17 نوفمبر، 2024 10:47 م
Search
Close this search box.

مجالس الإدارات في الشركات الحكومية … بين الواقع والطموح

مجالس الإدارات في الشركات الحكومية … بين الواقع والطموح

أن معظم المشاكل التي تواجهنا في العمل هي في الواقع مشاكل أدارية ذات طبيعة تشريعية وتحمل بين طياتها نتائج سلبية  , فتوزيع الحوافز والأرباح وتحديد الرواتب وتوزيع المناصب والمهمات القيادية كلها قرارات إدارية ذات تأثير مباشر  على العملية الإنتاجية , لذا فأن البعض من القوانين والتعليمات المركزية الصادرة من جهات عليا قد لا تنطبق على الواقع الفعلي بسبب عدم توافر الظروف الملائمة لتطبيقها أو لتضرر شريحة واسعة من العاملين منها أحيانا , وهذا يعتمد على التزام الإدارة العليا بالأخلاقيات والمسؤوليات والقيم الاجتماعية من اجل تحقيق العدالة والإنصاف بين العاملين 0
ومن تلك الإدارات المهمة هو –  مجلس الإدارة – باعتباره الإدارة العليا ذات الصلاحيات الواسعة في الشركات ,المسئول عن رسم ووضع السياسات والخطط الإدارية والمالية والتنظيمية والفنية اللازمة لسير نشاط الشركة وتحقيق أهدافها وهو يفوق الإدارات الأخرى في توجهاته التي تتحدد بحماية مصالح العاملين مع اهتمام عام بتوزيع الإرباح والحوافز والأمور الأخرى ذات العلاقة بالمسؤوليات الاجتماعية وأخلاقيات العمل , ومن خلال تفادي التعامل المصلحي للعضو مع الشركة التي يعمل فيها وإفشاء المعلومات المهمة عنها أو الإسهام في الفساد الإداري والمالي والتزوير 0
ومن المعالجات المطروحة هنا ترشيح أعضاء من المؤهلين والقادرين على طرح الاستفسارات عن الأداء والرقابة باستمرار , وأن يضم المجلس نسبة من الأعضاء الخارجيين مع توسيع صلاحياته وتقليل خضوعه لقرارات الشركات و الوزارات بما يعزز من قدرته على رقابة إدارة الشركة من ناحية وتوجيه أعماله للتخطيط والرقابة الآستراتيجية واتخاذ القرارات المهمة والاهتمام بمتابعة الأداء والرقابة العامة على كافة الأنشطة من ناحية أخرى بدلا من الأمور الروتينية الغير مهمة التي تستغرق كل وقته وجهد أعضائه 0
عادةِ تتكون – مجالس ألإدارة  في العراق بموجب قانون الشركات العامة رقم (22) لسنة 1997 المادة (20) من مدير عام الشركة رئيسا وثمانية أعضاء تجري تسميتهم (أربعة أعضاء يختارهم الوزير من داخل الشركة من بين رؤساء التشكيلات , واثنان يختارهم الوزير أيضا من خارج الشركة ضمن القطاع من ذوي الخبرة والاختصاص وعضوين منتخبين من قبل منتسبين الشركة ) , زائدا ثلاثة أعضاء احتياط ينتخب المنتسبون أحدهم ويعين الوزير العضوين الآخرين , إما في اليابان تتكون مجالس ألإدارة من أعضاء من داخل الشركة فقط , بينما في أمريكا وألمانيا تتكون مجالس الإدارات من أعضاء من داخل الشركات وأعضاء من خارجها ,أي ثلث الأعضاء من داخل الشركة وثلثين من خارجها, وهي الأكثر قربا لمصالح العاملين 0
أن النظام الداخلي للشركات هو الذي يحدد طريقة انتخاب أعضاء مجلس ألإدارة , فأما أن يجري الانتخاب بشكل سنوي أو أن تحدد مدة قصوى يجب أن يتم استبدال كامل أعضاء المجلس خلالها ,أو يتم استبدال عدد من الأعضاء كل سنة , إما عندنا فمدة دورة – مجلس ألإدارة – ثلاث سنوات قابلة للتجديد تبدأ من تاريخ أول اجتماع له ,وتنتهي عضوية عضو المجلس عند الغياب والوفاة أو السجن والتقاعد ولاستقالة 0
من هنا يجب إعادة بناء الإدارة العليا وتغيير أساليب وطرق اختيار وتجديد ولاية المدراء بمختلف مستوياتهم وفق أسس علمية تعتمد الشهادة الدراسية العليا والخبرة الفنية ومبدأ النزاهة والكفاءة الشخصية مما يؤثر إيجابا على انتخاب وتأسيس (مجلس أدارة )  كفء له القدرة على الوفاء بالعهد وأداء الأمانة وشجاعة الموقف والقرار وتحمل المسؤولية وحل الخصومات وإزالة التوتر وتقوية روح العمل الجماعي والتضامن لتحمل المسؤوليات ومواجهة الصعوبات ,  ويصبح اختيار الأشخاص لشغل مواقع المسؤولية العليا مهمة رفيعة تتطلب جهود كبيرة ومضنيه.
ومن الملاحظ أن العمل لا زال مستمرا بقانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997  و خاصة المادة -20- منه التي تنص على إن المدير العام هو ذاته رئيس – مجلس الإدارة – كما إن العديد من أعضاء المجلس الآخرين هم من أصحاب المناصب الإدارية في الشركة كالمدير المالي والمدراء الفنيين التنفيذيين الآخرين في الشركة من الذين يملك المدير العام القدرة على عزلهم من مناصبهم وقتما يشاء , وحتى أعضاء – مجلس الإدارة – القادمين من خارج الشركة قد تربطهم بالمدير العام صلات وثيقة من خلال الصداقة الشخصية أو نتيجة تقاطع مجالس إدارة الشركات مع بعضها ,مما يجعل تلك المجالس اقل استقلالية وغير حيادية في اتخاذ القرارات ومرتبطة بالقرارات التي يتخذها المدير العام ,وتجعله يتمتع بحماية اكبر مما يتمتع به في ظل مجلس إدارة اغلب أعضائه من خارج الشركة أو القطاع لا تربطهم به إي صلات وبالتالي استقلال أعضاء مجلس الإدارة ومنحهم مخصصات مئوية تصاعدية  مرتبطة بزيادة الإنتاج بدلا من المخصصات المقطوعة سوف يؤدي بالنتيجة إلى تحسين رقابة تلك المجالس على أداء الشركات ومطالبتهم بإقصاء المدير صاحب الأداء المتدني , وقد شهدت السنوات الماضية عزل الكثير من المدراء العامين لشركات أمريكية أمثال (GM وIBM) وغيرها وهذا لم نسمع به قبل ثلاثين سنة من ألان في العالم الغربي ولم نسمع به في العراق لحد ألان ,  بينما شركة (General Electric) الأمريكية واحدة من أفضل الشركات لإنتاج المواد المنزلية والمعدات الميكانيكية والكهربائية ولها عدة فروع منتشرة في مختلف أنحاء العالم , بدأت مشوار عملها بمبلغ(76) مليار دولار فأصبح خلال فترة (543) مليار دولار , بقيمة سوقية مضافة قدرها (467) مليار دولار,أي ما يعادل ميزانية العراق لأكثر من أربعة سنوات بفضل أدارتها الناجحة ومجلس أدارتها الفاعل ,ولكي نصل إلى هذا المستوى من العمل الفعال أو ادني منه قليلا , نرى من الضروري إن يتم انتخاب أعضاء – مجلس الإدارة – من قبل العاملين وبنسبة 50% من الأعضاء إما بالتصويت التراكمي أو بالتصويت غير التراكمي , في التصويت التراكمي يحصل الموظف على أصوات تساوي سنين خدمته الفعلية مضروبة بعدد مقاعد مجلس الإدارة , فإذا كان لدى(محمد) خدمة فعلية (30) سنة وكان مجلس الإدارة مكون من عشرة مقاعد , فسيحصل (محمد )على (300) صوت يوزعها كيفما يشاء فيمنحها لأحد المرشحين أو يوزعها عليهم أما في الأسلوب غير التراكمي فسوف يحق للعاملين الذين لديهم خدمة (30) سنة صعودا التصويت وما دون ذلك لا يحق لهم التصويت أما رئيس المجلس وبقية الأعضاء فترشحهم الوزارة أو مجلس الوزراء على إن يكونوا من خارج الشركة المعنية يحملون شهادات عليا بالاختصاص ولهم خدمة وظيفية طويلة من خلال العمل الميداني أو العمل الأكاديمي , وهذا يتطلب أعادة النظر بالقانون أعلاه وفق متطلبات المرحلة الحالية و الكثير من القوانين التي شرعها النظام السابق وفق أرائه وأفكاره الاقتصادية و السياسية المرحلية 0
وأخيرا إن تركز الإدارات والصلاحيات لدى جهة واحدة سوف يحول دوائر الدولة وشركاتها إلى ساحة لكسب الرزق وصناعة الشخصية والمكانة الاجتماعية كما يحول تلك الدوائر والشركات إلى إقطاعيات شخصية أو ما يسمى بالإقطاع الإداري وبالتالي يؤدي إلى تراجع الاستثمار والإنتاج وتقسيم العاملين إلى طبقة حاكمة تتمتع بالامتيازات المادية والمعنوية وطبقة محكومة تبحث عن من يدافع عن حقوقها الضائعة , مما يدفعها إلى تشكيل النقابات المهنية أو اللجوء إلى التظاهر السلمي أو الفتور في العمل.

مدير حسابات اقدم/شركة نفط ميسان

أحدث المقالات