لم يخرج الشعب السوري في مظاهرات قبل عامين للمطالبة بالغزو الأجنبي، ولا بالضربات الجوية الدقيقة للمراكز الحيوية للدولة السورية، ولا رغبة في الفوضى والدمار الشامل للبلاد.
لقد خرج الشعب السوري للمطالبة بالديموقراطية والمزيد من الحرية. خرج ليقول للنظام الحاكم بقبضة من حديد كفاك استهتارا بقيم الشعب، كفاك دوسا على طموحه ورغبته الملحة على مضارعة الشعوب المتقدمة والمتحضرة، كفاك معاملة الشعب معاملة القطيع أو الأبناء القاصرين. خرج ليقول “لا” لكلّ تلاعب بمصيره أو مستقبله، فالشعب يريد أن يمسك مصيره بيده، لكن، هيهات أن يستجاب لهذه المطالب من حاكم تعود الطغيان والجبروت والضرب بقفاز من حديد كلّ من يخالفه الرأيّ أو يقف له عاصيا، متمردا.
عامان من القتل والتشريد ودكّ العمارات، عامان من الآلام والجراح وسفك الدماء، لم يستيقظ فيهما ضمير النظام ليحول دون سقوط الدولة وضياع البلد، بل بقي متعنتا، مصمما على البقاء في الكرسي بأيّ ثمن.
انفلتت الأزمة السورية من يدي السوريين نظاما ومعارضة، وانفلتت من يدي العرب والمسلمين ـالذين لا حول ولا قوّة لهم على رأب الصدع أو إحلال السلم أو الأخذ بيد الضعيف ـ بدخول طرف ثالث، متمثل في الولايات المتحدة الأمريكية وانجلترا وفرنسا، متوعدة نظام بشار الأسد بضربات موجعة، وبذلك نصل إلى أدنى دركات الأزمة، الاستنجاد بالأجنبي.
من أوصل سوريا إلى هذا الدرك الأسفل من الانحطاط والضياع؟ هل هو الشعب المسالم الذي يريد لنفسه متنفسا للحرية؟ أن يرى رئيسه منتخبا بكل ديموقراطية ونزاهة؟ أن يعيش حياة الدعة والطمأنينة في ظل نظام عادل وصارم؟ أم النظام الفاسد الجاثم على صدور الناس، الذي لم يكتف بتشريدهم وقتلهم ودك بيوتهم بالصواريخ بل رماهم بالغازات الممنوعة دوليا؟ أيّ نظام هذا الراغب في البقاء على حساب رفض وإعراض الشعب له؟
ستقوم الدول الغربية بتأديب بشار الأسد لعمله هذا، لكن، هل تكون هذه العمليات الجوية الدقيقة بحسب الخبراء دون خسائر في الأرواح البشرية؟ ناهيك عن تحطيم البنية التحتية، والقدرات الحربية للبلد. ومن يضمن نجاح هذه العمليات في تحقيق أهدافها؟ وهل بالفعل ستخفف من معاناة الشعب السوري مما يعانيه من هذا الظالم المستبد؟
رغم كلّ هذه التضحيات الجسام التي دفعها وسيدفعها الشعب السوري، تبقى الورقة الرابحة بيد الشعب إن استطاع الحفاظ عليها، وهي الأهم والأمل في مستقبل زاهر للبلاد والعباد، إنّها الوحدة الوطنية: الكردي أخو العربي، والشيعي أخو السني، والمسيحي أخو المسلم والكل كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا، أو كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
إنها الورقة الوحيدة الرابحة التي بقيت بيد الشعب. النظام سيزول لا محالة ورغم أنفه إن آجلا أو عاجلا. ويزول معه طابوره الخامس والساعي في الناس بالخيانة والغدر وأكل السحت وزرع الرعب والبلبلة في أوساط الشعب، ويبقى الغد بيد الباقي الذي لا يزول، المقيم الذي لا يرحل، الشعب السوري الذي يمتد به التاريخ إلى آلاف السنين.