مسرحية
حـــــــــــــذائي
(مونودراما)
تأليف
علي العبادي
المكان… بعد أن ضاقت به السبل وجد له ملاذا أمنا في حذائه الذي أصبح شاهدا حيا على خارطة الوجع الذي ألمّ به .
هو (جالسٌ في داخل حذائه): إلى متى يبقى حذائي عاقراً ؟ إلى متى أتخفى من نباح الأيام هنا ؟
(يتحدث إلى الحذاء) يا ترى هل دخلتَكِ سهواً أم شهوةً ؟ … لا اعرف لا اعرف ، لا شك أن هناك فوضى في الطبيعة (يصرخ) أكيد أكيد (يهدأ) حينما تكون أيامك كلها فصلا واحدا ألا يعني أن هناك فوضى ؟
لماذا دوما يرسم الخريف على أجنحة الحلم وجوهاً بلا ملامح ، (بهدوء وآلم) من الذي كسر تلك الأغصان ، ورمى بي هنا بعد أن كنت أغرد … أغرد نعم أغرد … (ينتفض) لكن لم أغرد خارج السرب . يورق لي كثيراً أن اخرج من هذا التابوت القسري لكن سهام غدرهم الموجه صوبي على أهبة الاستعداد للنيل مني وهم يهتفون باسم أبي الأحرار (يضحك) هههههههههه … (متحديا) سوف اتخذ من زنزانة حذائي سوطاً يجلد أصواتكم . (يتأمل حذاءهُ) رغم عفونتها لكن أفضل من عفونتكم. (متألماً) عذراً يا حذائي أنا لا أستطيع ، من الذي سوف يروف جرحك الأزلي ؟ … أصبحتُ بقايا لحلمٍ وردي .
موت … موت … موت … كل شيء خارج نطاق التغطية إلا أنت أيها الموت … من الذي سوف يموت قبل ، أنا الذي غرس الوجع جذور ناياته في روحي، أم أنت بعد أن فقدت كل شيء إلا عقمك . تتوضأ عيني بدمعها لكنها لا تستطيع الصلاة في أرض مصلوبة في أفق الدم … رغم كل الدم صليتم … اجل صليتم … لكن لمن ؟ للموتى السابقين … أم للأحياء اللاحقين .
(بهستريا) هويات بلا عناوين أكل السكون جسدنا ونخر جسدها … في حمام الدم الذي يرتاده الكل، لا فرق بين رجل وامرأة وطفل، الشيء الوحيد الذي نحن متساوون به هو حمام الدم … يسألونك عن هويتكَ . (يضحك) هههههههه ما أقسى أن يكون قاتلك أسمك ؟ أسماؤنا ليست عناوين لنا ، بل مقصلة لأحلامنا التي أرهق الليل جفنيها الذي لا ينجلي .
لهيب الطف نار يتجدد كأنه نذر سنوي علينا إيفائه ، في العاشر من محرم أوقدوا لنا شموع بؤسهم وحقدهم حتى تناسلت بطريقة رثة . ماذا عساني فاعل ، وأنا يومياً أرفع بريد الدمع والاه إلى الرب ، لم أكن أعرف أن الموت لعبة يتسلى بها من يرغب في ذلك .
منذ أن احترقت المحبة التي كانت على شكل خيام لم يهدأ عصف دخان الضياع الذي يتجه في مسارات موصدة .
ما ذنبي أتساءل أحياناً ؟ ! ما الذي جنيته كي أكون جثة وسط هذه الحذاء البائسة وهي اقرب ما تكون إلى تابوت متهرئ ؟ أ يعقل أنك تقتل لأنك (ترفض) أجل (ترفض) من الذي يقتلك يقتلك من يدعي انه على دين رجل استثنائي طالما أنت اتخذته قدوة في حياتك ومشعل نور للدروب الظلمة ، (يضحك) هههههههه ما هذا الضجيج ، وما هذه الفوضى ؟ من على دين من ؟ من على دين ذلك الرجل ؟ أنا الذي قلت (لا) أم اؤلئك الذين يريدون قتلي وفي كل حدب وصوب من هذه الحياة .
(يستدرك حذائه) أشد ما يؤلمني حذائي الذي فقد شهيتهُ للترحال لأنه يمتلك من الحياء ما يخجله أن تسير فوق نهر الدم … نهر يؤمن بالفوضى و اللامعقول والضياع … وشم على خديه ابتسامات الأطفال التي تدحرجت في وسطه فغرقت … تخيل بؤس الخارطة التي تصحرت بها ضحكات الأطفال كانت تلك القهقهات والابتسامات والضحكات دائما تداعب الموت المستشري في أجسادهم … يهزون جذع العراق بدمعهم فيتساقط القتل عليهم جنيا. لماذا غيومنا تمطر وجعا؟ حتى الرياح من فرط قسوتها علينا أقصتنا. حذائي أصفر وجهه منذ أن أحس قلب المدن تعتصر و بريقه بدأ بالذبول … (يصرخ متألماً) إلى متى أبقى هنا في ذاكرة حذائي … اشتقت كثيراً لضياء الشمس والى زقزقة العصافير … من يميط لثام الخوف مني حتى اخرج من هنا . بالأمس قتلوا رضيع وحفيد نبي وابن بنت نبيهم ، و الآن أقف أنا المعتوه أمامهم عارياً إلا من تلك (اللا) ليتني لم احملها لأذوق أنواع شتى من العذبات . (يصرخ) من يشتري (اللا) من يشتري (اللا) ، (اللا) للبيع مع تخفيضات هائلة .
لا احد يشتري سأهديها لهم (يضحك) هههههههههه هم ليس بحاجة ماسة لها . هل كنت مغفلاً حينما حملت لوائها ، أي صدق ذلك الذي ينجب كل تلك المأساة .
(يتأمل حذائه) ولماذا اخرج ، هذه العفونة التي أرزخ تحتها أفضل لدي من العفونة التي في الخارج. وطن شاخ فيه الوجع … جرحه يرتل بهمس حتى لا يوقظ الأخر … أصبحت كتلة من الجراح تمشي على طرق معبدةٍ بالملح .
(يخرج صورة صغيره من جيبه لحبيبته) عندما كانت عيناكِ وطناً مثقلاً بالجمال… كنت أوسَمَ رجل في الدنيا … بعد أن أحكم البؤس علينا لفنا الضياع لفة مريرة جعلنا سلعة غير معلبة تباع بأسعار زهيدة … الفردوس تحول إلى جحيماً … لماذا دوما لا نعرف إلى السلام طريقا إلا في التحية المزيفة ؟ أرخص ما في الكون أحلامنا … في كل يوم وأنا أرى الكناس وهو يزين وجه الشارع … أرى أحلامنا أصبحت تحت مكنسته تتدحرج بلا رحمة إلى سلة النفايات … هكذا هو المعنى في بلدي للا معنى المتخم بأبجدية الفوضى … ما أقسى المرء حينما يكون صوته أكبر من فعله ؟ ما أقسى أن تخلق منتظرا في محطة هجرتها القطارات وتآكلت سككها؟ ما أقسى أن تكون سلعة بائرة ؟
ثمة ذبول أخلاقي يجتاحنا يا أبا الأحرار ما الذي زرعوه عنوة كي يحصدوه أيا ابن بنت نبي الرحمة لماذا أصبحت الرحمة تغفو في أفواه الجلاد ، ولم نعد نراها حتى في أحلام اليقظة ؟
سفلة وشواذ وقوادون كل اؤلئك يتصارعون فيما بينهم على أحقية حملة رسالتك، ماذا بعد كل هذا النزاع أن افعل سوى الهجرة إلى حذائي المسكين المتهرئ خوفاً من تلك السيوف الداعرة التي نالت منك .
كل عضو من جسد هذه البلدة يئن بصوت ناي … لا يبكي عليه أحد ولا يضمد جراحه … فيبكي على نفسه خجلاً … منذ سنوات ونحن تحت خيمة الدخان والبارود .
كم أتمنى أن احتفل وأنا خارج حذائي بجفاف ذلك النهر الأحمر… الذي ولد بصورة غير شرعية على أرصفة الشوارع … كان في جريانه ندا شرسا للنهرين الذابلين … في جريانه كم دمعة سقطت … كم حلم بزغ فجر شيبه بلا موعد .
يا ترى هل سوف أستطيع أن أحقق هذا الحلم المختنق في أنفاسي … (أصوات أنفجارات مع أصوات لعيارات نارية) (صرخ) لا لا لا لا … لا يزال العواء مستمراً … ما أسخف عبثية الحياة … أناس يفجرون حضارات بؤسهم بجسد طفل رضيع … تزغرد الرصاص عبثا لا تعرف أهي مع أم ضد؟
أي رسالة تلك التي تبيح الموت مجاناً ، هل أصبحت تذكرة الحياة (الموت) عبر لهيب من الوجع يمتد لسنوات لا حصر لها .ماذا لو كنت ميت منذ يوم الطف ، (يضحك) هههههههه .
ما الفرق أليس هذا طف أخر، أن أن أن مت أين سأدفن بعد أن ضاق ذراع المدينة بالجسد والأحلام والخطى المتعبة التي تنقل أقدامها إلى تلك الشواهد .
حينما يتصارع الأحمر مع الأسود مخلفين وراءهم أبهى حضارة للتخلف الإنساني .
هل سوف يأتي يوم واخرج من هنا ؟ لكن كيف وما أن تفطم من محرم حتى تدخل في محرم تجريبي أخر. كلكامش هل سوف يموت خلك مجدداً … كم أنا محتاج إليك … (يصرخ) أين أنت … يبدو أنت الأخر غيبك الموت … لكن يا كلكامش متّ ولم تخبرني هل هناك حقا عشبة خلود؟ هل بإمكان حذائي هذا أن تكون سر خلودي ؟ (منزعجاً وصارخاً) لماذا لا تجيب لماذا؟… مللت جدا من هذيان الصمت… كلكامش أنا أريد فقط عشبة سلام حتى أستطيع أن أبحث عنك … وان أنام ما تبقى من العمر بهدوء (يسمع أصوات انفجارات) (صارخا) لالالالالالالالا…
انتهت
27/12/2013
ملاحظة : لا يسمح بتقديم النص دون أذن مسبق من المؤلف .
الفيس الفيسبوك : علي العبادي
البريد الإلكتروني : [email protected]
رقم الهاتف : 009647809440251