صرح المرجع الديني آية الله العظمى السيد الحيدري انه يمكن تسمية مساعيه بحركة تصحيحية لأصول ولقواعد المذهب الإسلامي الشيعي ، فلقد صرح في لقاء تلفزيوني بث حياً من على قناة الكوثر الإيرانية الفضائية وضمن سلسلة من الحلقات سميت ” من إسلام الحديث إلى إسلام القرآن ق (2)” بتاريخ 2072013 بما نصه :” نعم أحاول في هذا الشهر الفضيل (رمضان 2013) بقدر ما أستطيع أن أصحح القراءة الموجودة لأصول المذهب ولقواعد المذهب وأقدم قراءة اعتقدها بالنسبة إلى المذهب فإن شئت أن تسميها حركة تصحيحية ما عندي مانع ” ويتابع في وصف حركته فيقول ” ومن أصول الحركة التي أعتقد بها لابدّ أنّ هذا الموروث الذي عشعش في ذهن العقل الإسلامي عموما وفي ذهن العقل الشيعي خصوصا لابدّ أن نحفره حفريات العقل الإسلامي وحفريات العقل الشيعي للوصول إلى الحق الذي نطق به القرآن الكريم”
حيث يشرح في ذلك اللقاء وهو القسم الثاني من السلسلة لماذا اختار المرجع الاتجاه الثالث من الاتجاهات الثلاثة في شرح العلاقة بين القران والروايات ، حيث الاتجاه الأول هو الاتجاه القرآني الذي يقول “القرآن وكفى، طبعا أصحاب الاتجاه الأوّل لهم أدلتهم وأنا لا أريد أن أقول أنّه قالوا كلام بلا دليل ولكن أنا شخصا لا أقبل ذلك الاتجاه وإلّا له علماء كبار وتبنوا هذا ولهم كتب في هذا المجال” . أما الاتجاه الثاني فهو اتجاه الحديث والرواية وهو يمثل الاتجاه المسيطر على الفكر الشيعي المعاصر والذي أنقسم الى فريقين الأول هو ” اتجاه المدرسة الإخبارية التي أسقطت القرآن عن الاعتبار مطلقا” كما هو عند الشيخ الطوسي بينما الفريق الآخر من الشيعة فتمثل ب ” الاتجاه الأصولي جاء وأعطى صبغة للبحث الروائي، يعني لم يدخل البحث القرآني إلى عمق عملية الاستدلال والاستنباط وإنّما اكتفى أنّه إذا تعارضت الأدلة نسأل القرآن لمن نرجح … وهنا لابدّ أن أشير إلى أن العقل الأصولي الشيعي المتكون من زمان الشيخ الأنصاري وإلى يومنا هذا والآن سواء في مدرسة النجف الحديثة أو في مدرسة قم أو في غيرها … و إن كان أصوليا وعقليا بالمعنى الذي يدعي ولكنه في الفروع، وأمّا على مستوى الفقه الأكبر والعقائد فهو منهجهم منهج أخباري … هذه الحوزات على مستوى البحث الفقهي وإن صارت أصولية كما يقال إلّا أنّها بقيت إخبارية على مستوى العقائد يعني المدار هو الرواية وليس القرآن الكريم”.
بعدها يدخل المرجع في شرح لماذا رفض هذين الاتجاهين فيشير الى نقطتين توضيحيتان الأولى وهي تاريخية حيث ” أن عملية تدوين المصنفات الحديثية والتفسيرية والتاريخية واللغوية والنحوية و… كل الدوائر المعرفية إنّما بدأت من أواسط القرن الثاني … سنة 143 شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث والفقه والتفسير … إذن نحن حدودا 140 إلى 150 سنة التراث والموروث الإسلامي لم يدون، بقي في صدور الصحابة والتابعين وتابع التابعين وتابع تابع التابعين، باعتبار أربعة أجيال”.
” النقطة الثانية أن الأحداث التي وقعت بعد رحلة الرسول الأعظم من السنة الحادية عشرة للهجرة إلى سنة تدوين الحديث، أحداث جسام جدا، على مختلف الأصعدة، على مستوى العقائد، والفقه، والسياسة، والإدارة، والفتوحات، المال الذي دخل من خلال الفتوحات، على جميع المستويات أحداث اجتماعية … أن كل هذه الأحداث كان تحتاج إلى غطاء ديني، لأنّ الحكم القائم حكم ديني، ادعاءه حكم خلافة رسول الله وكل هذه الموضوعات تحتاج إلى أحكام، وهذه الأحكام ليست موجودة في القرآن إذن لابدّ من الرجوع إلى غطاء الحديث، فبدأت ظاهرة الحديث … وحيث أنّه لا توجد مدونات حتى يُرجع إليها ولا يوجد قانون مدون ولا مصنفات مدونة إذن تبقى على محفوظات الصحابة والتابعين وتابع التابعين… ومن الواضح أن السلطة عندما تسأل صحابي عن حديث تريد حديثا يؤيد ويغطي لها ما هو عليه وتنفي ما ليس هو عليه … وهذه ديدن السلطات والحكومات التي قائمة الآن… اذهبوا إلى البلدان العربية والبلدان الإسلامية اذهبوا إلى بلداننا كالعراق، تجدون المرجع الذي يغطي للسلطة فبها نعم، أمّا المرجع الذي يعارض السلطة لا يعطى لها مجال، هذه سنة الحياة… وهكذا في كل زمان ولا يستثنى منه الشيعة… أنت ارجع إلى تاريخنا من 4 أو 5 قرون، إلى يومنا هذا وعصرنا هذا والآن في العراق” يتطرق بعدها السيد الى ما قاله الإمام الباقر عما كان الصحابي سلمان الفارسي يتهم به بقية الصحابة فيقول ” إنه كان يقول للناس: هربتم من القرآن إلى الأحاديث ” ثم يذكر” الحديث حتى لو كان كلام رسول الله فهو كلام المخلوق، والقرآن كلام الخالق” ثم يعود السيد لوصف هذه الرواية فيقول ” والله هذه وثيقة تاريخية خطيرة جدا، أن الإمام الباقر يعني في أواسط القرن الثاني يستدل بكلام سلمان الذي (أن) المسلمين رجعوا إلى إسلام الحديث، تركوا إسلام القرآن ” ثم يكمل فيقول ” أضرب مثال من هنا، القرآن يقول {من يعمل سوءا يجزى به } ولكنه عندما تأتي إلى الحديث يقول >حب علي حسنة لا تضر معها سيئة < يعني افعل ما تشاء، حِب علي وانتهت القضية، طبر ليلة العاشر ويغسل كل ذنوبك، امشي للحسين وافعل ما تشاء في 364 يوم، هذا لا يقبله القرآن، مخالف للمنطق القرآني”
يعدها يتطرق السيد الى الخطوات التي اتبعت للتنفيذ مستندا في ذلك لما قاله ابن أبي الحديد المعتزلي لما حدث بعد عهد الرسول بالخصوص في العهد الأموي ، ” الخطوة الأولى … هو أنّه بقدر ما يستطيعون إغلاق المنافذ على باب مدينة علم الرسول، بأي طريق لابدّ أن الذي يريد أن يقوله (الإمام) علي عن حديث رسول الله أن لا يصل إلى أسماع المسلمين، إذن الخطوة الأولى إغلاق الطريق على السنة أو على علي وأهل بيته ” اما الخطوة الثانية التي اتبعها الأمويون فتمثلت بإظهار فضائل ومناقب الخليفة الثالث وتقريب شيعته وإكرامهم ، وبعدها أمروا بإظهار فضائل ومناقب بقية الخلفاء لا بل بقية الصحابة حيث بدأ الأمويون بتكوين جهاز ضخم لوضع الأحاديث وكان أهم أمر طلب منهم حسب ما نقله السيد هو ” ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وتأتوني بمناقضا له في الصحابة … ، ثم يقول ( ابن أبي الحديد) فظهر حديث كثير موضوع، في هذه المنظومة الكاملة من الخلافة والصحابة والخلفاء والإمامة والسياسة والدين والفقه وكل شيء لتغطية وإعطاء الشرعية لحكومة بني أمية… ثم يقول ( ابن أبي الحديد) وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم في تاريخه وقال: إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم … أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلا يرغب في مثله”
ثم يحاول المرجع الحيدري ان يختم كلامه فيقول ” هذه هي النظريّة، نظريّة الإقصاء، الآن لا يفرق إقصاء سياسي فكري ديني مرجعي لا يفرق، فقط إقصاء لأنّه لابدّ هناك من قدسية، لابدّ أنّه تعطى قدسية، هذه القدسية من أين تأتي؟ أمّا السلطة السياسية تقول الناس انتخبتني، أمّا المرجعية تقول الحجة بن الحسن عينني، بيني وبين الله من يستطيع أن يتكلم على تعيين الحجة بن الحسن؟ لهذا أتت هذه النظريّة التي أصولها أموية، وهي أنّ الحجة هو الذي يعين المرجع الأعلى، هذه أصول أموية حتى يقطعوا الطريق على أي نقد على المرجع” وهنا يتحدى الحيدري تيار المرجعية التقليدي السائد فيقول ” وهنا أنا أدعوا دعوتي واضحة من يدعي أن الإمام الحجة، قلت من يدعي أن أحدا رأى الإمام الحجة في عصر الغيبة الكبرى قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وأتحداكم كل حواضركم العلمية والكتب العلمية إذا استطعتم أن تأتوا بدليل واحد مستند أنّه رآه أحد، وأتحداكم ثانية أن يقول أحد ما هو الدليل أن الإمام يتدخل في تعيين مرجعية، نعم قد يكون المرجع مؤهلا له صفات كذا وقد الإعلام يخلق المرجع، المال يخلق المرجع وإلى غير ذلك ” ويتابع بان كلامه ليس عن المراجع وليس عن الأشخاص بل عن النظرية ( الاقصائية ) “لا أتكلم عن القضية الشخصية، وعن السلوك الشخصي، أنا أتكلم عن النظريّة التي يحاول أن يروج لها بأن المرجعية معينة، أنا حديثي مع المروجين لا مع أشخاص المراجع”
ختاما أقول ان المرجع الحيدري يحاول ان يبين في هذه الحلقة التلفزيون لماذا رفض الاتجاه الشيعي السائد الآن في اعتماد الرواية كأساس لصياغة الإسلام المطروح بين الناس، ولا ننسى انها مجرد القسم الثاني من سلسلة من الحلقات فلا داعي للاستعجال في إطلاق الأحكام حول افكار السيد. وهنا نذكر بانه أعلن صراحتا عن الغرض من مشرعه الإصلاحي والمتمثل بإعادة صياغة أصول وقواعد المذهب على أساس القران وليس على أساس الرواية.
للاطلاع على النص الكامل للقاء يمكن الرجوع الى الموقع الرسمي له على الرابط التالي:
http://alhaydari.com/ar/2013/07/49075/