يقول الأمام علي (ع) : في الموت غبطة أو ندامة… معنى الغبطة هي السعادة،و سرور، والفرح. نقول : فلان كان في مُنتَهى الغِبطة . هذه الحالة من الصعب ان ينالها الإنسان في حياته بشكل دائم .ولكن يمكنه ان يموت وهو في منتهى السعادة والغبطة .
سبب صعوبة الوصول الى السعادة في الدنيا ,حين يكون المجتمع سببا للتعاسة والتخلف حينها يعيش الإنسان الحر مع أمته بجسده فقط . يقول أمير المؤمنين(ع) مخاطبا المجتمع ” اه لو أرى لفكري فيكم وعاء .. !!. يقول محمود درويش “عام يذهب وآخر يأتي وكل شيء فيك يزداد سوء يا وطني” هذا نوع من أنواع التعاسة.. إذن من الناس كانوا يعيشون بأجسادهم وعقولهم ورؤاهم اكبر بكثير مما كنا نراهم فيه . حياتهم لا نعرف ان نتلمسها , لأنها حياة بين السطور , حياة مملوءة مواقف ورجولة وثبات على المبدأ .. هؤلاء لا يمكن ان نقيسهم مع الذين يهرج لهم الإعلام والتاريخ إنهم شجعان ابطال وكرماء وعندهم حكمة وسماحة . وهم فارغين تماما يموتون أسوء موته .
لست هنا في موقف التقييم لموته الشرف التي مات أصحابها وهم في منهى الغبطة .. ودائما أتذكر القول ” فزت ورب الكعبة ” حين أدركته ألمنيه قال ” لمثلها فليعمل العاملون” . وهناك من كتب عنه التاريخ انه بطل مغوار ولكن ميتته كانت سيئة حتى قال عن نفسه .. تمنيت ان اضرب ألف ضربة بالسيف ولا أموت هذه الميتة ..
صراحة تمنيت ان يموت عبد الكريم قاسم وهو يقاتل وبيده سلاح وتخترق رصاصات صدره ويقع ميتا . رغم ان موتته لا نقارنها بالجرذ الذي اخرجوه من الحفرة .. شتان بين الموتتين .هناك شخصيات أعجبت بهم في حياتي وبعد مماتهم ..حين تتوجت حياتهم بأجمل موته .. وهم الشيخ الشهيد عبد الزهراء الكعبي .. والشيخ احمد الوائلي ,ومحمد متولي الشعراوي.. وفي الفترة الاخيرة الحاج قاسم سليماني وابو مهمدي المهندس ..
الأجزاء المتبقية منهم الكف والمحبس .. الاجزاء المقطعة من جسد المهندس , أصبحت لها قيمة اعتبارية ,لأنها موته أغبطهم عليها .. وأتذكر حوار جرى بين عبد الله بن عفيف الازدي الأعمى وبين ابن زياد .. حين قال له ابن زياد سأقتلك , فرح الازدي وملأت روحه السعادة بالموت , وقال كلمة إعطانا درسا للشرف والكرامة , قال ” كنت قد سالت الله رب ان يرزقني الشهادة على يد العن خلقه .. اذن موتة الشرف ان تموت بيد العن خلق الله ..لمن كان يرجو الله واليوم الاخر ..وهذا لا بد تعرفه أخي العزيز .. حين تطعن من الخلف , فاعلم انك في المقدمة .. فلا يهمك من الطاعن صديقا كان ام عدوا ..المهم هي موتة الشرف والموقف .
رغم انه مات كافرا ..ولكنها موتة عز بالنسبة لأهله .. كان لعمرو ابن ود أخت اسمها عمرة وكنيتها أم كلثوم لما قتل الامام (ع) عمرو بن عبد ود نعي إلى أخته فقالت من ذا الذي اجترأ عليه فقالوا ابن أبي طالب فقالت” لم يعد موته إن كان على يد كفو كريم لا رقأت دمعتي” ان هرقتها عليه ..كانت منيته على يد كفو كريم ما سمعت بأفخر من هذا يا بني عامر ثم أنشأت
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * لكنت أبكي عليه آخر الأبد
لكن قاتل عمرو لا يعاب به * من كان يدعى قديما بيضة البلد
من هاشم في ذراها وهي صاعدة * إلى السماء تميت الناس بالحسد
قوم أبى الله إلا أن يكون لهم * كرامة الدين والدنيا بلا لدد
يا أم كلثوم ابكيه ولا تدعي * بكاء معولة حرى على ولد
فهنيئا لمن شرفهم الله بعد موتهم .. لانهم يقاتلون في سبيله .. وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعرون . صدق الله العلي العظيم .