23 نوفمبر، 2024 2:25 ص
Search
Close this search box.

التحولات في المرتكزات العالمية وعناصر عدم الاستقرار

التحولات في المرتكزات العالمية وعناصر عدم الاستقرار

تكاد تعيش العلاقات الدولية المعاصرة بأزمات متلاحقة على نحو جعل من هذه الأزمات ظاهرة متكررة تفرض نفسها على كل من صناع السياسات الخارجية ومحللي العلاقات الدولية

وعليه، فإن الاهتمام العلمي بالأزمات الدولية لا يعود إلى مجرد كونها ظاهرة متكررة في العلاقات الدولية المعاصرة، بل يعزى كذلك إلبى النتائج والآثار المهمة والكبيرة التي تفرزها هذه الأزمات بالنسبة لسياسات أطرافها سواءً داخلية أو خارجية، أو بالنسبة للنظام الدولي ذاته، وذلك إن قيام الأزمة على عناصر مركزية في السياسات الدولية كترتيب القوة، المصالح، القيم، التحولات في موازين القوى، التهديدات والمخاطر، والسلام الدولي….الخ هي التي تعطيها مثل هذه الأهمية، ولعل هذه الأهمية نجمت عن كونها ينظر إليها من زاويتين رئيسيتين، الأولى: وهي إن تعدد الأزمات على الساحة الدولية دليل على الفوضى وعدم الانسجام بين الدول وهذه الفوضى تتفاقم لأن الأزمات قد تكون المدخل إلى الحروب. أما الثانية فهي إن الدبلوماسية بأنواعها المختلفة من وقائية وتوفيقية أو إكراهية ما وجدت إلا لاحتواء الأزمات القائمة، وذلك لأن الإدارة الناجحة للأزمة معناها السيطرة عليها واحتوائها قبل أن تتحول إلى مجابهة فعلية.وعلى هذا الساس، فقد جاء بحثنا لدراسة الأزمة الدولية بسبب ما تحظى به من اهتمام من قبل الأكاديميين والسياسيين من خلال الإجابة عن مجموعة أسئلة منها: ما المقصود بالأزمة الدولية؟ وما هي خصائصها وسماتها؟ وكيفية إدارتها، وعليه فقد جاءت هيكلية البحث بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة من ثلاث مباحث على وفق الآتي:

مفهوم الأزمة الدولية , خصائص الأزمة الدولية , إدارة ازمة الدولية
1. مفهوم الأزمة الدولية : ينظر المختصون والمعنيون بشؤون السياسة الدولية إلى الأزمات الدولية نظرة ون كانت تتفق أو تقترب من حيث جوهرها، إلا إنها تختلف في بعض تفاصيلها. وبداية، فإن كلمة أزمة Crisis هي كلمة يونانية تعني نقطة التحول، وقد استخدمت في مجالات مختلفة مثلاً أزمة اقتصادية، أزمة سياسية، أزمة عسكرية،…الخ. وعلى جميع المستويات الفردية والمحلية والإقليمية والعالمية إلى حدٍ سواء. الكتاب المتخصصون في الأزمات الدولية يعرفون كلمة (أزمة) بأنها حدث مفاجئ غير متوقع ولا يستمر إلا لفترة قصيرة، ثم تغير التعريف للدلالة على فترة قد تمتد إلى سنين. وبوجه عام قيل إن جوهر الأزمة الحقيقية في أية علاقة هو إن الصرعات داخلها ترتفع إلى مستوى يمكن ن يهدد بتغيير طبيعة هذه العلاقة. وعلى الرغم من إن دالة الأزمة الدولية مختلف عليها علمياً، بيد إن المرء يلاحظ مع ذلك اتجاهاً علمياً متصاعداً يربط الأزمة بذلك الفعل الذي تقدم عليه إحدى الدول والذي يؤدي إلى غحداث تحول مفاجئ في نمط التفاعلات السائدة مع غيرها في وقت محدد وباتجاه آخر مختلف. وعموماً يرى د. مازن الرمضاني، إن الأزمة الدولية شكلا خاصاً من أشكال التفاعل الدولي يقترن بذلك التحول المفاجئ في طبيعة العلاقات السائدة بين دولتين أو أكثر، والذي ينطوي على تهديد جدي للمصالح الحيوية واحتمال الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، فضلاً عن ضيق الوقت. ويذهب جيمس روبنسون ليعرف الأزمة بأنها “موقف مهم يستخدم فيه العنف أو احتمال استخدامه.وهناك من يرى، إن الأزمة الدولية “تداع سريع للأحداث يؤدي إلى تنشيط عناصر عدم الاستقرار في النظام الدولي أو في أحد أنساقه الفرعية على نحو غير مألوف يزيد من احتمالات اللجوء إلى العنف. أما وليم كونت “فيعرف الأزمة بأنها “مزاج من المفاجآت والخطر وعدم اليقين. ومع ذلك، فإننا نلاحظ اختلاف الباحثين حول تعريف الأزمة الدولية على الرغم من اتفاقهم في بعض الجوانب، ويعود هذا الاختلاف إلى غياب نظرية عامة تفسر ظاهرة الأزمة الدولية، فالغالبية العظمى من الدراسات التي تناولت الأزمة الدولية هي دراسات حالة، أي تنشغل كل منها بتحليل واحد من تطبيقات الظاهرة وقع في فترة سابقة، ومن ثم فإن هذه الدراسات لا تسهم في تشييد بنيان فكري تنظيري واحد يسمح بتعميم نتائجه على مختلف تطبيقات الأزمة الدولية. غير إنه يمكن تجميع تلك التعريفات وتصنيفها في مجموعات فكرية ثلاث، فثمة فريق يقدم تعريفاً نسقياص للأزمة الدولية، وآخر يقدم تعريفاً يرتكز على مفاهيم منهج صنع القرار وثالث يحاول التوفيق بين الفريقين الأولين. التعريف النسقي يهتم بإبراز العلاقة بين ظاهرة الأزمة الدولية والنظام الدولي، أي إنه يدرس الأزمة الدولية في إطار المفاهيم الخاصة بمنهج النسق في تحليل العلاقات الدولية. والفريق الثاني ينشغل في تحديد خصائص موقف الأزمة وتأثيراتها على عملية صنع القرار لدى أطراف الأزمة، ومن ثم تأثيراتها على سلوك هؤلاء الأطراف.

الأزمة الدولية لدى مدرسة النسق : تعتمد هذه المدرسة في دراستها للأزمة الدولية وتحليلها على التفاعلات الدولية التي تحدث بين طراف الأزمة وكذلك مدى تأثير هذه التفاعلات في استقرار النظام السياسي أو في توازناته أو اضطراب العلاقات بين طرفي الأزمة أو أطرافها. ومن أبرز رواد المدرسة كورال بيل، كلن سنايدر، تشارلز ماكليلاند، أوران يونغ، كينيت بولدنغ والاستير بوكان. فيرى سناتيدر إن الأزمة الدولية (سلسلة متعاقبة من التفاعلات بين دولتين أو أكثر ذات سيادة، في صراع عنيف يحوي في طياته الإدراك العالي لاحتمالية نشوب الحرب. أما كورال بيل فتصنف الأزمة وتعرفها بأنها (المجال الزمني الذي تظهر فيه نزاعات ترتفع إلى الحد الذي تهدد فيه بتغيير طبيعة العلاقات القائمة. ويرى (الآستير بوكان) الأزمة الدولية، بأنها (تتضمن عادة تحدياً مقصوداً واستجابة مقصودة من النوع الذي يتوخى فيه كلا الجانبين تغير التاريخ لصالحهما. أما (أوران يونغ) فيرى الأزمة بأنها (مجموعة أحداث تكشف عن نفسها بسرعة محدثة بذلك إخلالاً في توازن القوى القائمة في ظل النظام الدولي العام أو أياً من أنظمته الفرعية، بصورة أساسية وبدرجة تفوق الدرجات الاعتيادية مع زيادة احتمال وقوع العنف داخله.

الأزمة الدولية لدى مدرسة صنع القرار : تؤكد هذه المدرسة في تفسيرها وتحليلها لظاهرة الأزمة الدولية، على ضرورة التركيز على تحليل عملية صنع القرار السياسي داخل النظام، ومن أبرز روادها جارلس هيرمان وهولستي وانتوني فينز، فيرى هيرمان إن الأزمة هي (موقف يهدد الأهداف العليا لوحدة صنع القرار ويغير الوقت اللازم لهم للاستجابة للموقف، إلى جانب إنه يفاجئ هذه الوحدة.

وهكذا فإن الأزمة عند هيرمان موقف يتسم بثلاث خصائص:

موقف يتضمن درجة عالية من التهديد للأهداف والقيم والمصالح الجوهرية للدول الأطراف حيث يدرك صناع القرار ذلك.
موقف يدرك فيه صناع القرار إن الموقف المتاح لصنع القرار واتخاذه قبل أن يتغير الموقف هو وقت قصير، وإلا فإن القرار يصير غير ذي جدوى في مواجهة الموقف الجديد.
موقف مفاجئ حيث تقع الأحداث العالقة للأزمة على نحو يفاجئ صناع القرار.وحيث تجتمع هذه الخصائص الثلاث في موقف ما، فإنه يكون أزمة دولية.أما هولستي فيعرف الأزمة بأنها (حالة تمثل تهديداً غير متوقع ومفاجئ للقيم المهمة وتتطلب قصر الوقت في الرد واتخاذ القرار.
الأزمة الدولية لدى المدرسة التوفيقية :حاولت هذه المدرسة التوصل إلى تعريف الأزمة الدولية يضم في طياته مزيجاً من أراء مدرسة النسق ومدرسة صنع القرار. وظهرت هذه المدرسة نتيجة للانتقادات التي وجهت لهاتين المدرستين سابقتي الذكر، ويعد كل من مايكل بريشر وأري أفرل رائدي هذه المدرسة.ويعرف بريشر الأزمة بأنها حالة ترافقها ظروف أربعة ضرورية تفي بغرض قيامها كما هي مرئية من لدن أعلى مستوى لصانعي القرار المعنيين، وهذه الظروف هي:

تغير في ظروف محيطها الداخلي والخارجي.
تهديد للقيم الأساسية آنياً ومستقبلياً.
احتمالية ظهور العنف واستخدام القوة المسلحة.
إن هناك وقت محدد للرد عليها كونها نهدداً خارجياً للقيم.
أما اري أفرل، فيعرف الأزمة بأنها (حالة التغير في المحيط الخارجي والتي سوف تدرك في إطار وقت محدد وكذلك مع اتخاذ وضع لمواجهة تهديد القيم والمصالح القومية. ومن خلال ما تقدم، يمكن القول إن الأزمة تعبر عن (موقف ناجم عن حدوث تغيير في البيئة الخارجية أو البيئة الداخلية للقرار السياسي، يتسم بثلاث خصائص رئيسية في تصور السلطة العليا لصنع القرار السياسي هي:

قيام تهديد للقيم الأساسية للمجتمع يتزامن معه أو يعقبه.
ترجيح الدخول في مواجهة عسكرية.
إدراك إن هناك وقتاً محدداً للرد على هذا التهديد.
سمات الأزمة الدولية وخصصتها للأزمة الدولية سمات وخصائص خاصة بها، تميزها عن الظواهر السياسية الأخرى، وهي بالنسبة للمدرسة النظامية تتمثل بـ:

1. إحداث تغيير محتمل في النظام الدولي.

2. تغيير مفاجئ في مستوى العداء بين الفاعليين الدوليين.

3. الأزمة مدخل شديد ومكثف إلى النظام الدولي يؤدي إلى إخلال التوازن فيه.

أي إن هذه المدرسة تربط بين ثلاث متغيرات هي (الأزمة – التغيير – الصراع) على اعتبار إن الأزمة تربط بين واحد أو أكثر من هذه المتغيرات المهمة لتحديد نموذج العلاقة القائمة بين الدول. لقد حدد (هيرمان) وهو من أبرز رواد هذه المدرسة، سمات وخصائص الأزمة الدولية من خلال ذكره إن الأزمة موقف يصاحبه حالة من العنف والمواجهة الحادة، بالإضافة إلى ما تؤديه الأزمة من حالات عدم الاستقرار داخل النظام الدولي.أما فيل ولياميز (Phil Williams) فقد وجد إن الأزمة الدولية تتسم بكونها نقطة تحول في السياسة الدولية، تؤثر في سلوك الأطراف المشاركة فيها. أما السمات والخصائص التي حددتها مدرسة صنع القرار فترى إن الأزمة الدولية بوصفها محفزاً للوحدة القرارية على التفاعل مع الوحدات القرارية للدول الأخرى، فتتسم بسمات وخصائص من خلال ما تحدثه الأزمة من تغيرات على سلوك صناع القرار وإدراكهم للموقف. وبصورة عامة فإن هذه المدرسة تورد ثلاث خصائص عامة للأزمة وهي:

1. التهديد لهداف وحدة صنع القرار

2. ضيق الوقت ومحدوديته.

3. المفاجئة وعدم التوقع.

ويرى أنصار هذه المدرسة، إن الاختلاف في هذه السمات والخصائص من حيث توفرها كلها أو بعضاً منها ومن حيث مستويات هذه الخصائص، بمعنى إذا كان التهديد (عالٍ – متوسط – منخفض) وكذلك بالنسبة للوقت ومستوى المفاجئة، كلها عوامل يمكن أن تؤثر في إدراك صانع القرار للموقف فيما إذا كان يشكل أزمة أو لا. ففي الوقت الذي عدّ فيه صناع القرار الأمريكان قضية كوبا عام 1962 أزمة فإنهم لم تنظروا إلى قضية النزاع التركي – اليوناني وقضية برلين عام 1958 على إنهىا أزمات دولية، ويعود ذلك إلى اختلال مستويات الخصائص المذكورىة في كلا من المواقف المذكورة.وبالابتعاد كلياً عن هاتين المدرستين والخصائص التي حددتها كل منهما، فهناك بعض الدراسات التي تشير إلى تطرق الكثير من الباحثين والسياسيين لموضوع سمات وخصائص الأزمة الدولية، ولعل من أبرزها تلك الخصائص العامة التي حددها كل من “وينر وكاهن” فهم يرون إن الأزمة هي:

1. نقطة تحول في مسارات الأحداث.

2. موقف يكون فيه اتخاذ القرار أمراً ضرورياً.

3. تهديد للأهداف والقيم العليا لأطرافها.

4. تؤثر نتائجها في مستقبل أطرافها.

5. موقف يزداد فيه الشعور بالضغط والقلق.

6. موقف يزداد فيه حالة الشك وعدم التأكد.

7. نقص في المعلومات.

8. ضيق في الوقت.

9. تغيير العلاقات القائمة.

ويتفق معهم كل من ملر وسكوي (Miller and Iscor) حيث ينظرون إلى الأزمة من خلال سماتها الآتية:

1. الأزمة موقف حاد ومزمن.

2. ليس هناك فترة زمنية محددة للأزمة.

3. تؤدي إلى تغيير في سلوك أطرافها (انعدام الكفاءة – الإحباط).

4. تتضمن تهديد عالٍ لقيم وأهداف أطرافها.

5. تمتاز بالنسبية، فما هو أزمة لأحد أطرافها قد لا يكون كذلك بالنسبة للطرف الآخر.

6. الضغط النفسي والقلق.

في حين يرى (Howard H. Lentener) إن الأزمة الدولية تتضمن:

1. تهديد عالٍ للأطراف يؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار واحتمالية اللجوء إلى العنف.

2. ازدياد حالة الشك وعدم التأكد.

3. ضيق الوقت

4. احتمالية التغيير في الأوضاع الراهنة

في ضوء ما تقدم، نستطيع التوصل إلى بعض النتائج المهمة في هذا المجال، نذكر منها إن خاصية التهديد، وضيق الوقت والخصائص المتعلقة بالتغيير في الأوضاع الراهنة وسلوك أطراف الأزمة فضلاً عن الخصائص المتعلقة بالقلق والضغط النفسي، تكاد جميع الأزمات الدولية تشترك فيها. أما الاستنتاج الثاني، نجد إلى جانب هذه الخصائص العامة المشتركة للأزمات الدولية خصائص أخرى لكل أزمة من حيث طبيعتها – وأسبابها – واختلاف الأطراف التي تتعامل معها الأمر الذي يؤدي إلى بروز خصائص فريدة بكل أزمة دولية. وهذا ما أكد عليه أرون (Aron) حين يقول (لحد الآن لم تتم البرهنة على إن مواقف الأزمة هي كلها مواقف متشابهة فمن المحتمل أن يكون لكل أزمة خصائصها الفريدة، أو ما يمكن أن نسميه بقصتها الخاصة (its Own Story). ويضيف قائلاً: إن ذلك لا يعني أيضاً إن كل أزمة مختلفة كلياً عن تلك التي حدثت في الماضي وتلك التي ستحدث في المستقبل ولو فعلنا ذلك، فإننا سنون أمام حقيقة ضن معرفتنا التراكمية في مجال الأزمة). وبذلك،فإن أرون يشير إلى وجود خصائص خاصة لكل أزمة دولية تميزها عن غيرها من الأزمات، ولكنه في الوقت نفسه يحذر من تجاهل الصلة والعلاقة بين الأزمات التي حدثت في الماضي وتلك الأزمات المعاصرة والمستمرة وتلك المتوقعة الحدوث في المستقبل. أما مراحل تطور الأزمة الدولية، فيرى هارولد نيكلسون إن هيكل أية أزمة دولية هو هيكل عضوي أكثر مما هو اصطناعي وهذا يعود إلى النمو التدريجي للأزمة.

بصورة عامة تتخذ الأزمة الدولية في مسارات تطورها المراحل الآتية:

1. مرحلة قيام الأزمة أي مرحلة ظهورها- تظهر الأزمة وكما سبق أن أوضحنا، نتيجة لعوامل ومسببات، فقد تظهر الأزمة نتيجة لوجود اختلاف في وجهات النظر أو السياسات، أو نتيجة تعارض في المصالح، أو بسبب وجود تهديد يمس أمن ومصالح أحد أطراف الأزمة أو كليهما، أو بسبب وجود صراعات مسبقة. ولكن العامل الأكثر أهمية والأكثر تسبباً في ظهور الأزمة هو عامل التهديد للأمن والمصالح الحيوية للدولة – فمتى ما وجدت هذه الدول تهديداً موجه إلى قيمها ومصالحها وأمنها، فإن ذلك يؤدي إلى قيام التوتر وظهور الأزمة. إن مرحلة قيام الأزمة هي ليست واحدة في كل الأزمات، بمعنى إنها لا تسير على وتيرة واحدة، فبعض الأزمات تستغرق وقتاً طويلاً للظهور، والبعض الآخر يظهر بصورة مفاجئة .

2. مرحلة تصاعد الأزمة -هي تلك المرحلة التي تؤشر ازدياد حدة الأزمة وشدتها، أي ازدياد حدة التوترات والصراعات بين أطراف الأزمة من جهة، وازدياد نطاقها ومجالها كأزدياد عدد أطرافها من خلال انضمام أطراف ثالثة قد تتأثر بالأزمة من جهة أخرى، وكذلك تزداد حدتها وتصاعدها من خلال طبيعة الوسائل والأساليب التي تتم اللجوء إليها من قبل أطرافها كاللجوء إلى العنف، أو القيام ببعض التحركات العسكرية. وهنا يشير هولستي إلى إن هذه الأفعال قد تؤدي إلى تصاعد الأزمة وتصعيد مساراتها منها:

مذكرات الاحتجاج.
الاتهامات المتبادلة.
استدعاء السفراء.
سحب السفراء المعتمدين لدى دولة الخصم.
التهديد بالعواقب الوخيمة من جراء قيام الخصم ببعض التحركات.
فرض الحصار الجزئي او الكلي.
شن الحملات الإعلامية داخلياً وخارجياً.
اللجوء إلى استخدام القوة بشكل محدود أو شامل.
ومن نافلة القول، إن اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة تمثل أخطر حالات التصعيد في الأزمة عندما يصل التهديد إلى الحد الذي يزعزع فيه كرامة الدولة واستقرارها وأمنها.

3. انتهاء الأزمة وتلاشيها – تنتهي الأزمة الدولية بانتهاء مسبباتها واختفاء العوامل المؤدية إليها، فالأزمة التي تنشأ نتيجة لوجود صراع كامن أو مسبق بين دولتين أو أكثر، قد تنتهي بانتهاء هذا الصراع، وغالباً ما تنتهي هذه الصراعات عندما يحس أحد أطراف الصراع أو كلاهما، بمخاطر التصعيد في مسارات الصراع، أو عندما يكون التصعيد الذي يقوم به أحد أطراف الأزمة لا يصل لى مستوى من الاستفزاز والتهديد، وعليه فلن يجد الطرف الآخر مبرراً لتصعيد الأزمة من جتنبه طالما إن ذلك التهديد لا يضر بمصالحه.

وبصورة عامة فإن الأزمة الدولية عندما تأخذ طريقها نحو الاختفاء والتلاشي، فإنها تسير بإحدى الطريقتين الآتيتين:

أ‌. حل الأزمة بالطرق السلمية.

ب‌. حل الأزمة باللجوء إلى الحرب.

أ. حل الأزمة بالطرق السلمية : يتم التوصل إلى الحلول السلمية للأزمة الدولية عندما تلجأ الدول إلى المنظمات الدولية لحل نزاعاتها وصراعاتها ومن بين أهم هذه المنظمات منظمة الأمم المتحدة. حيث أكد ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة الثالثة من المادة الثانية من الميثاق على إن (يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر). ليس فهذا فحسب، بل إن هناك العديد من المعاهدات والإعلانات الدولية التي دعت إلى نبذ القوة في حل النزاعات ومن بين هذه الاتفاقيات اتفاقية لاهاي 1907، وكذلك دعوة عصبة الأمم للدول إلى حل نزاعاتها سلمياً. وقد تلجأ الدول الأطراف في الأزمة إلى فض نزاعاتها بالطرق السلمية من خلال التفاوض وعقد الاتفاقيات تلافياًَ للخطر الذي قد يحل بها في حالة لجوءها إلى الحرب، كما إن هنالك الكثير من الدول التي تتجنب الدخول في الحرب بسبب خوفها مما تسببه الحروب من الاستنزاف والتدمير للموارد المادية والبشرية للدولة. وقد ازدادت أهمية الحلول السلمية للأزمات بشكل واسع بعد الثورة التكنولوجية في مجال إنتاج الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، الذي جعل من الحرب وسيلة مدمرة وهذا ما يفسر لنا حرص كل من الاتحاد السوفيتي السابق والولايات المتحدة الأمريكية على حل الأزمات التي كانت تحدث فيما بينها بالطرق السلمية وتفادي اللجوء إلى الحرب.

ب. انتهاء الأزمة بالحرب وتنتهي الأزمة الدولية بطريق آخر هو الحرب، فعند وصول الأزمة إلى مستويات حرجة جداً فإن ذلك يعني إن مستوى الاختلاف والصراغع بين أطراف الأزمة قد بلغ أعلى مستوياته، وذلك في ضوء المقولة التي ترى إن الحرب هي ظاهرة دولية وأداة من أدوات السياسة الخارجية تشير إلى أعلى مستويات الصراع بين الدول. فالحرب هي الاحتمال السائد في أغلب الأزمات الدولية الحادة، ولكن هناك بعض التساؤلات التي تثار في هذا المجال ومن أهمها: لماذا تقود بعض الأزمات إلى الحرب بينما تحل البعض الآخر بالوسائل السلمية؟.للإجابة على هذا السؤال نقول إن انتهاء الأزمة بالحرب قديتم لسببين أو عاملين:

السبب الأول: قد يكون سبب سوء الادراك غير المقصود لوحدة صناع القرار، أو بسبب الحسابات غير الدقيقة لهذه الوحدة التي قد تنتج عما تتصف به الأزمة الدولية من عناصر الضغط والقلق وضيق الوقت، وضعف قابلية صناع القرار على التنبوء بها، فضلاً عن الظروف الأخرى المصاحبة للأزمة التي قد تؤدي إلى الشك وعدم اليقين لدى وحدة صناع القرار، هذا من جانب ومن جانب آخر، فإن هذه القرارات قد تكون غير صائبة أو غير دقيقة بسبب طبيعة الهياكل التنظيمية الخاصة بنموذج صنع القرار في الأزمة.

السبب الثاني: قد تنتهي الأزمة الدولية بالحرب بسبب رغبة أحد أطراف الأزمة أو كليهما بهذا الحل فغالباً ما تقوم بعض الدول، المتعارضة في أهدافها وقيمها ومصالحها بتوظيف الأزمة فيما بينها لتبرير عدائها، حيث غن الكثير من الدول غالباً ما تضع قرارات للحرب قبل أن تبدأ الأزمة، وتكون الأزمة هنا مجرد سبب عرضي للحرب.وهناك حالات أخرى تلجأ فيها الدول إلى الحرب، لأنها تجد في الحرب الوسيلة التي تؤمن لها تحقيق أهدافها ضد الخصم بتضحيات محدودة بالمقارنة مع تلك التضحيات التي يقدمها الخصم والتي تكون هائلة جداً وهذا ما ينطبق إلى حدٍ بعيد على تلكالدول التي تحاول تغيير الوضع الراهن ويقابل بالرفض من الأطراف المضادة وهذا ما ينطبق على الحروب.

3. إدارة الأزمة الدولية : إدارة الأزمة أنها (سلسلة الإجراءات أو القرارات الهادفة إلى السيطرة على الأزمة والحد من تفاقمها حتى لا ينفلت زمامها مؤدية بذلك إلى نشوب الحرب… وبذلك تكون الإدارة الرشيدة للأزمة هي تلك التي تتضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وحمايتها) … ويستطرد ويليامز في معرض تصويره للصعوبات التي تواجه عملية إدارة الأزمات بقوله إنها محاولة لإدارة ما قد يبدو مستعصياً على الإدارة والسيطرة على ما قد يبدو متعذراً على السيطرة… إنها محاولة للتحايل على الخصم والتأثير فيه مصحوبة في نفس الوقت بمحاولة أخرى للتحكم في تطور الأحداث وتجنب الحرب.أما هانز بيتر نيوهولد، فيعرف دارة الأزمات بأنها (احتواء الأزمة والتلطيف من حدتها بشكل يستبعد معه حدوث اشتباكات عسكرية على نطاق واسع). وفي تعريف الكاتبين السياسيين جورج وسيمونز لها يقولان (إنها كل الإجراءات أو القرارات المؤدية إلى ضبط النزاع والحد منه في مواجهة محاولات الاستفزاز وتصعيده. وإن إدارة دولة لأزمة ما تعني استخدام هذه الدولة لمختلف أدوات المساومة الضاغطة والتوفيقية أثناء هذه الأزمة وعلى نحو يعزز سياستها ويضعف سياسة الخصم، أو في الأقل يقلل خسائرها إلى ادنى حدٍ ممكن. إن أدوات المساومة الضاغطة والتوفيقية تستخدمان معاً في إدارة الأزمة، وذلك لأن موقف الأزمة يجمع بين خصائص حالة الحرب وخصائص حالة السلم، فلا هو تعبير عن حالة حرب صرفة ولا نهو تعبير عن حالة سلام مطلق. ومن المعروف إن أدوات المساومة الضاغطة الصرفة تنتهي إلى حالة الحرب أكثر مما تنتهي إلى حالة السلم، أما الأدوات التوفيقية فهي أدوات علاقات السلم أساساً، لذا تجمع الأزمة بين الأدوات الضاغطة والأدوات التوفيقية معاً. أما كيسنجر، فيرى إن إدارة الأزمة الدولية مفهوم يقترن بالسيطرة على الموقف خدمة لهدف محدد. و إنها تقترن بمدى القدرة على تطويع إرادة الطرف الآخر سبيلاً لتصفيتها لصالحه. أما الجنرال بوفر فقد أشار إلى إنها كالردع سبيلاً إلى منع الدولة المعادية من العمل العسكري. ونقصد بالإدارة الرشيدة للأزمة عموماً العلاقة الإيجابية بين المدخلات والمخرجات أو بين المقدمات والنتائج من ن للإدارة دوراً إيجابياً أو سلبياً بالغ الأهمية في كيفية التعامل مع التحديات وبضمنها الأزمات، يصير واضحاً إن لإدارة الأزمة الدولية وظيفة محددة نراها تكمن في مجمل تلك الإجراءات التي يراد بها التحكم في مسار الموقف الناجم عن الأزمة وعلى نحو يحول دون تصاعده إلى الأسوء أي إلى الحرب مع ضمان عدم تعرض المصالح الحيوية للدولة إلى التهديد الجدي. و إن إدارة الأزمات الدولية قد عرف بشكل عام بأنها (عملية الممارسة للتحكم في الأزمة من قبل الحكومات لكي تقلل من فرص تحولها إلى حالة الحرب.

إلا إن الواقع قد أعطى بعداً آخر للتعريف، بأن أضاف إليه مفهوم المساومة والذي عرفاه بأنه (عملية تفاعلية يتم فيها التلاعب بقيم ومدركات الهويات المشتركة في الأزمة. إن إدارة الأزمات هي علم وفن في آن واحد، بمعنى وجود منهج له أصوله وقواعده وهي فن أيضاً بمعنى إن ممارستها تعتمد على أشخاص يتحلون بقدرات ومهارات خاصة، منها القدرة على الإبداع والتقدير السليم والتمتع بأعصاب ثابتة بحيث لا تهتز أثناء وقوع الأزمات. وإن الحدث عن إدارة الأزمة لا يكون مكتملاً ما لم نعرض الوجه الآخر منه والمعروف بأسم (الإدارة بالأزمات) فما هي هذه الإدارة؟. يقول جيمس ريتشارد سون في معرض تعريفه لها (إن الدراسات الخاصة بإدارة الأزمات، يجب ألا تفترض إن تجنب الأزمة أو الحد من تصاعدها هو الهدف الذي يسعى إليه كل أطرافها، بحيث تلجأ بعض الدول في سعيها لتحقيق مصالحها القومية إلى افتعال الأزمة والتخطيط لها وتصعيدها). وفي ضوء هذا المفهوم يمكن القول، إن الإدارة بالأزمات هي أسلوب يلجأ إليه طرف في علاقة ما إذا اعتقد إن له مصلحة في تغيير الوضع الراهن لهذه العلاقة أما الشعور بالغبن في ظل هذا الوضع أو لاعتقاده بأن الظروف الراهنة تمثل المناخ الملائم بالنسبة له لتعزيز وضعه داخل غطار هذه العلاقة. وتدور المعضلة الأساسية في إدارة الأزمات وفقاً لما كشفت عنه الحقائق التي يمكن استخلاصها من تجارب الماضي، حول المأزق الذي يواجهه السياسيون بين الحاجة إلى حماية المصالح المعرضة للخطر، والرغبة في تجنب التصعيد غير المرغوب فيه للأزمة. وبطبيعة الحال فلن تكون هناك أزمة إذا كان أحد الجانبين راغباً في الانسحاب من المواجهة وتقبل الضرر الذي تعرضت له مصالحه، ومع ذلك فهناك العديد من المواقف يلجأ فيها الزعماء بصورة عمدية إلى تحويل نزاع المصالح إلى ازمة تهدد بنشوب الحرب. وهذا التحدي هو الذي يفرض ضرورة مشاركة الطرفين في إدارة الأزمة والتعاون المتبادل بينهما في البحث عن الأسس والمتطلبات اللازمة كلها تجنباً للعواقب الوخيمة. وفي الواقع هناك مدرستان سائدتان لكل منهما فلسفتها الخاصة بها في إدارة ومعالجة الأزمة الدولية، فالمدرسة الأولى تحمل فلسفة ومفهوم إدارة الأزمة من خلال المعالجات والحلول السلمية الهادئة التي تهدف أساساً إلى منع اندلاع الحرب. ويرى فيليب ويليامز إن اتباع هذه المدرسة يرون الأزمة:

بأنها حدث مرضي باثولوجي تجب معالجته وإنهاءه بالسرعة الممكنة.
إن فلسفة هذه المدرسة تقوم على مبدأ السيطرة على الأزمة بتجنب المخاطر الكبيرة قدرة الإمكان.
المقياس الذي تستخدمه من أجل هذه السيطرة هو هل إن الأطراف المتورطة في نزاع أدى إلى قيام أزمة يمكن أن تؤدي إلى حرب محتملة؟.
فإن كان كذلك فإن المطلوب هو العمل على إيجاد بدائل أقل خطورة يمكن أن تؤدي بالأوضاع إلى حالتها الطبيعية.
إن فحوى معالجة هذه المدرسة للأزمة تقوم على النظر إليها من زاويتها الشمولية جنباً إلى جنب مع زاويتها أو زواياها الجزئية التي كلاً متكاملا.
والأهم من كل ذلك إن المعالجة لا تتم في نظرتها الشمولية على سلوكها وحدها وإنما على سلوك الدولة المخاصمة لها أيضاً.
هذا وإن النتيجة المراد الوصول إليها هي إن لكل خصم مصالحه وإن طرق الموضوع يجب أن يتأتى من التأكيد على المصالح المشتركة للجانبين، أي التقريب ما بين هو مشترك والضغط على المصالح الذاتية وتكيفها إلى الحد الذي يمكن من خلاله رؤية المصلحة الذاتية للطرف الخصم أملاً في إيجاد الجسر المشترك، وكل هذا يمكن أن نطلق عليه معالجات أطراف الأزمة.
أما المدرسة الثانية، فإن حل الأزمة عندها يختلف عن المدرسة الأولى، لا بل إنه نقيض لهان وأهم ما في فلسفة هذه المدرسة من أفكار هي:

إن معالجة الأزمة ليست من زاوية إنها مرضية تجب معالجتها، وإنما هي حالة نزاع بين دولتين محددتين.
إن الأزمة فرصة يجب استغلالها بالضغط على الخصم من أجل الوصول على تنازلات منه وتخدم مصالحها
إن اسلوب الفوز يقوم على التنافس بالضغط الذي تجري من خلاله محاولات التلاعب والتأثير على سلوك الخصم بالاتجاهات المرغوبة.
إن ركوب المخاطر لا مانع من ارتياده طالما إنه يحقق النتائج المطلوبة.
إن الإدارة الناجحة للأزمة هي تلك التي تعمل على الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات من الخصم، وإن أفضل النتائج هي الحصول على نسبة أكبر من الأرباح أمام نسبة كبيرة من الخسائر للخصم.
إن إدارة الأزمة تتمثل بأنها الفن الذي يضمن سمو إرادة أحد الأطراف في صراع المصالح.
إن الدراسة العلمية لكلا المدرستين وأفكارهما بشأن إدارة الأزمة، يوصلنا إلى القول إن أياً منهما لم يغطِ موضوع إدارة الأزمة في كل جوانبها. وحتى يمكن تحقيق ذلك، فإن الجمع والموازنة بينهما هو الأقرب إلى طبيعة الأزمة التي هي ذات طبيعة مزدوجة في جوهرها.أما عن شروط الإدارة الناجحة للأزمة، فيمكن القول نها تكمن في الشروط الآتية:

دور صانع القرار، وهذا الدور يتأسس على ركائز فاعلة أبرزها:
أ‌. نظام عقيدي يرتقي إلى روح العصر وخصائصه: ونقصد بالنظام العقيدي، مجمل العقائد الفلسفية والأدائية التي يعمد صانع القرار إلى توظيفها سبيلاً لتشخيص طبيعة حركة البيئة الخارجية لدولته حيالها، فضلاً عن تحديد كيفية التعامل معها. وإذا تذكرنا إن أنماط تعمل الدولة مع معطيات بيئتها الخارجية تعد انعكاساً لهذه العقائد بنوعيها، يضحى واضحاً إن هذه العقائد عندما تتميز بسمة ارتقائها إلى روح العصر ومعطياته الموضوعية، فإنها تسهل إدارة الأزمة على نحو يؤمن المصالح الحيوية للدولة من التهديد الفعلي أو المحتمل.

ب‌. خصائص شخصية فريدة: يختلف دور صناع القرار باختلاف أثر خصائص شخصياتهم في أنماط سلوكهم، ومع ذلك يكاد الرأي يتفق على إن شخصية صانع القرار عندما تتحلى بخصائص رجل الدولة فإنها تنعكس بالضرورة على كيفية إدارته للأزمة وتسهل من ثم :

– الانفتاح الإيجابي على المعلومات أو المعطيات المستجدة والاستفادة من مضامينها لإعادة تعريف الموقف الذي يتعامل معه.

– التلاعب بحركة الأزمة صعوداً أو هبوطاً وعلى نحو يكرس عدم اليقين لدى الطرف الخصم ويعطل تخطيطه.

– اتخاذ قرارات فرعية تؤمن التعبئة الشاملة والكاملة لمفردات قوة الدولة ضمن إطار واضح من الرؤية الاستراتيجية المسبقة لكيفية التفاعل المؤثر مع الطرف الخصم.

– اختيار أدوات الحركة والتنسيق فيما بينها تبعاً لتطور الموقف وبضمنه استشفاف نوعية ردود أفعال الخصم عندما يواجه بأفعال محددة أثناء عملية إدارة الأزمة.

دراك دقيق للموقف: تقتضي عموم المواقف الدولية الاعتيادية وغير الاعتيادية إدراكاً موضوعياً لمضامينها ودقيقاً لاحتمالاتها سيما وإن سوء الإدراك يحد في الأقل من كفاءة قدرة التعامل معها ويعطل من ثم الارتقاء بها إلى مستوى التحدي الذي تفرزه.
احتواء ضغط الوقت: ففي الأوقات الاعتيادية يتتع صناع القرار بفسحة من الوقت لتحديد بدائل الحركة واختيار البديل المقبول سياسياً، ومن ثم اتخاذ القرار وتنفيذه، أما في الأوقات غير الاعتيادية، فعملية اتخاذ القرار تتم داخل إطار مفعم عادة بالضغوط ومن بين المهم منها ضغط الوقت.
وهذا يترتب نتائج مترابطة قوامها مثلاً تصاعد الضغط النفسي، نقص المعلومات، تضاؤل قدرة التحكم في مسار الأزمة لسرعة إيقاع تفاعلاتها، هذا فضلاً عن اتساع إطار عدم اليقين الهيكلي للصيغة التي يمكن أن تنتهي بها.

من خلال ما تقدم، يمكن أن نخلص إلى القول:

إن الأزمات الدولية لا تنشأ من عدم، وإنما تنشأ من وقوع تهديدات لمصالح مهمة تدور حول قضايا تستدعي الدول الوقوف على طبيعتها والظروف والأحوال التي عملت على قيامها، ومن ثم وضع أساليب مختلفة لمعالجتها بهدف احتوائها وحلها وذلك خشية لما تتركه من آثار سلبية من خلال استمرارها.
إن الأزمات الدولية ليس من فصيلة أو نوع أو من درجة واحدة، فهناك الأزمات الاعتيادية وهناك الأزمات الخطيرة، ثم هناك الأزمات السياسية والاقتصادية والحضارية…الخ والتي تنتمي كل منها إلى فصيلة معينة، أضف إلى ذلك إن الأزمات ليست على مستوى واحد من الأهمية والخطورة فهناك الأزمات الاعتيادية التي تنشؤها اختلافات عادية ليست بذات أهمية وخطورة وتزول بسرعة، وهناك الأزمات شبه الخطيرة التي تحتل مركز ما فوق العادية وما دون الخطيرة، وهناك الأزمات الخطيرة التي تمس المصالح الحيوية والهيئة والأمن والوجود.
منذ إن تقوم أزمة من الأزمات، فإن الدولة المعنية بها تبدأ بالتفكير العاجل في تحديد نوعها ومستواها وخطورتها، وذلك بهدف التصدي لها، وهذا التصدي مهما كان نوعه فإنه يعني وضع خطة مجابهة للأزمة والتي لا بد وأن تتضمن الأفكار وتطبيقات هذه الأفكار التي تكون ما يعرف بالاستراتيجية.
إن مفهوم إدارة الأزمة هو مفهوم مطاطي ويختلف من دولة إلى أخرى ومن طرف إلى آخر، فتكتيك إدارة الأزمة في حالة التهديد العسكري مثلاً هو غيره في حالة التهديد الاقتصادي. وهكذا فإن إدارة الأزمة تتغير بتغير نوع الأزمة ونوع الخصم كما تتغير بتغير الحالات والظروف الزمنية التي تمر بها الأزمة المعينة. ومع ذلك كله، تعد الإدارة ذات الكفاءة العالية ضرورة للارتقاء بالاستجابة إلى مستوى التحديات التيتفرزها الأزمة والسبيل للإنجاز المبدع، والعكس كذلك صحيح.

أحدث المقالات

أحدث المقالات