أثارت تصريحات النائب المثير للجدل عزّة الشابندر التي ردّ فيها على السيد أحمد الصافي خطيب جمعة كربلاء , موجة من السخط والاستنكار , مما دفع رئيس الوزراء نوري المالكي لإصدار بيان بسم ائتلاف دولة القانون , مستنكرا ما تحدّث به السيد الشابندر من إساءة إلى مقام المرجعية الدينية ومعتبرا هذه التصريحات تمثل رأي السيد الشابندر الشخصي وليس رأي التحالف الوطني أو ائتلاف دولة القانون أو حزب الدعوة الإسلامية .
والحقيقة أنّ الانتقادات التي وجهها السيد أحمد الصافي حول معاناة الناس من تردي الخدمات التي تقدمها الدولة والأحداث الأخيرة التي مرّ بها البلد من فوضى وانعدام للأمن وفضيحة هروب الإرهابين من سجن أبو غريب , تأتي في صلب العملية الديمقراطية التي وفرّت للجميع حق ابداء الرأي , كما إنّ رد السيد الشابندر على هذه الانتقادات هو الآخر قد جاء ضمن سياقات هذه العملية الديمقراطية , وهذه علامة وممارسة صحية ينبغي تعميقها من أجل بناء نظام ديمقراطي حقيقي يضمن للجميع حق إبداء الرأي .
لكنّ الغريب في ردّة الفعل المصطنعة التي تبناها بيان ائتلاف دولة القانون وبعض الجهات السياسية التي تريد أن تجعل من كلام السيد الشابندر الخالي من أي إساءة , وسيلة للتقرب والزلفى على حساب الديمقراطية , فالقول بوجود مرجعية دينية شيعية واحدة هو مغالطة للواقع والحقيقة , فالعالم الشيعي وتحديدا العراق يعجّ بالعديد من المرجعيات الدينية , وهذه المرجعيات ليست مؤسسات معصومة من الخطأ حتى لا توجه إليها الانتقادات , وهي نفسها تنتقد بعضها البعض وتختلف فيما بينها , والسيد الصافي لا يعدو أكثر من أمام جمعة يمارس دوره الإرشادي في توعية الناس وتشذيب سلوكهم , وما يقوله سواء كان رأيه أو رأي المرجع الذي يمثله ليس كلاما منزلا , فمن حقه أن ينتقد ومن حق الآخرين الرد عليه , ولو كانت لنا مرجعية دينية واحدة كالأزهر في مصر لما اختلفت هذه المرجعيات للحد الذي تصل فيه للتناحر والتنابز , ولا أريد في هذا المقام أن استعرض تاريخ الصراعات بين هذه المرجعيات .
لكنّ الذي أريد قوله إنّ محاولة إضفاء هذه الهالة من القداسة على هذه المرجعيات الدينية تقف وراءه أسباب سياسية بحتة ومصالح ليس لها علاقة بالدين , وهذا السخط والاستنكار على كلام السيد عزة الشابندر , لا يعدو أكثر من نفاق وزلفى من أجل كسب رضا هذه المرجعيات , فالأحزاب السياسية الحاكمة وقياداتها تحاول دائما التقرب من هذه المرجعيات من أجل تغطية عجزها وفسادها والسكوت على هذا العجز والفساد واستثمار تأثير هذه المرجعيات على عامة الناس .
وبالرغم من صحة الانتقادات التي وجهها السيد أحمد الصافي في خطبته الأخيرة , إلا أنّ هذا لا يستوجب هذا السخط وهذه الضّجة والتسارع لاستصدار بيانات الاستنكار والشجب والتبرئ من كلام الرجل , وكأنّه مسّ الذات الإلهية وتجاوز على المقدسات , ورجل الدين مهما علت منزلته العلمية يبقى انسان غير معصوم ومعرّض للخطأ والصواب , وأي محاولة لمنع الناس من انتقاد رجال الدين وتصرفاتهم سيؤدي إلى تحوّلهم إلى سلطة فوق السلطات وقوة فوق القانون , ومقام المرجعيات الدينية يتعمق أكثر في نفوس الناس كلما ايتعدت هذه المرجعيات عن التدخل في الحياة السياسية العامة .