26 نوفمبر، 2024 11:23 م
Search
Close this search box.

العقول المنفتحة والعقول المفتوحة

العقول المنفتحة والعقول المفتوحة

العقل هو الجوهرة الثمينة التي لم يمنح البشر مثلها وهو مقياس تفاضلهم وتفاوتهم وهو مقياس الجزاء والحساب والعقاب والثواب وهو الفرق بين الحيوان والانسان وبين العاقل والمجنون وبين الحكيم والسفيه، ولكن العقل نفس العقل؛ هو نزيه ومحايد؟ هل هو كامل متكامل ام انه يتكامل ويرتقي مع الخبرة والتجربة والتعلم؟ هل هو متساوي عند جميع البشر ام انه متفاوت كماً ونوعاً؟ قطعاً العلم الحديث والتراث القديم والاديان السماوية والوحي الالهي كلها تجمع على ان العقل يبدأ صغيراً ويكبر ويبدأ ضعيفاً ويقوى ويبدأ فارغاً ثم يمتلأ – وربما يبقى فارغاً عند البعض!- وهو يتكامل بالتجارب والخبرة والتعلم والاستفادة من تجارب الاخرين وغيرها الكثير من وسائل تكامل العقول وتطويرها.
العقل نبي داخلي والعقل منصف بذاته والعقل ميزتنا التي ميزنا الله بها عن بقية الخلق والعقل نظام تشغيل عام الاستخدام (general purpose operating system) ولكن هل هو بديل عن الوحي الالهي؟ وهل هو كافي بأستقلاله عن الدين ان يحكم حياة البشر ويوصلهم الى جنة الفردوس الارضية؟ وهل يستطيع ان يسن القوانين وينظم الدساتير التي تضمن العدالة الاجتماعية وتقضي على الفقر والجهل والمرض والجوع؟ وهل يستطيع العقلانيون في مختلف بقاع الارض ان يتفقوا على دستور موحد يوحد البشرية مادياً ومعنوياً وليس شكلياً ظاهرياً كما يحصل الان في دول دعاة الانسانية والحرية والعلمانية العقلية؟ لا احد يستطيع ان يدعي ذلك ويثبته بدليل وكل من يدعون ذلك او يحلمون به …………. يحلمون!
العقول الفارغة
ان مصطلحاً كهذا لا صحة له في ارض الواقع فلا وجود لعقل فارغ في الوجود فحتى الحيوانات التي هي بلا عقل تكتسب خبرة بالتجربة والخطأ فما بالك بالبشر الذي يمر بمراحل حياة مختلفة ويعاشر بشراً مختلفين ويمر بظروف متنوعة كلها كفيلة بتراكم خبرة وتجربة في دماغه تؤهله لأكتساب بعض من المهارات العقلية ولكن وصول الانسان الى مرحلة تجعله يسلم امره الى غيره فكراً وعقيدة وثقافة وعلماً وفهماً واسلوب حياة ومباديء واخلاق ومثل وقيم وكلها يأخذها بلا فكر ونقاش من الغير فهذا يعني ان عقل صاحبنا الاتكالي فارغ او شبه فارغ ولا يعمل شيئاً سوى الاتكال على عقول الغير لتفكر له وتعطيه النتائج!
العقول المنفتحة
يدعي البعض ان عقولهم منفتحة ويدعون الغير الى انفتاح العقول وينبذون التقليد الاعمى للغير والاتكالية الفكرية ويذمون اتباع الاباء والاجداد والسير على نهجهم بلا تمحيص وتدقيق للصالح من الطالح بل ويصل الامر بهم الى الثورة على كل موروث والتمرد على كل ما عند الغير بغض النظر عن صحته وخطأه بحجة انهم يتبعون شعار (انا ارفض اذا انا موجود!) وطبعاً ظاهر الدعوة جميل بل انها تحاكي ذم السماء بكتبها لتقليد الاباء والاجداد تقليداً اعمى ولكن! هؤلاء القوم كما ذكرنا تمادوا في انفتاحهم حتى استحال انحلال وتمرد على انسانيتهم وتخبط جر البشر الى ويلات وويلات وجر اصحابه الى انكار فائدة الشرائع السماوية وادعاء عدم كفايتها ووعايتها للموجود اليوم وانها اكل الدهر عليها وشرب وانها لا بد ان تنسخ وتغير على اهوائهم للتتماشى مع انفتاحهم فظلوا واظلوا الكثير من خلق الله وهم على هذا النهج مستمرون. فبعد ان حبسوا الدين في بيوت الدين في كل الاديان وما زالوا يحاولون مع الاسلام المثل اتجهوا الى مسخ الانسان قيمياً وعقائدياً ودينياً بل وبشرياً حتى فأجروا التجارب لخلق مخلوقات خارقة ممسوخة واباحوا الجنس بين الامثال وتغيير الجنس من ذكر الى انثى وبالعكس ودعموا العلاقات المشبوهة قبل وبعد الزواج في محاولة لتحويل الانسان الذي اكرمه الله تعالى وفضله على كثير من خلقه تفضيلاً الى حيوان غريزي شهواني يسعى ليل نهار الى اشباع الفرج والبطن والمطامح المتزايدة للأنفتاح اللامتناهي!
العقول المنغلقة
على النقيض من المنفتحين فهم اصحاب التقليد الاعمى والجمود والركود على ما يكتسبون في اول العمر بلا محاولة للتغيير ولا حتى اتاحة فرصة لأنفسهم لدراسة الغير واتباع الافضل بل انهم يستخدمون عقولهم وامكاناتهم الاقناعية للدفاع عما يعتقدون حتى لو اعتقدوا في قرارة انفسهم انه خطأ اما لأنهم مغترين بجميل ما عندهم (او ما يتصورونه جميلاً) او لأن ما عندهم يضمن لهم عيشاً رغيداً ورزقاً وافراً او انهم لا يريدون تغيير ما عندهم خوفاً من سلبيات التغيير الحقيقية او الوهمية.
العقول المفتوحة
هذا المصطلح قليل التداول بل لا يكاد يعرف له مصداق وهو بالحقيقة وصف لأناس من البشر فتحوا عقولهم لا للأنفتاح ولا للأنغلاق بل لكل شيء! نعم لكل شيء يمر بهم فهم كالريح السائرة في الارض تأخذ معها من رائحة المسك مسكاً ومن رائحة النتن نتناً فلا يكاد يقر لهم قرار فمتى صادف في حياتهم منغلق اغلقهم! ومتى صادفوا منفتحاً فتح عقولهم وعبث بها فهم اتباع كل ناعق ينعقون مع كل من ينعق ويصيح وهم حطب كل خلاف بين اصحاب الافكار سواء منفتحين او منغلقين وكل من يقنعهم افضل من غيره يصبحون اتباعه وقد حذر امير المؤمنين علي عليه السلام من هذه الحال بقوله (من اخذ دينه من افواه الرجال ذهبت به الرجال) اعاذنا الله واياكم من ذلك.
الهدف من كل هذا
قد يسأل سائل ويقول: فأين الصحيح والى اين نتجه؟ وهو سؤال لا بد ان يسأله كل شخص لنفسه حتى يضمن عدم التفريط بنعمة عقله والضياع بين الانغلاق او الانحراف والانجراف وراء الشاذ او تقليدي، وفي الجواب على هذا السؤال يجب ان نتعرض الى بحث قصير في مقارنة بسيطة بين العقل البشري والنظام الحاسوبي الذي حاول منذ بدء العمل على تطويره ان يحاكي النظام البشري وما زال يحاول ولكن هيهات فلو اجتمعوا جميعاً من انس وجن على ان يخلقوا مثل خلق الله لا يستطيعون.
نبذة مختصرة عن نظام الحاسوب:
تعرف الحاسبة على انها جهاز مكون من مكونات مادية (hardware) وهي كل الاجهزة والمعدات ومكونات برمجية (software) والمكونات البرمجية تتكون من نظم التشغيل (operating systems) ولغات البرمجة (programming languages) والبرامج التطبيقية (application programs).
في النظام البشري يكون الدماغ (Brain) هو المعالج وهو جهاز هاردوير والسوفتوير هو العقل (mind) ولكن العقل أي نوع من انواع السوفتوير هو؟ هنا مربط الفرس: فالبعض يقول انه كل الانواع! والبعض يقول انه فقط نظام التشغيل (operating system) والبعض الثالث يقول انه نظام التشغيل ولغة البرمجة معاً واما انا فأميل الى الرأي الثاني واقول ان العقل هو نظام التشغيل عام الاستخدام (general purpose) فقط والذي يشكل البيئة المثالية للمنطق والذي هو لغة البرمجة لهذا العقل ليعمل بشكل صحيح ويتخصص بتنصيب برامج تطبيقية عليه.
توضيح : الحاسبة بلا برنامج الفوتوشوب تستطيع ان تعالج الصور بأحد ملحقات نظام التشغيل مثل برنامج ال (paint)  ولكن ليس بجودة المعالجة ولا بنوعية المعالجة التي يوفرها برنامج الفوتوشوب وكذلك الحاسبة وبنظام تشغيلها فقط تستطيع ان تقوم بمعالجة الفيديو ببرنامج ال (movie maker) مثلاً ولكن ليس بجودة (Ulead)  او (Adobe After Effect) وهكذا
كذلك العقل لوحده او مع لغات البرمجة (المنطق) يستطيع ان يفهم ويفتي ويحكم في كل المجالات تقريباً ولكن ليس الى درجة التخصص فهل يستطيع العقل لوحده ان يجعل صاحبه طبيباً بين ليلة وضحاها؟ وهل يستطيع ان يستيقظ احد صباحاً ليفتح عيادة ويعالج الناس بلا دراسة طويلة مضنية لا ينجح فيها الا المستحق؟ قطعاً لا.
القصد هو ان العقل لوحده يحتاج الى ان يبرمج ليتخصص ويصل الى درجة الافتاء في كل مجال من علم وادب وثقافة وسياسة واقتصاد واجتماع ودين.
فلا يمكن ترك العقل فارغاً ثم اتباعه فيما يقول ولا يمكن ان يترك العقل منغلقاً ونضيع عليه فرصة استطلاع من حوله وما حوله ليميز الخبيث من الطيب ويتبع ما حسن وصلح ولا يمكن ان نترك العقل يجمح الى حيث لا دين ولا اخلاق ولا مباديء ولا قيم فيتيه ويتيهنا معه في متاهات الانحراف والضياع عن جادة الطريق الى الله والحل هو بالتخصص واتباع العقل في تخصصنا واستشارة خبير في كل مجال تخصص اخر مع تحكيم العقل في تشخيص الخبير الافضل واتباعه بأطمئنان وهذا ينطبق على الادب والفلسفة والاقتصاد والاجتماع والدين واسلوب الحياة ولا ننسى ان لدينا دستور السماء بين ايدينا (القرأن الكريم) وحملته من رجال الدين والعلم والفكر الذين هم حجج الله على الخلق فيما يخص تخصصاتهم المتعددة والمتنوعة فلا انفتاح مفرط ولا انغلاق مفرط بل اتباع بأحسان وتفكر وتشخيص لذوي الخبرة والاختصاص
الخلاصة: احبتي الكرام واخوتي الافاضل عقولنا جميلة ونظيفة ومتطورة وراقية ولكنها تحتاج للعلم لتتخصص فكما لا يروق لأحدنا ان يذهب الى طبيب بلا شهادة كذلك لا يؤخذ الدين الا من متخصصيه (ولولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم ) لذا يحتاج القران(عقلاً وشرعاً) الى دراسة مضنية لنعرف معانيه وتفسيره وتأويله والامر ذاته ينطبق على كل التخصصات الدينية من فقه واصول وعقائد واخلاق وعبادات ومعاملات بشكل عام فلا يجوز ان يأتي كل من هب ودب ويقول انه يفسر الآية كذا بكذا او الحكم الفلاني الذي يقوله المرجع فلان خطأ والصح كذا او ما اراه كذا! فلا يعقل ان يرد طالب التربية الرياضية على الدكتور في الهندسة النووية في اختصاصه ويضع نفسه كبديل له او نظير له ويطرح نفسه كمختص او ند!؟

أحدث المقالات