17 نوفمبر، 2024 2:24 م
Search
Close this search box.

بعضا من ايام الدراسه الجامعيه- 7 الانظمه السياسية فى العالم الثالث- علاقات التبعية

بعضا من ايام الدراسه الجامعيه- 7 الانظمه السياسية فى العالم الثالث- علاقات التبعية

عند رجوعى الى جامعة الرور– بوخوم اشتركت فى سمينار حول “الانظمه السياسيه لبلدان العالم الثالث” الذى يقدمه بروفسور”دايموند – Diamond ” استاذ زائر من جامعة هليوبوليس/ انديانا, وبعد الجلسة الاولى طلب من الحضور ان يختاروا المواضيع التى يرغبون الكتابه عنها, كنا حوالى 20 طالب من مختلف دول العالم الثالث وعدد من الطلبه الالمان, واقترح, بل انه اكد ان يكتب كل طالب عن بلاده وله مطلق الحريه فى فرضياته وارائه. قدم الطلاب بشكل عام مواضيع نقديه حول الانظمه السياسيه فى بلدانهم, وكانت نتاجات الطلبة الافارقه لها نكهة خاصه ترتبط بعمق العلاقه التاريخيه مع فرنسا او بريطانيا وكذلك نظام الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا وتأثيرها الحاسم فى رسم السياسه العامه وتشكيل الاقتصادات المحليه ذو البعد الواحد وجعلها مرتبطه وبنفس الوقت مكمله لاحتياجات الاقتصاد “الام” سوى ان كانت الفرنسي او الانكليزى, كما جاء موضوع احد الطلبه من ناميبيا ووصف ستراتيجية الاستعمار الالمانى القيصرى وافكاره المبكره والحاجه الماسه لـ “فضاءات” مكمله جديده ولذلك فقد تم نزوح وتوطين بضعة الاف من الفلاحين والمستثمرين فى القطاعات الزراعيه. كان موضوع احد الطلبه الجزائريين مثيرا بما قدمه من تفاصيل وعمق التاثير الفرنسى فى حياة الجزائر والمسيره المظفره لجبهة التحرير الجزائريه, كما عرج على المعاهده التى حلت فى “ايفيان” بين فرنسا وحركة التحرير التى كان لابد منها والتى اكدت على استمرار العلاقه مع فرنسا بصيغة التعاون , الاستشاره والعمل المشترك, واكد ان نوع من التبعيه لفرنسا ولكن على مستوى اخر. ثم قدم احد الطلبه المصريين عن نظام حكم الضباط الاحرار, والذى كان فى الاوساط العلميه يعتبر منسجما مع مستوى تطور البلاد خاصة ان ضباط الجيش يتميزون بالوعى الوطنى, الانضباط والالتزام بالقواعد والنظام وبذلك فهم افضل الفئات الاجتماعية المهنيه التى يمكن ان تتولى عملية التنميه وتدفعها الى الامام. كانت نقاشات الطلبه بعد كل بحث يقدم حية, نقديه وتحمل الكثير من الاسى والالم والحال الذى وصلت اليه اوطانهم التى تحكم من قبل النخب المحليه ولكن غير مستقلة فى اتخاذ القرار السياسى والاقتصادى, وكانت قد تبلورت النقاشات عن اتجاهين, احدهما ترجع سبب الاحوال المترديه الى الشعب الجاهل الذى مازال رهين الخرافات والسحر والشعوذه والتى تعمل على تأكيد حالة التخلف واالجهل والمرض بالاضافه الى القيادات التى لم تعير اهتماما للتنميه والاصلاح ولم تحسب له حساب وانصرفت الى مصالحها الضيقه,.اما الرأى الاخر فكان يرجع الاوضاع المعقدة بما فيه الفقر والجهل الى الاستعمار والطغمه الحاكمه التى تتعامل معه والتى تفرض شروطها على مجمل قطاعات السياسه والاقتصاد تعاونها نخب جاءت بها الى السلطه والتى تقف ضاربه لكل التحديات التى تحل بشكل تظاهرات او انتفاضات شعبيه. كان بروفسور دايموند ومساعده شديدى الانتباه ويسجلوا النقاط المهمه التى جاء بها الطلبه والتى ظهرت اثناء النقاشات, والحقيقه فلم يحاولوا فرض رايا او تصحيح موقف والتأكيد على اخر مناقض, بمعنى لم يحاولوا عملية غسل دماغ وتثبيت اساسيات الليبراليه والديمقراطيه الغربيه.
فى الجلسه السابعه وجه البروفسور كلامه الى وقال : ما هذا الذى قدمته, انك لم تأخذ بشكيليات وادوات البحث ولم تستخدم ادبيات حول الموضوع, هذا يعنى اولا تحديد المشكله والاساليب التى تستخدم فى البحث وفيما اذا كانت دراسات حول الموضوع ….الخ و والحقيقه فانى لم احصل على ادبيات يعتمد عليها وكان اغلبها مقالات اخباريه من قبل صحفيين من خلال اقامتهم لفترة قصيره واخذوا بما يبدى لهم به من بعض موظفى السفاره او ما يقترحون عليهم مقابلة بعض المواطن الذين على علاقه مع السفاره, عدا ذلك نتاجات المستشرقيين الذين يتعاملوا مع العراق تحت مصطلح” مسوبوتانيا- بلاد ما بين النهرين) والبعض منهم كان ضمن النظره العنصريه وشبه العنصريه المتعاليه. ضمن هذه الشروط قررت ان اقوم بتقديم اطار نظرى اولى حول العلاقه بين الاستعمار وادواته المحليه . ان مصالح انكلتره كانت مبدئيا حماية والسيطره على الطريق الى مستعمرتها الذهبيه “الهند”, ثم ان الدراسات الجيولوجيه التى قامت بها البعثات العلميه قد اكدت على توفر النفط الخام بكميات تجاريه كبيره بالاضافه الى الى تقسيم تركة الدوله العثمانيه بين المنتصرين وفق معاهدة سايكس- بيكو.. الا ان انكلتره قد وجدت صعوبات كبيره فى بسط نفوذها على العراق والمقاومه المسلحه التى قامت بها العشائر العراقيه ورجال الدين,ثم الثوره العراقيه الكبرى التى كلفت انكلتره ضحايا بشريه كبيره. ان السياسه الانكليزيه وصلت الى قناعه بان” الحاله الهنديه” لايمكن تطبيقها على العراق وكان لابد من العمل بطرق اخرى, وعلية كان تأسيس المملكه العراقيه الهاشميه, ملك فيصل من الحجاز وعائلته, ونخبة من الضباط العراقيين الذين خدموا فى الجيش العثمانى وشيوخ العشائر وكبار الاقطاعيين وعدد اخر من المثقفين والمهنيين الذين شكلوا النخبه التى سوف تتولى حكم العراق وبرعايه واستشارة السفاره الانكليزيه فى بغداد . وتم انشاء ملكية دستوريه وحكم ديمقراطى شكلى. فى فترة الحكم الملكى 1920- 1958 ثم تشكيل (59 ) كابينه وزاريه مع( 645 ) موقعا شغلتها (177 ) شخصيه. كانت الحكومه فى سياستها وارتباطها مع ماصلح انكلترة على تناقض مع تطلعات الشارع العراقى نحو استقلال حقيقى والحاجه الماسة لمجالات عمل والتنميه والخدمات الصحيه والتعليميه ووضع ستراتيجه لمعالجة حالة الفقر والجهل والمرض. ان هذا التناقض اخذ مع الوقت يتصاعد مع تكوين احزاب وطنيه, كالحزب الاشتراكى الديمقراطى, الحزب الشيوعى وكذلك التوجهات القوميه, خاصة ما يتعلق بتأسيس الجيش العراقى وتوسعه وتنامى المشاعر الوطنيه والقوميه والتحرر فى صفوفه, بالاضافه الى احزاب الحكومه التى اخذ مجال تأثيرها بالانحسار وبشكل خاص تجاوبها مع جميع ما تخطط له السفاره الانكليزيه فى بغداد. ان علاقة التفاعل المتبادل بين الحاكم الانكليزى ومصالح انكلترة والنخبه التى كان وجودها, استمرارها ومصالحها التى توسعت واخذت اشكال متنوعه كانت عملية لابد منها وترتبط ايضا مع استمرارالهيمنه الانكليزيه, انها فى الحقيقه عملية تفاعل وارتباط, تمثل وحدة المصالح والوجود ولكن على مستويات مختلفه, المرسل والمتلقى, الحاكم والمحكوم, السيد والتابع, وبالتالى حالة التبعيه فى جميع المجالات,سياسيا, اقتصاديا, ثقافيا وعسكريا وحتى العضويه فى الاحلاف العسكريه والمدنيه. ان علاقة التبعيه هى الحاله الواقعيه التى تبلورت بين عواصم الاستعمار, المتروبوله والاطراف التابعة له, المستعمرات.ان هذه العلاقه ما زالت قائمة لحد الان ومن الصعوبه بمكان التحرر منها والوصول الى سيادة وطنيه حقيقيه, واذا قدر لبلد ما ان ينجح فى انقلاب او ثوره, فان عمليات نضاليه اكثر تعقيدا ومراره يجب ان تحملها الجماهير وبقيادة وطنيه مخلصه واعيه تتطلع نحو المستقبل. لقد تغير موقف البروفسور دايموند بعد التحليل البسيط الذى قدمته قدمته , وسألنى فيما اذا قرأت لينين, كان جوابى بالنفى, واذا ما قرأت (كندار وسمير امين )فى نظريتهم حول امريكا اللاتينيه, اجبته بالنفى ايضا, وقال هل كان هذا انتاجك الشخصى ؟ اكدت له على ذلك ولم اطلب مساعدة من اى شخص. انى اتصور وافهم واقع العلاقه بين انكلترة والعراق بهذه الصيغة والميكانيكيه ولا يمكن ان تكون غير ذلك.
بعد فترة هدؤ قال البروفسور, هذا رائع, انك قدمت نظريه (كندار وسمير امين) التى تناقش فى الاوساط العلمية فى امريكا فى اعلى المستويات.
كانت زيارة بروفسور دايموند فى جامعتنا لفصل دراسى واحد وسافر فى نهاية الفصل الى فرنسا الى جامعة السوربون. طلبنى قبل سفره وقال لى انى اقدم لك فرصة اكمال الدراسه فى امريكا فى جامعة هليوبوليس/ ولاية انديانا وقال فكر بالموضوع. فى منتصف الفصل الدراسى جاء المساعد الذى كان يرافقه وقابلنى حول موضوع الدراسه فى امريكا, وعاد ثانية فى نهاية الفصل الدراسى قبل رحيلهم الى امريكا. لقد اعتذرت عن قبول الدعوه, فى الحقيقه كنت خائف من موضوع الاتهام بالتعامل مع الاستعمار والصهيونيه, اتهامات يمكن ان تؤدى الى الموت فى مجتمعات الدكتاتوريه والخوف. فى الحقيقه كانت فرصه رائعه فيها التجربه والخبرة فى مجتمع متعدد الاجناس والديناميكانيات وطبيعه خلابه متنوعه فريدة .

أحدث المقالات