أقحمت المليشيات في العراق اليوم ورغماً عن الدستور في هيئة الحشد الشعبي، وصارت جزءاً من المؤسسة العسكرية الرسمية، وهذا ليس غريباً لأننا أمام جملة من الغرائب ولهذا فهذه حلقة من حلقات الغرائب في العراق!
شاركت المليشيات “العراقية” في عمليات عسكرية وغير عسكرية داخل البلاد وخارجها، وقد أثبتوا أنهم قادرون على التعامل مع كل عملية بأسلوب خاص!
وفي الخارج شاركت بعض تلك المليشيات في المعارك مع نظام بشار الأسد في سوريا!
ومن صور سيطرة المليشيات على الاقتصاد العراقي هي عمليات تهريب النفط إلى بعض البلدان سواء عبر البر أو عبر بعض السفن غير المرخصة من موانئ البصرة!
من أهم ممرات تهريب النفط العراقي هي الدولة السورية التي لديها حدود برية مع العراق تزيد على 610 كم، والقوى المتحكمة في العراق، ومنها القوات الأمريكية، يدركون أهمية هذا الممر اللوجستي سواء على مستوى نقل الإرهابيين أم في تهريب النفط من العراق مرورا بسوريا ثم إلى لبنان، ولهذا فهم، أي الأمريكان، يحاولون وضعهم تحت المراقبة الميدانية والقانونية!
الزعامات المليشياوية تدرك جيدا تلك المراقبة الأمريكية لتحركاتهم عبر الحدود العراقية – السورية، ولهذا حاولوا العمل لإيجاد سبل عديدة وملتوية لتحقيق غايتهم في تهريب أكبر قدر ممكن من النفط المسروق أصلا من ثروات العراق المنثورة!
وللحد من عمليات التهريب تحاول الإدارة الأمريكية بين فترة وأخرى وضع عقوبات على شركات وشخصيات عراقية وأجنبية، وذلك للتضييق على إيران، وآخرها ما أعلنت عنه وزارة الخزانة الأميركية في 27/مارس/2020 من فرض عقوبات جديدة على إيران شملت 15 شخصا وخمس شركات إيرانية لدورها في نقل السلاح إلى اليمن والعراق.
وقالت الوزارة ” إن تلك الكيانات قدمت المساعدات للميليشيات المدعومة من إيران في العراق مثل كتائب «حزب الله» وقامت بعمليات تهريب عبر ميناء أم قصر العراقي، وعمليات غسل أموال من خلال شركات عراقية عملت كواجهة لإيران، إضافة إلى عمليات بيع النفط الإيراني للنظام السوري وتهريب الأسلحة للعراق واليمن وتخويف السياسيين العراقيين والاستيلاء على التبرعات المقدمة للمؤسسات الدينية وتحويلها لـ«الحرس الثوري» الإيراني.
معلوم أن تطبيق فرض العقوبات على إيران يتم بتدقيق أمريكي كبير، ولهذا نجد أن واشنطن حريصة على متابعة الحدود العراقية – الإيرانية، وكذلك الحدود العراقية – السورية، لأنها تعلم أن هنالك تحايلا على تلك العقوبات وهنالك خطط للالتفاف عليها عبر طرق غير مألوفة!
ومن أهم ما يتم تهريبه من العراق هو النفط، ولأن هذا الموضوع من المواضيع الحساسة والدقيقة، ولهذا سنحاول ذكر الحقيقة استنادا لأدلة دقيقة يمكن أن تقطع الشك الذي ربما يراود البعض ويظنون أن الكلام بعيد عن الموضوعية.
في نهاية أيلول/ سبتمبر 2019 ذكر موقع العربية أن النفط العراقي لا يهرب عبر سوريا فقط بل عبر إيران ليباع في أذربيجان وأفغانستان، في حين يذهب القسم الأكبر إلى سوريا بغطاء من الميليشيات والفصائل المسلحة العراقية، وهي منظمة “بدر” و”كتائب حزب الله” و”عصائب أهل الحق” و”قوات وعد الله”.
وهذه الحقائق جاءت على لسان عضو مجلس محافظة كركوك إسماعيل الحديد والذي أكد على أن” الجميع تواطأ في ملف تهريب النفط العراقي، وقد وصل إلى دول الجوار وحتى أفغانستان، وقد وقعت صفقات ضخمة في سبيل عبور هذا النفط خارج كركوك وذلك بعلم الحكومة”.
وتهرب الميليشيات المسلحة النفط من ثلاثة حقول نفطية هي، نفط خانة التابعة لمدينة خانقين في محافظة ديالى، وحقل علاس شرقي تكريت، وحقل عجيل النفطي بمحافظة صلاح الدين.
وسبق لقناة الحرة الأمريكية أن نشرت تقريرا حول تهريب النفط نهاية العام 2018، أكدت فيه أن أرقامًا متضاربة وصلت بعض تقديراتها إلى ثلاثمائة ألف برميل يوميًا من شحنات النفط المهربة إلى خارج العراق، وأن مئات ملايين الدولارات تدخل إلى جيوب الميلشيات المسلحة وقادة الأحزاب الدينية التي تحكم قبضتها على البصرة الغنية بالنفط، وأن تجارة التهريب تزدهر في المناطق التي تسيطر عليها الميليشيات المسلحة التي تدعمها إيران.
فيما أشار تقرير العربية إلى أن الكميات “المهربة” تقدر بنحو 40 ألف برميل يومياً بعدما تم تقليصها من 60 ألف برميل يومياً، أما ما يهرب إلى سوريا، فيقدر ما بين 72 إلى 80 ألف برميل يومياً، وهي كميات منهوبة من مدينة “القيارة” وتلعفر وكلاهما (في محافظة نينوى)، وأن أذرع الحرس الثوري الإيراني، بما فيها حزب الله اللبناني، حققت مكاسب مالية ضخمة من خلال نقل النفط والمنتجات البترولية إلى سوريا، إذ إن عمليات تهريب النفط براً تدر أموالاً على هذه الفصائل ما بين 1.8 و1.9 مليون دولار يومياً، وحصة الأسد فيها تعود لإقليم كردستان بمليون دولار، بينما داعش وحده يستفيد بـ100 ألف دولار يومياً مقابل تعهده بعدم استهداف هذه الصهاريج!
وهكذا نلاحظ أن التهريب مستمر على قدم وساق، وبالذات مع الانسحاب الأمريكي من الحدود العراقية السورية مما يعني أن الأمر بحاجة إلى إعادة نظر وبضرورة أن يكون هنالك ضبط للحدود العراقية – السورية وكذلك العراقية – الإيرانية وإلا فلا معنى لتلك العقوبات التي يراد منها تقزيم إيران وتقطيع أجنحتها في العراق والمنطقة!
هذه الحقائق المذهلة تؤكد حقيقة واحدة وهي أن النظام السياسي الحاكم في بغداد مستمر في ضخ أموال العراقيين لتغذية منابع الشر، واستمرار حالة الخراب السياسي والمجتمعي ليس في العراق فحسب بل في غالبية دول المنطقة!