مايميّز المنهاج الحكومي الذي طرحه رئيس الوزراء المكلف السيد مصطفى الكاظمي ليس التفاصيل الإيجابية التقليدية التي ترد عادةً في اغلب مناهج الحكومات بداية تشكليها ، بل في الظروف التي أحاطت بمجيء السيد الكاظمي اولا، وبالتحديات التي تواجه البلاد عموما ، فضلا عن ذلك الاشارات الدالة جدا على الأزمات الداخلية والخارجية التي تواجه العراق اليوم . فتقديم إجراء الإنتخابات المبكرة على جميع الأولويات في المنهاج رغم أهميتها ، والإشارة الى إصلاح المفوضية وتفعيل قانون الإنتخابات الجديد ومشاركة الإمم المتحدة ، هذا وحده تفهّمٌ عالٍ للظروف التي صنعت استقالة السيد عادل عبد المهدي واحدثت مسلسل رفض المرشحين الذين أعقبوه، حتى حطّ طائر التكليف أخيرا على رأس السيد الكاظمي بمباركة جماعية كما بدا ذلك ، بمعنى أن الكاظمي يدرك بان مسؤوليته الجديدة انما هي من حصاد التظاهرات الشعبية التي اندلعت في الخامس والعشرين من تشرين اول العام الماضي ، وان نجاحه في الإيفاء بالوعود التي تضمنها المنهاج إنما هو انجاح للمتظاهرين وللدولة معا ، باعتبار أن الإصلاح ومحاربة الفساد والاستقلال في القرار السياسي، ومركزية الدولة في الأمن والقضاء على البطالة بتفعيل الصناعات المحلية والاعماروالمسؤولية الرعوية للدولة وانصاف الشهداء ومحاكمة قتلتهم ومحاربة الفساد ، هذه الكوكبة من الوعود التي أشار اليها منهاج الوزارة إذا ما تم انجازها انما هي نصرٌ مبينٌ مشترك للدولة والشعب معا . وادخال العراق في مرحلة من النهوض والتجدد والتنمية والقوة التي تمكّنه من أن يعبر أزماته الخاصة به مثل الإقتصاد والنفط والتنمية والأزمات العامة التي تشكل مواجهة فيروس كورونا في مقدمتها .
وفي الوقت الذي يرى فيه مراقبون أن ماورد في المنهاج نقاط مكررة وشعاراتٌ متعارف عليها ، فان قراءة مغايرة ترى أنّ الكاظمي تمكّن من تسريب أهم مشاكل العراق الفعلية عبر اشارات وتضمينات تعنى بالتفاصيل لاسيما ما يتصل بالأزمة المجتمعية حيث أشار الى ضرورة تفعيل حوار مجتمعي جديد لتسويتها مع إستشراء الفوارق الطبقية في البلد و موجات العنف التي شهدتها التظاهرات وايضا موجات النزوح التي شهدتها مناطق عراقية عدة ، كذلك المشاكل ( السياسية ) المزمنة بين المكونات لاسيما بين الكرد والمركز ، فضلا عن تراجع الإعمار وانعدامه بالفعل، بل انعدام أي رؤيا للمسؤولين العراقيين حوله ، حيث اتسم هذا الملف بالفساد الإسطوري والإهمال وتغيير الأولويات في الدولة العراقية ، مثال ذلك الإشارة الى أمانة بغداد التي أصبحت شؤونها وملفاتها في دائرة ( المسكوت عنه) ومراعاة ذوي الدخل المحدود في السكن والعمل ، والتركيز على أهم مفصلٍ في كل ذلك ، الا وهو القضاء والعدل حيث لايمكن انجاز كل ماسبق لاسيما محاربة الفساد والسلم الاهلي والتكامل السياسي والاقتصادي دون تفعيل دور القضاء ، وهو ماتمت الاشارة له بذكاء في المنهج الوزاري ( العدل اساس الدولة الناجحة ) وهو بالطبع أساس الملك وأساس بناء الدول القديمة والحديثة على حد سواء .
يبقى أخيراً أنّ منهاج الحكومة المقبلة برمته سيكون مشلولا في التطبيق اذا لم تتعاون جميع الكتل والمؤسسات مع السيد الكاظمي لانجاح برنامجه ، والغاء تبعية الوزارات وكيانات الدولة المختلفة للكتل المستحوذة عليها ، لتنجو السفينة في النهاية بجميع من فيها، فمنصب رئيس الوزراء في العراق تحت هذه الظروف والضغوط ليس مكسبا بقدر ماهو أعمال شاقة ومغامرة ، ستكونُ مراقبةً من الخارج والداخل وقبل كل هؤلاء مراقبةً من قبل ابناء الشعب العراقي المتطلعين الى مرحلةٍ مغايرة تماما لماحدث خلالَ المرحلة الماضية .