في شهر آيار/ مايو عام 2016 اعترف رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي بوجود 100 مليشيا (خارج إطار القانون)، وهذا يعني بالمقابل وجود (مليشيات داخل إطار القانون)!
المليشيات التي هي (داخل إطار القانون) يقصد بها تلك المليشيات المنضوية تحت مسمى هيئة الحشد الشعبي، وهي هيئة أطرت وأقحمت في المنظومة العسكرية في العراق خلافا للدستور الذي تشير المادة التاسعة أولا (ب) منه إلى حظر تشكيل أي مليشيا خارج إطار القوات المسلحة العراقية!
وبعيداً عن جدلية شرعية الحشد الشعبي، فقد صارت هيئة الحشد اليوم واقعا لا يمكن القفز عليه، رغم عدم دستوريته، ومنْ يحاول الكلام عن انتهاكات الحشد سيتهم بشتى التهم الباطلة، وهذه حالة مرضية لا يمكن القبول بها لأنه يفترض في أي دولة أنه لا أحد فوق القانون، ويبدو أن الحالة العراقية مختلفة، وهنالك قوى هي أقوى من القانون وليست فوقه فقط، ومنها غالبية فصائل الحشد الشعبي الداخلة والخارجة عن إطار القانون في البلاد.
ومنذ بداية العام الحالي، وبالتحديد بعد مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد بطائرات أمريكية ببغداد، بدأنا نسمع بتهديدات للمصالح الأمريكية في العراق من فصائل ( حقيقة ووهمية) تابعة للحشد الشعبي.
وفي منتصف الشهر الحالي (نيسان/ ابريل 2020) ذكرت قناة الحرة الأمريكية أن غالبية عناصر الميليشيات الوهمية ينتمون لجماعات معروفة مثل كتائب حزب الله التي تلقت ضربات أميركية موجعة لعبت إيران دورا سلبيا في العراق منذ عام 2003 من خلال دعم الميليشيات المسلحة واستغلال موارد البلاد لصالحها!
وأن هنالك ثلاثة فصائل بدأ يتم تداول أسمائها في وسائل الإعلام مؤخراً وهي: “عصبة الثائرين” و”أصحاب الكهف” و”قبضة المهدي” وذلك بعد تهديدها أو تبنيها لهجمات ” استهدفت قواعد عسكرية عراقية تضم عناصر من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق”.
وكان الظهور الأول لهذه الجماعات ومن أبرزها عصبة الثائرين في 15 آذار/ مارس الماضي (2020)، عندما تبنت في تسجيل فيديو انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي حينها، الهجوم على معسكر التاجي يوم 11 آذار/ مارس، وأسفر عن مقتل جنديين أميركيين، ومجندة بريطانية، وإصابة آخرين من قوات التحالف الدولي.
وهنا نلاحظ أن المليشيات المهددة للتواجد الأجنبي غير معروفة في العراق سابقاً (وهمية)، ووفقا لمسؤول استخباراتي أمريكي رفيع المستوى، لم يكشف عن هويته فإن “جميع عناصر هذه التشكيلات كانوا ينتمون لميليشيات رئيسية موالية لإيران في العراق، وهي كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وحركة النجباء، وأن اعتماد هذا التكتيك الجديد من قبل الجماعات المسلحة يهدف لتجنب الرد الانتقامي من قبل القوات الأميركية في حال تم قصف القواعد التي تضم عناصر من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق”.
وهنا يمكن القول إن المجاميع المسلحة الوهمية الجديدة تؤكد على أن:
حالة الفوضى في عموم مفاصل الدولة المدنية والعسكرية، ووجود حالة فلتان إداري وعسكري داخل منظومة الدولة العراقية.
غياب تأثير أو فاعلية القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء في ضبط غالبية فصائل الحشد الشعبي، والتي هي جزء من هيئة تابعة له، والتي يفترض أنها تأتمر بأوامره.
وجود فوضى إدارية داخل هيئة الحشد الشعبي، وبالذات مع عدم الاتفاق على قيادة (عراقية) جديد للحشد بعد مقتل المهندس، وهنالك تأكيدات على رفض العديد من فصائل الحشد، ومنها كتائب حزب الله، الاعتراف بعبد العزيز المحمداوي، المعروف باسم أبو فدك، قائدا لفصائل الحشد.
غالبية فصائل الحشد تقول إنها تأتمر بأوامر رئيس الوزراء، وبالمقابل فإن هذه التهديدات تؤكد أن الفصائل (الوهمية) تتلقى تعليماتها من خارج الحدود لخلط الأوراق وجعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الأمريكية الإيرانية على الأرض العراقية.
الفصائل الوهمية تؤكد أن تلك الفصائل هي خائفة من الاستهداف الأمريكي بدليل عدم ذكر عناوينها الحقيقية لأن هذه الفصائل لا يمكن تصور أنها فصائل نزلت من القمر، بل هي فصائل من ضمن (هيئة الحشد الشعبي)، وربما ذهبوا لهذا الأسلوب من أجل عدم الاستهداف، والبقاء في دائرتي المنظومتين السياسية والأمنية في العراق.
الولايات المتحدة حتى الآن لم تقرر توجيه ضربات موجعة لهذه المليشيات لأن بعضها غير معروف (وهمية)، وبعضها الآخر لديه مقار في المناطق السكنية مما يُعيق عملية توجيه ضربات جوية، وربما، ستلجأ واشنطن لعمليات إنزال جوي للسيطرة على هذه المقار في بغداد وبعض المحافظات الجنوبية.
للوقاية من (الفصائل الوهمية) اكتفت واشنطن بنشر أنظمة دفاع جوي لحماية قواعدها العسكرية في العراق، والتي تضم جنودا أميركيين ومن التحالف الدولي، وتضمنت هذه الأنظمة بطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية تمّ نشرها في قاعدتي عين الأسد في الأنبار وقاعدة عسكرية في أربيل، فضلا عن منظومتين أخريتين قصيرتي المدى وضعت أحداها في معسكر التاجي شمال بغداد.
وأخيراً أعتقد أن منْ يريد بناء الدولة في العراق عليه أن يحصر السلاح بيد الدولة بعيداً عن المليشيات (الحقيقية والوهمية)!
فهل نجد منْ يمتلك الجرأة على هذه الخطوة الحيوية، أم أن الساعي لتطبيق القانون سيُسحق من تلك الفصائل (الحقيقية والوهمية)!