحد، فكلاهما صحابي جليل، وكلا الطرفين المتنازعين تجمعهم العروبة والإسلام والجغرافية والتأريخ والمصير المشترك، والحفاظ على وحدة المسلمين، وهذا ما لا ينطبق على الخلاف الامريكي الايراني.
6. تنازل الحسن لمعاوية وقبول الصلح كان من موقف القوة وليس موقف الضعف، فقد كان جيشه أكبر وأقوى من جيش معاوية، وهذا ما لا يتوافق مع صلح ايران والولايات المتحدة، فقوة ايران لا تمثل شيئا ولا قيمة لها تجاه اقوى دولة في العالم.
الخلاصة
ان ايران نمر ومن ورق، واسلحتها ليست سوى خردة، وهي تجرأ على الحرب لا مع الولايات المتحدة ولا مع الكيان الصهيوني، وانما نستخدم اذرعها في بقية الدول كالعراق ولبنان وسوريا واليمن ودول الخليج، فهذه الأذرع هي كبش ايران الذي تنطح به أعدائها.
الخامنئي يذكرتني بقول شعر:
كمن يطارد فريسته بقوس بلا وتر يداعب خياله لو انه بفريسته ظفر