22 نوفمبر، 2024 11:19 م
Search
Close this search box.

الشيخ المفيد مؤسس المذهب البويهي الحلقة الرابعة

الشيخ المفيد مؤسس المذهب البويهي الحلقة الرابعة

الشيخ المفيد والسفراء الاربعة
يعتمد الشيخ احمد الكاتب في مناقشته لعقائد الشيخ المفيد على نظرية النيابة الخاصة القائمة على اربعة سفراء هم ( عثمان بن سعيد العمري السمان ومحمد بن عثمان بن سعيد العمري والحسين بن روح النوبختي وعلي بن محمد السمري او الصيمري ) ، ويقول ان للمهدي المنتظر (غيبتين احدهما اطوال من الاخرى والاولى منهما هي القصرى ، وله فيها الابواب الاربعة )(ص107 ) . وعلى هذا الاساس يناقش معاجزهم ، ويعد اقرار الشيخ المفيد بالسفراء الاربعة وكأنه مسلمة من المسلمات ، وهو خلال مناقشته لهذا الامر لم يلتفت الى نص مهم اورده لابواب ووكلاء المهدي المنتظر وهم( ابي عمرو عثمان بن سعيد السمان ،وابنه ابي جعفر محمد بن عثمان ، وبني الرحبا (ربما الوجناء) من نصيبين ، وبني سعيد ، وبني مهزيار بالاهواز ، وبني الركولي بالكوفة ، وبني نوبخت ببغداد ، وجماعة من اهل قزوين ، وقم ، وغيرها من الجبال ، مشهورون بذلك عند الامامية والزيدية ) .
ولم يسأل نفسه لماذا لم يذكر الشيخ المفيد ( وهو المرجع الاكبر للشيعة والمدافع الامين عن نظرية الغيبة ) السفير الثالث الحسين بن روح النوبختي ولا الرابع علي بن محمد السمري في كل كتبه ونصوصه ؟ .
ان من يراجع تراث الشيخ المفيد يلاحظ عدم بنائه نظرية الغيبة على نظرية السفراء الاربعة ، والذي يتابع ماظهر من مؤلفاته يلاحظ ايضا وجود رأي خاص له يختلف عن راي الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي في مسألة الغيبة ، فهو لايعترف بالسفير الثالث ولا الرابع ، وكان الشيخ محمد بن يعقوب الكليني (ت329ه ) صاحب كتاب الكافي لايعترف ايضا بالسفيرين الثالث ولا الرابع ، وحذا حذوه النعماني (ت360ه) والسيد المرتضى والكشي والنجاشي فلم ينقلوا عنهما اي شيئ بالرغم من سكن بعض من هؤلاء كالكليني قرب السفيرين الثالث والربع في الكرخ مدة عشرين عاما !!! .
والشيخ المفيد لم ينقل ولا توقيع واحد عن طريق السفراء الاربعة ، فقد نقل 17 توقيعا فقط في الارشاد مقلدا في ذلك الشيخ الكليني في الكافي ، ولايوجد فيها توقيع واحد دخل في سنده اي سفير من السفراء الاربعة ، فعبر على 30 توقيعا ذكرها الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة تعني بالعقائد والفقه والمعاجز ، وتلك التوقيعات ال(17) تعني بالشأن المالي ولم تتطرق الى العقائد ولا الفقه ، ولم يضف الشيخ لتوقيعات الكليني توقيعات اخرى بالرغم من تأخره طبقة عن الكليني ، ليس بسبب قلة مؤلفاته عن الغيبة ولا بسبب قلة الكتب المطبوعة التي ذكرت عددا كبيرا من توقيعات السفراء ، ولا بسبب قلة الفقهاء الذين يؤمنون بالغيبة ودور السفراء فيها ، بل اتخذ موقفا كان قد اقتنع به ، وذلك له قصة لابد من ذكرها في هذا المورد .
القصة الغائبة : تجاهل محمد بن يعقوب الكليني والنعماني والسيد المرتضى وإبن رستم الطبري والكشي والنجاشي والشيخ المفيد السفيرين الثالث والرابع ودخل ذلك في إطار التسالم بأن الغيبة الصغرى قد إنتهت في بداية العقد التاسع من القرن الهجري الثالث (281ه) قبل استلامهما السفارة في 304ه و326ه ،وحسب المعلومات المتوفرة لدى هؤلاء الفقهاء والرواة (وهم أقرب منا الى الحدث ) توصلوا الى أن السفيرين الثالث والرابع هما وكلاء على المال والاوقاف مثل مجموعة كبيرة من الوكلاء كانوا منتشرين في جغرافية التشيع المعروفة ، ولديهما معلومات فقهية متواضعة ولا يزيدون عنهم علما ، وعليهما أن يرجعا الى الكليني فيما يخص الشئون الفقهية والعقائدية ويعتمدا على روايته للحديث خصوصاً على ما جاء في كتاب الكافي الذي كتب وجمع ونسخه النساخ في فترة السفيرين الثالث والرابع وبالقرب منهما في جانب الكرخ ببغداد . واعتبر الشيخ الكليني وحذا حذوه من جاء بعده بان السفراء كما قال المحقق حسين المدرسي الطباطبائي هم ( قناة لايصال الحقوق الشرعية وليسوا مراجعا في علوم الدين كما تصور البعض من علماء الشيعة السابقين والمعاصرين ) .
إن إنفصال عمل السفراء عن نشاط الفقهاء والمحدثين الكبار يتطلب وقفة تأملية ، فقد ظن بعض الكتاب بأن انشغال الكليني في البحث عن الأحاديث لتسطيرها في الكافي هو سبب عدم ذكره للسفيرين الثالث والرابع ، أو إن إنشغال السفراء لسبب ما عنهم أدى الى هذه القطيعة ، وعزا بعضهم الى ان إنشغال الكليني بالسفر المستمر بين الأمصار لتجميع روايات الكافي أدى الى نسيانه السفراء ، وبالنتيجة خلى كتاب الكافي من ذكرهم ، وأضافوا إحتمالات ٱخرى من خيالاتهم تبتعد عن لب الموضوع .
إننا لو رجعنا الى الوراء قليلاً سنلاحظ ان مثل هذا الأمر كان موجوداً منذ فترة ليست بالقصيرة ، فقد نشأت مدرسة أخبارية فقهية ( مدرسة الفقهاء ) في حياة الإمام الباقر ، وإستمرت وتوسعت في فترة الإمام الصادق ، ونشأت الى جانبها مدرسة الوكلاء منذ تشكيل نظام الوكالة المالية في عهد الإمام الكاظم . وضمت مدرسة الفقهاء أكابر علماء الشيعة من أصحاب الاصول ، وأكابر المؤلفين الذين تركوا أعدادا كبيرة من المؤلفات التي شكلت المصادر الأساسية التي يعتمد عليها علماء الشيعة في هذا الوقت ، وهو ما نطلق عليه بالاصول إضافة الى المصنفات التي لم يشارك الائمة في إعدادها مباشرة .
أما مدرسة الوكلاء فقد كانت متكونة من الوكلاء الحسبيين الماليين ، الذين كانت مهمتهم الأساسية جمع الحقوق الشرعية وأموال الاوقاف والنذور وشتى البنود المالية الاخرى ، وكانت علاقتهم بالائمة علاقة وظيفية ، وكانوا بحكم عملهم أقرب الى الأئمة من الفقهاء أصحاب المصنفات . ولم تكن المدرستان على توافق تام . لقد تطورت مدرسة الفقهاء من الإتجاه الأخباري مروراً بعلم الكلام المعتزلي الى الإتجاه الإصولي بعد فترة من الصراعات الفكرية ، وتطورت مدرسة الوكلاء لتكوّن نظام السفارة عن الإمام الغائب لتحل مكان الإمام الكاظم في فترة سجنه ومحل الإمام الغائب في غيبته ، ولم يكن الإتجاهان منفصلين بشكل تام فقد يستعين كل واحد منهما بالآخر في بعض الأحيان ، وقد يتصارعان في أحيان ٱخرى .
بدأ نظام الوكالة (السفارة) بعد فترة يضعف بسبب ضعف الجانب الفكري الذي يبرر وجوده ، وعدم إمكانية روايات الوكلاء وأخبارهم من تقديم براهين عملية على وجود الإمام الغائب ، فقد شيد ذلك النظام اصلا بسبب وجود الامام ، ويحتاج الى قصصٍ ومعاجزٍ مستمرة وجهد فكري خارق لتبرير وجوده دون امام ظاهر ، فلم يتمكنوا وهم بهذه البحبوحة المتواضعة من الثقافة والعلوم المختلفة (الفلسفة والفقه وعلم الكلام ) من وضع روايات تغطي علم الامام ، فبدأ ذلك النظام يدور في حلقة مفرغة ، فسلم القيادة لمدرسة الفقهاء والمتكلمين الشيعة وعلى رأسهم إسماعيل بن علي النوبختي ( أبو سهل 237- 311ه ) القادم من الاعتزال ، فإقترح إنهاء الغيبة الصغرى لحساب عالم مفتوح من التصورات والرؤى والإحتمالات وهو عالم الغيبة الكبرى . ولم يحدث هذا الا بعد أن توثقت علاقة السفير الثاني بالنوبختيين ( ابو سهل والحسن بن موسى والحسين بن روح ) وتتوجت هذه العلاقة بزواج أحمد بن ابراهيم النوبختي (كاتب السفير الثالث) من ٱم كلثوم إبنة السفير الثالث .
إن إنفصال مدرسة الفقهاء عن مدرسة الوكلاء وضع السفير الثالث والسفير الرابع في جانب والفقهاء والرواة أمثال محمد بن يعقوب الكليني والنعماني في جانب آخر ، وهو سبب تجاهل الكليني المتعمد للسفيرين الثالث والرابع حيث كان يعيش قربهما في جانب الكرخ ببغداد لكنه لم يعترف بدورهما ، وسار على طريقه النعماني وابن رستم الطبري والمفيد والمرتضى والكشي والنجاشي .
لقد شهدت الفترة التي سبقت عمل الحسين بن روح النوبختي وعلي بن محمد السمري في الوكالة تغيرات فكرية وعملية كانت السبب في عدم اعتراف الفقهاء وعلماء الحديث المذكورين بهذين الوكيلين فقد قال ابو سهل النوبختي عام 280ه ( أنا اقول ان الإمام محمد بن الحسن ، ولكنه مات في الغيبة وكان تالاه في الغيبة إبنه وكذلك فيما بعد من ولده الى أن ينفذ الله حكمه في اظهاره ) ( الفهرست – الفه إبن النديم عام 377 ه – ص 251 ، ت 385 ه) طرح هذه الفكرة ابو سهل النوبختي , وذكرها إبن النديم ، ولعل الصدوق قد رفعها من المتبقي من كتاب التنبيه لأبي سهل النوبختي الموجود في كتاب كمال الدين وتمام النعمة للصدوق لانها تتناقض مع طروحاته ، وربما كانت موجودة في الجزء غير المذكور من الكتاب وإطلع عليها إبن النديم ، لكن ٱثارها موجودة في كثير من الروايات والادعية التي تقرأ لحد الٱن .
كتاب التنبيه : لاتوجد نسخة محفوظة لدينا من هذا الكتاب ، وقد ادخل الشيخ الصدوق جزءا منه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة ، وتوجد قبسات منه موزعة على مختلف الكتب ككتاب الفهرست لابن النديم وفي الروايات الموجودة في كتب مختلفة . وقد صاغ ابو سهل النوبختي في كتاب التنبيه فلسفة جديدة للغيبة اطلع عليها السفير الثاني ولم يعترض على ماخالف الطرح القديم ، وبيّن ابو سهل النوبختي الحال الذي وصل بها تأثيره على قمة السفارة بقوله للحلاج ( أنا رأس مذهب وخلفي الوف من الناس يتبعونه باتباعي ) (ٱنظر الفهرست لإبن النديم ص 113،) .
كما أوقف التوقيعات نفسها فقد قال ابو سهل النوبختي في كتاب التنبيه ( كانت كتب إبنه الخلف ( إبن الحسن العسكري ) بعده تخرج الى الشيعة بالأمر والنهي على يدي رجال أبيه الثقات اكثر من عشرين سنه ثم انقطعت المكاتبة , ومضى اكثر رجال الحسن الذين كانوا شهدوا بأمر الإمام بعده , وبقى منهم رجل واحد ( السفير الثاني) قد أجمعوا على عدالته وثقته , فأمر الناس بالكتمان , وان لا يذيعوا شيئا من أمر الإمام وانقطعت المكاتبة ) (كمال الدين ص 97 ) .
إن ما ذكره ابو سهل النوبختي هو شهادة من معاصر قريب من الأحداث ومشارك فيها , وتحمل مصداقيه لا يمكن مقارنتها بكتابات المتأخرين , فقد نوه الى أن الغيبة الصغرى قد انتهت بعد اكثر من عشرين عاما من انطلاقتها عام 260ه ، وقال أيضا ( فصح لنا ثبات عين الإمام بما ذكرت من الدليل , وبما وصفت عن أصحاب الحسن (ع) ورجاله ونقلهم خبره , وصحة غيبته بالأخبار المشهورة في غيبة الإمام وان له غيبتين احديهما أشد من الٱخرى ) ( المصدر السابق ) . مما دعا الشيعة الى الأعتقاد بوقوع الغيبة الكبرى .
لقد عاش الرواة والفقهاء الذين ذكرناهم قرب هذه التطورات وعاصرها بعضهم ، وعاصر الكليني النوبختي في بغداد ، كما ان الشيخ المفيد كان تلميذا للشيخ ابي الجيش البلخي ( مظفر بن محمد البلخي ت 367 ه ) وهذا الشيخ كان تلميذا لابي سهل النوبخي فوصلت اخبار الاحداث تلك عن طريقه ، فتبناها الشيخ المفيد اسوة بالكليني والنعماني فبنى نظرية الغيبة على اساس وكيلين ماليين .
يتبع

أحدث المقالات