الانتفاضة المباركة لجماهير السنة في العراق جاءت عفوية، ولم يدع لها حزب سياسي، ولا فصيل جهادي، بل جاءت تلقائية من الجماهير السنية التي ذاقت كل ألوان التمييز الطائفي، والاضطهاد على الهوية، ولكن هذا لا يعني عدم وجود مؤثرات ساعدت على تحفيز الناس على الخروج، وأقول ساعدت على التحفيز، ولم تك هي الأسباب الرئيسة لخروج الناس، ويمكن إرجاع تلك المؤثرات إلى جهتين رئيستين، هما: الحراك الشعبي السني في العراق، ومجموعة السياسيين الذي تضاربت مصالحهم مع المالكي، وأعوانه.
وبالنظر إلى تلك الجهتين يمكننا القول إن إحداهما كانت تتحرك بدافع الإحساس بالظلم والاضطهاد، وغايتها كانت نصرة أهل السنة في العراق، وهذه الجهة هي الحراك الشعبي السني في العراق، والذي بدأ نشاطاته بتاريخ 1-5-2012، أما الجهة الثانية فكانت تحركها المصالح الشخصية، وساعدت على تحفيز الناس للخروج من أجل تقوية موقفها الشخصي ضد المالكي، ولهذا كانت تلك الجهات السياسية التي تتحرك بدوافع شخصية تحاول منذ البداية تحجير الحراك الشعبي السني، وتأطيره في إطار وطني، وليس سني، لأنها كانت تريد أن يكون هذا الحراك مؤقتا لحين تحقيق مصالحها، حتى تتمكن من العودة إلى الحلف مع المالكي بعد أن تدعم موقفها، وتقويه، ولهذا السبب كانت هذه الجهات تحاربنا نحن أعضاء الحراك الشعبي السني في ساحات العزة والكرامة في البداية، وكانوا يصفوننا بالطائفيين، ويحاولون التشكيك بنا، ورفضوا رفضا تاما الشعار الذي نرفعه، وهو الحراك الشعبي السني، وأطلقوا عليه أسماء أخرى، ولطالما أنزلوا لافتاتنا التي نكتب فيها اسم السني.
ولكن عندما طال الوقت، وتبين للناس صدق طروحاتنا، وتعبيرها الحقيقي عن إرادة المجتمع السني، وحين صار الشارع السني كله يردد شعاراتنا، ويهتف بأقوالنا، جاء أولئك المنتفعون لينظووا تحت مظلة الحراك، وصار المنادون بالوطنية يقولون بمظلومية السنة في العراق، وصار الجميع يقولها بصراحة بأن الحراك هذا سني، حتى الجهات التي وقفت منذ البداية مع المالكي، وحاولت إجهاض انتفاضة الجماهير السنية، مثل: ديوان الوقف السني، وكذلك بعض الجهات الأخرى التي كانت تضع يدها بيد المالكي حتى عض المالكي تلك اليد، مثل الحزب الإسلامي صارت تنادي بالسنية، وتركت مسميات الوطنية، لأن الشارع السني لم يعد يقبل تلك الطروحات الوطنية البائسة، التي كسرت شوكة السنة في العراق، وجعلتهم فئة مهمشة، ضائعة، مضطهدة، فصار لزاما على تلك الجهات أن تقول بمظلومية السنة، وإلا فإنها ستفقد كل أرضيتها في المجتمع السني.
نحن نقول هذا ليس من باب التشكيك في أحد، ولكن من باب أخذ الحيطة والحذر، والانتباه من محاولات المنتفعين من فض الاعتصامات من خلال وعود تشكيل لجان، ومؤسسات تدافع عن أهل السنة، وغيرها من النشاطات التي هي سكين ذات حدين، قد تكون لنا فعلا، ولكنها قد تكون المدخل الجميل لنهاية مأساوية، ونحن نقول هذا لأننا رأينا في البيان الختامي، وفي بعض الشخصيات الحاضرة في ذلك البيان ما يدعونا إلى اتخاذ أقصى تدابير الحيطة والحذر، ومن ذلك مثلا اسم الحراك، فقد حذف منه لفظ “السني”، وبقي الحراك الشعبي فقط، على الرغم من قولهم بأن هذا حراك السنة، فلو كان الأمر كذلك فلم لا يضاف اسم السنة إليه حتى نثبت به الهوية، ونمنع من تحريفه عن مساره في المستقبل، ومن ذلك أيضا رأينا دعم الوقف السني لهذا المشروع، والجماهير السنية في غالبها المطلق تعرف أن رئاسة الوقف السني داعمة للمالكي، محاربة للحراك، ورأينا وجوه الحزب الإسلامي بكثافة هناك، فضلا عن السياسيين الذي خذلونا لسنين طوال، ولم يتحركوا إلا بعد أن لفظهم المالكي خارج المائدة.
لا شك أن باب التوبة مفتوح، ولا شك أن الإنسان يرى أخطاءه ويتعلم منها، وهذا ينطبق على قيادة الوقف السني، وعلى الحزب الإسلامي، وعلى السياسيين ذوي المصالح الشخصية، فربما قد عادوا إلى رشدهم، واكتشفوا خطأهم، وجاؤوا معنا من أجل التصحيح والتكفير عن خطايا الماضي، ولكن أيضا قد يكون الأمر غير ذلك، قد تكون خديعة، دبر لها بليل عندما عجزوا عن فض تلك الاعتصامات بالقوة والإكراه، ولأننا لا نريد شق الصف السني، ولأننا دائما نحاول جمع الشمل، فإننا نرجو الرجاء كله من الجماهير السنية توخي الحذر، نعم ندعمهم، ونحاول معهم إنجاح مشاريعهم، ولكننا يجب أن نكون معهم على أعلى درجات الحذر، وعلينا أن لا نصدق الوعود منهم، بل يجب أن تكون هناك أفعال، وتصرفات، ومشاريع على الأرض، ويجب أن نحاسبهم على الصغيرة والكبيرة، حتى لا نترك مجالا لخائن، أو منتفع من سرقة حراكنا السني هذا.
إنني كعضو في تجمع الحراك الشعبي السني في العراق أقول بأننا سنحاول دعم الحراك الشعبي، ولكننا لسنا الحراك الشعبي، وسوف نبقي على حركتنا، وعلى اسمها كما هو: الحراك الشعبي السني في العراق، وسوف نكون العين الراصدة، والمراقبة لهذا التجمع الجديد الذي أطلق عليه اسم: الحراك الشعبي في العراق، فإن صدقوا النوايا، فنحن معهم، ندعمهم بكل ما أوتينا من قوة، وإن رأينا تصرفات تؤدي الى الانحراف عن المسار الصحيح نبهنا المسلمين منها ، لأننا قررنا أن لا ننخدع مرة أخرى، وقررنا أن لا نأمن لمن كانت له سوابق في الغدر بنا، فمن أحسن فله منا الجزاء الحسن، ومن أساء فعلى نفسه.