بعدما خرجت التظاهرات قبل ثلاثة أيام بتصعيد واضح ضد حكومة الكاظمي، وهي في أيامها القليلة الأولى، استوضحت الأمر من مصدر من ساحة التحرير، فكان تقريره المختصر كالآتي:
المتظاهرون بخصوص التصعيد الأخير، منقسمون إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى ضد التصعيد، ومع إعطاء مهلة للكاظمي، لاختبار مدى تحقيقه لمطالب المتظاهرين.
الفئة الثانية: مع التصعيد باعتبار حكومة الكاظمي جزءً من المنظومة المحاصصاتية التي جاءت بعد ٢٠٠٣، وترى وجوب إسقاطه وحكومته، والعملية السياسية برمتها.
الفئة الثالثة: ضد الكاظمي وضد إعطاء مهلة له، ومع التصعيد من حيث المبدأ، لكن ضده حاليا، بل ترى إرجاءه إلى وقت لاحق، بسبب خطورة الوضع الصحي.
وأضاف الناشط الميداني في ساحة التحرير في تقريره المختصر، وهو من تجمع دولة المواطنة، بأن هنالك أخبارا شبه مؤكدة بوجود عناصر من أحزاب السلطة الرافضة للكاظمي، وبأن لها يدا في التحريض على هذا التصعيد.
والذي داعني إلى كتابة هذه المقالة، ما كتبه لي صديق علماني ليبرالي يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وهو من دعاة الثورة من زمن طويل، وذلك في ضوء سؤالي له ما إذا يريد أن يوقع على نداء موجه إلى الكاظمي، كان بمبادرة من صديق وهو سياسي يساري مستقل معروف؛ والذي أي النداء وقع عليه العديد من الشخصيات الديمقراطية العلمانية، فكتب لي هذا الصديق الآتي:
التوجه بالنداء إلى لكاظمي بالنسبة لي أصبح يمثل اعترافا بسلطة نظام زائل، أو يجب زواله، لأنه فاقد الشرعية، والأصوات الشريفة لا يجب أن تمنحه هو أو غيره مثل هذه الشرعية التي لا يستحقها. الآن أصبح بيننا وبين هذا النظام دماء عشرات ألوف الضحايا الذين سقطوا في الحروب الطائفية، وحروب داعش والقاعدة، وأخيرا سوح الانتفاضة، مثلما كان بيننا وبين نظام صدام كل دماء المقموعين والمعدومين وضحايا حروبه وحصاره.
فأجبته بما أورده هنا، حيث فكرت بعد ذلك تحويله إلى مقالة، بعد المراجعة والتنقيح والحذف والإضافة.
الآن المتظاهرون منقسمون إلى موقفين [حيث اعتبرت الفئتين الثانية والثالثة ذات موقف واحد، فالفرق بينهما فقط في توقيت التصعيد] أحد هاذين الموقفين مع منح مهلة للكاظمي، لكن مع مواصلة الحضور للمتظاهرين بحسب الضرورة، ومراقبتهم لأدائه وأداء حكومته، ومزاولة الضغط كلما تطلبت الحاجة. بينما الموقف الثاني مع التصعيد ضد الكاظمي وإسقاطه. ثم كتبت لصديقي هذا: أنت مع الفريق الثاني، وأنا مع الأول، مع العلم إن الأكثرية المتحمسة من الفريق الثاني، تكاد تكون ضد كل شيء، ضد بلورة قيادة للثورة، ضد وجود ممثلين لها، سواء كمتحدثين رسميين، أو كمفاوضين عند الحاجة، ضد التنظيم، فكأنهم مع هدم كل ما هو موجود، وأنا أؤيد الهدم من حيث المبدأ لكل ما يجب هدمه، لكن كأني بهم مع الهدم، دون امتلاك خريطة للبناء، ودون تهيئة للمواد الأولية للبناء، وهذا الفريق كأنه يريد أن تجري الانتخابات غدا، وليس بعد غد، مع إنه لم يهيئ، ولا بنيته أن يهيئ أي شيء من مستلزمات خوض المعركة الانتخابية، وغالبا ما يكون هذا الفريق هو من الشباب، الذي ننحني له من جهة، لبطولته وتضحياته ونفسه الطويل، أما الفريق الأول فهو غالبا من نشطاء ثورة تشرين المثقفين والواعين سياسيا، وكتبت له: ونجد صديقي السياسي الواعي، وواسع الثقافة، وأستاذ العلوم السياسية، يصطف مع الفريق الثاني. يا أخي وحبيبي وأستاذي، لا يوجد في العراق چي گيڤارا، ولا يمكن أن نقتدي بالثورة الفرنسية العظيمة، والتي مع عظمتها قطعت بالمقصلة حتى رؤوس خدم القصر الملكي، ورؤوس أطفال العائلة المالكة، وما نحن بثورة بلشفية يقودها لينين، وما زال هناك فراغ سياسي، ليست لدينا أحزاب ديمقراطية علمانية مؤثرة وذات فرص يعتد بها، سواء كانت يسارية أو ليبرالية أو حتى محافظة، نحن نريد أن نهدم فقط، وليس لدينا أي برنامج، ولا خطة، سوى برنامج هدم، هو بلا شك ضروري وملح، ولا بد منه؛ فإننا نريد هدم أركان الطائفية السياسية، والإسلام السياسي، والفساد المالي والإداري، والمحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، ونريد رؤوس هذا النظام وراء القضبان، أما ما هو خارج القضبان، فلا أحزاب ديمقراطية، ولا بدائل للطبقة السياسية القابعة رؤوسها وراء القضبان تنتظر المثول أما قضاء عادل، ولا تنظيم، ولا قيادة، فكل ذلك مرفوض من الفريق الأول الذي يمثل الأكثرية، هذا هو الواقع وأعتذر.
الكاظمي في يومه السادس، وأنا ضد الاستعجال بتأييده، أو بالمطالبة بسقوطه، وعمر ثورة تشرين سبعة أشهر ونصف، وهي على استعداد أن تستأنف بعد شهر أو شهرين، أو أقل أو أكثر قليلا، وذلك بأقصى عنفوانها، إذا رأت من الكاظمي أنه فعلا لم يف بأي من وعوده، ولا هناك مؤشر لذلك، فعندها يكون الضغط والتصعيد، وإذا لم ينفع التصعيد، فهي ثورة حتى اقتلاع كل الطبقة السياسية. لكن حتى مع ذلك أخشى أن تأتي مرحلة الفوضى، وقد تأخذ هذه المرحلة لا قدرت الأقدار سبع عشرة سنة أخرى. فكم نريد أن نضيع من عمر شعبنا؛ أربعون سنة حكم ما بين بعثي وقومي عروبي، منها خمس وثلاثون سنة مع الطاغية صدام، ثماني سنوات حرب طاحنة مع إيران، تحمل مسؤولية ضحاياها طاغيتان، هما صدام والخميني، انتفاضة عمت خمس عشرة محافظة قمعت قمعا دمويا لا حد له، مجزرة حلبچة، الأنفال، المقابر الجماعية، اثنتا عشرة سنة حصار اقتصادي، وأخيرا سبع عشرة سنة مع أسوأ طبقة سياسية، متحاصصة بين أكثرية من أسوأ سياسيي الشيعة، ومن أسوأ سياسيي السنة، وأسوأ سياسيي الكرد.
لا يمكن أن نكون إلا مع الثورة، لكن نريدها ثورة تستند إلى فكر سياسي واع، فكل الثورات الكبيرة الناجحة كان وراءها مفكرون وفلاسفة، وتستند إلى تنظيم، وإلى خطة للبدائل، إلى برنامج بناء، إلى عقلانية، لكننا لا نريدها عقلانية باردة تفقد حرارة الثورة، ولا نريدها ثورة بسخونة عالية لا تفكر معها بعقل بارد، عندما يراد للعقل أن يقول كلمته، ولا يضيع صوته في صخب حماس الثورة.