ان ما يشهده العالم الاسلامي من دماء جارية لم يكن وليد الصدفة بل كان وليد الفكر الطائفي المُنحرف والمُتخّلف حيث استطاع ابن تيمية من تكفير المذهب المخالف لما يطرحه هو وأتباعه وبذلك ساهم في خلق بذور التطرف والتي سقاها اتباعه ابن باز وغيره وتعهدوها بُحسن السقاية ورشها بأسمدة خاصة بمكافحة الوعي والعقل والحوار والمعرفة وتقبل الاخر,, حيث ساهمت هذه الاسمده الفكرية المنحرفة في توطين وتدجين جيل كبير من عشاق حوريات الجنة على هذا الخواء الفكري والتعبئة السلبية ,, فيقوم هؤلاء العاشقون اصحاب الجثث العفنة الخالية من الفكر والمعرفة بإرسال ارواح الابرياء من اطفال ونساء وشباب الى الموت المبكر ,,ان التطرف ومنابعه وجذوره التي يصدرها الوهابية (وبُمباركة وتخطيط من الجهات الاستعمارية الغربية) سوف لم تكون على المدى القريب حكرا عليهم لأنها اتت اكُلها بخلق تطرف لدى الاخر وان فقها جديدا يردده اصحاب المنابر هذه الايام من حيث يشعرون او لا يشعرون بضرورة الرد بالمثل وان رد السحل بالسحل!! وقد غاب عن ذهن هؤلاء ان الدين ما كان يوما يعامل الناس بالمثل وان النبي محمد ص” الذي جاء بالدين عندما ظفر بقريش في يوم الفتح قال من دخل بيت ابو سفيان فهو آمن وقد غاب عن اذهانهم ايضا ان الامام علي بن ابي طالب عفى عن مروان وابن الزبير بعد ان ظفر بهم في وقعة الجمل وقد غاب عن اذهانهم ايضا ان الامام علي ع” كان يؤكد ويقول ((العفو عند المقدرة…وقبل ذلك كله قال الله سبحانه وتعالى(( قل للذين امنوا يغفروا للذين لا يرجون ايام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون )) وهذا لا يعني ان يقف الانسان مكتوف الايدي على من يعتدي عليه ابدا بل القران اكد حق الرد ((ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)) لكن الاخلاق دائما هي التي يجب ان تكون في المقدمة لان الاصل في بعثة نبي الرحمة محمد ص” هي اكمال او اتمام الاخلاق ((انما بعثت لأُتُمم مكارم الاخلاق)) و لكن يا حسرةً على الاخلاق هي اليوم في مهب الريح وفي غيبوبة كبيرة بعد ان ساد النفاق والدجل والتطرف ,,التطرف الذي بانت بوادره ولاحت عناصره ووجدت ارضه من يسقيها ومن على المنابر ويتعهدها بالسقاية الدائمة وبروح التشنج بعيدا عن لغة التسامح والعقلانية,, وتبريره لهذه اللغة ان الاخر لا يسمع للغة الحوار ,, فاذا كان الاخر لا يستمع لهذه اللغة فهل سيستمع للغة الرد بالمثل والتشنج والعصبية ام انه سوف يستخدمها في تجنيد اصحاب الجهل والتخلف والهمج الرعاع ,,هل يجب علينا من الان ان نفتش عن كل ايات القران التي تتحدث بلغة الحكمة والموعظة الحسنة والحوار والتعقل ونُلقي بها في غياهب الماضي او نرسلها الى المحرقة ونطبع نسخة جديدة من القران تحتوي ايات الجهاد فقط وبالتالي نريح انفسنا من عناء الاستماع للعقل والحكمة هل علينا ان نلقي كل تراث اهل البيت وكل سيرتهم الحسنة مع اعدائهم ونستبدلها بعواطفنا ومشاعرنا هل علينا ان ننكر ان الامام السجاد أجار احد الامويين القادة في بيته ,, هل علينا ان ننكر ان الامام علي ع” تنازل عن الماء لصالح جيش معاوية بعد ان منعه معاوية الماء ,, هل علينا ان ننكر ان الامام علي ع” قال لا أطلب النصر بالجور ,, انها قصة الخلق وحكاية جنود العقل وجنود الجهل انها معركة مبادئ ولطالما حملها أهل البيت انها المبادئ والقيم وليست المشاعر والعواطف والتبريرات لان الاخر فعل ويجب ان نفعل هذه لغة العصبية والجاهلية الاولى التي كان شاعرها يقول (( ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا …فنجهل فوق جهل الجاهلينا)) او بلغة العشائر ((الي يمسني بماي امسه بدم)) وبذلك نكون قد استغنينا عن تراث اهل البيت الذي اختلفنا به مع ابناء العامة والذي نعتز به كثيرا لأنه مثال للتسامح والجهاد الاكبر الحقيقي فكيف يمكن ان نفرط به في زمن تويتر ويوتيوب وفيسبوك من أجل التنفيس السلبي عن العواطف والمشاعر .
[email protected]