بدءًا، أود الإشارة الى تسميات أصوات الدواب باللغة العربية، وما استذكاري لها إلا لأنها ماعادت تخص الحيوانات فقط، فهناك كثير من الذين يرتدون لباس بني آدم ويتزيون به، فيما هم على حقيقتهم غير ذلك، ومصطلح “حيوان ناطق” قد يضطرنا الى استحضاره واستخدامه في مجتمع لاإنساني، ما لنا بد من العيش فيه ضمن المجتمع الإنساني الذي يحتوينا. وأظن في عيش كهذا مرارة قالها المتنبي في بيته:
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدوا له ما من صداقته بد
إذ يطلق مسمى: (رغاء) على صوت البعير، و (خوار) على صوت البقرة، و (ضغيب) على صوت الأرنب، و(شحيج) على صوت البغل، و (نعيق) على صوت البومة، و (نعيب) للغراب، و (ضباح) للثعلب، و(خترشة) للجرادة، و (نهيق) للحمار، و (مأمأة) للخروف، و (ثغاء) للماعز، و(قباع) للخنزير، و (عرير) للصرصور، و (زمجرة) للضبع… والقائمة تطول على عدد الحيوانات المخلوقة على وجه المعمورة. وإنه لمن المضحكات المبكيات التي مرت على العراقيين خلال العقود الخمسة المنصرمة، ارتفاع دوي وجعجعة وكثرة الكلام -الفارغ طبعا- واللغو واللغط والغلو، في أرجاء الساحة السياسية التي يتصدرها قادة البلد على مر تلك العقود من دون انقطاع، بل أن وتيرتها في تزايد لايقف عند حد، والغريب في الأمر أن اللغو لم يكن محصورا فيما يلقى من الكلام او المسموع منه، بل تعدى ذلك الى حيث الكلام المقروء، والتصريحات والخطابات.
ولا أريد الإطالة أكثر فالتصريحات والقرارات المتخذة طويلة عريضة تغرد في وادٍ، فيما مطالبات المواطن الملحة والضرورية وحاجاته الماسة تصرخ في وادٍ غير ذي أذن تصغي لها، كما أن البلد اليوم بانتظار قرارات حاسمة حازمة في مفاصل عديدة على شفا حفرة من هاوية عميقة، وكان الأولى بالمجلس التشريعي مناقشتها والبت بها (اليوم گبل باچر).
إنه لمن المؤلم حقا ان تعلو مسميات الأصوات التي ذكرتها آنفا في أجواء العراق السياسية ومجريات اجتماعات مجالسه الثلاث، والمؤلم أكثر اختفاء أصوات أخرى نحن اليوم ننادي باحتياجنا الحتمي لها، لاسيما أننا في حلبة الصراع مع المفسدين، تلك الأصوات هي؛ (تغريد) للبلبل، (هديل) للحمامة، (زقزقة) للعصفور، (عندلة) للعندليب. فمن من ساستنا يتندر ويسمعنا شيئا من الأخيرات، وياحبذا لو أكرمونا بسكوتهم عن الأوليات، وقد قال تعالى: “إن أنكر الأصوات لصوت الحمير”.
[email protected]