مقالنا اليوم هو نعي لعالم جليل عراقي جليل ذلكم الشيخ الذي تتلمذنا على يديه وتعلمنا منه الكثير من قواعد الفقه والحديث واساسيات الدين، وقد تألمت وبكيت كثيرا لخبر وفاته وإني في أرض المهجر ..و وفاء له نعيته بمقال رغم اني لم اكتب ابدا نعيا ومقالا بوفاة احد في الصحف ولا المواقع الاخبارية .. لكنه دين في رقابنا..
فلقد فجعت الموصل بالأمس بمنارة علم إرتفعت الى بارئها كما فُجعت من قبل تلك المدينة العراقية العريقة بمنارة الحدباء عندما هوت وصفدت على يد الحاقدين الأوباش لتودع المدينة منارتين ستترك أثآراهما في نفوس أهالي الموصل الحدباء.
حيث لبى نداء ربه في يوم مبارك عظيم هو يوم السابع والعشرون من رمضان من عام 1441 هجري والذي نسأل الله أن يكون له شفاعة ورحمة وعتقا من النيران .إنه عالم جليل من علماء العراق .
إنه الشيخ العالم الرباني الزاهد العابد (( وضاح محمود ثابت))..
فمعرفتي به تعود لزهاء نصف قرن منذ كنا صغارا قريبا لسكننا في منطقة شارع فاروق القديم ومسجدها الشهير مسجد عمر الأسود والمعروف بمسجد شهر سوق الذي كان يجمعنا به مساء كل إثنين وخميس حلقات علم يدارسنا فيه كتب الحديث والتوحيد . لقد افنى الشيخ عمره الذي امتد ل 92 عاما قضاها مدرسا و مربيا و خطيبا و واعظا وموجها يطوف قرى وأقضية ونواحي المحافظة مبلغا وداعيا الى الله بإسلوبه البسيط القريب للعامة وليتخذ من الإعتدال وعقيدة التوحيد منهجا ولم يسلم من التضييق والملاحقة لكنه كان ثابتا ولقد كان يحترم جميع الفرق والمذاهب الاسلامية والدعاة ولم نسمع منه يوما انه جرح او انتقص احدا ومنهم وسفه فكره ومعتقده وكان كذلك محط احترام لدى الاخوة المسيحيين في منطقته وغالبا ما كان يذهب بعضهم بالصدقات اليه لتوزيعها على المحتاجين فضلا عن المحسنين من المسلمين ، ولقد تتلمذ وتعلم على يديه الآلاف من شباب العراق كما قضى شطرا من دعوته في العاصمة بغداد متخذا من جامع الدهان في الأعظمية مستقرا له ،وقد بقى ثابتا على مبادئه ولم يغير و يبدل ولم ينحاز يوما لجاه أو حزب أو سلطان وكنت بين الفترة والأخرى رغم انتقالي الى العاصمة بغداد لإكمال دراستي الجامعية ومن ثم انشغالي بالوظيفة أزوره في بيته البسيط الآثاث العظيم النور والعلم بوجوده وبسمته التي لا تفارق محياه الى ان فرقتنا الحروب وذيول الاحتلال واستقر بنا الحال بعيدا عنه في الغربة نقاسي منها ما نقاسيه، لكن كانت تصلنا اخباره عن طريق إبنه د. محمد وضاح وبعض الطيبين من تلامذته. وبلغنا عنه أنه إعتزل الخطابة بعد أن عمت الفتن وآل على نفسه التزام بيته في آواخر عمره بعد أن داهمته الشيخوخة والأمراض، وبعد أن إجتاح الإرهاب مدينته فلم يرضخ لداعش ولا لفكرهم الضال التكفيري كما أنه لم يداهن الإحتلال وأدواته وذيوله كما إنزلق الكثير ممن اعتلوا المنابر زورا ..لمثل هكذا علماء أجلاء يجب ان ننحني إجلالا واحتراما وأن نفرد لهم في الصفحات والفضائيات فسحة بعد أن طغت عليها السخافات والترّاهات وشوشت على الجيل الحالي طريقهم وطمست تأريخهم ..
رحم الله ذلك الشيخ الجليل الذي لم يداهن ولم يحابي لا سلطانا ولا حزبا او كتلة ولا متنفذا على حساب الحق وأسأل الله أن يهيأ للعراق علماء ربانيين يجمعوا الناس على كلمة سواء بعيدا عن التزمت والتطرف والطائفية ..
نم قرير العين ايها الشيخ الجليل في رضوان الله عند مليك مقتدر ..