في ذکری مرور ٣٢ عام علی مسالخ الأنفال والمجازر الجماعية التي نفذها نظام البعث بحق الكوردستانيين خلال الفترة من 23 شباط 1988 الی السادس من أيلول نفس العام والتي تعّرف بواحدة من أكثر صفحات القمع الحكومي وحشيةً وعنفاً في تاريخ العراق الحديث، لابد القول بأن تلك الممارسات لم تکن إلا نتیجة التعامل الضدي والسلبي مع الآخر المختلف من قبل النظام الشوفيني الظالم، الذي تمترس وراء الهويات وعسكرة المجتمعات ومارس التهويل الايديولوجي بأعتبار الآخر المختلف “جيب عميل” أو مصدر “المصائب والشرور”.
نعم، نظام صدام حسين المقبور، الذي حرق البلاد والعباد تحت شعار “أنا أو لا أحد” و مارس العنف المنظّم و قام بسفك الدماء كأي نموذج ديكتاتوري آخر، بدأ بالحروب ثم بعمليات الإبادة الجماعية ضد شعب كوردستان وقام بتدمير البنية الإقتصادية والنسق الإيكولوجي في کوردستان وترك بإرتکابە لأكثر من ثلاثة عقود جرائم شنیعة ومرعبة جرحاً عميقاً في جسد المجتمع الکوردستاني وذاکرته اليقظة، هذا الجرح وللأسف لم يندمل الی الآن.
لکن شعب كوردستان يستمر من خلال قنوات مختلفة في مساعیه للتعريف بجريمة الأنفال كقضية دولية. أما قیادته الكوردستانية المناضلة فيدعوا المجتمع الدولي للإقرار بأن تلك العملية جريمة إبادة عرقيّة.
وفي الوقت ذاته يطالب هذه القيادة حکومة بغداد تحمّل مسؤولية تعويض ضحایا الأنفال والإبادة الجماعية، بأعتبار تحسين الأوضاع المعيشية لذوي الشهداء وضحاياها مسؤولية دستورية وأخلاقية وتاريخية.
الیوم وبعد كل هذه التجارب المريرة مع حكومة بغداد لايعقل أن نستغفل بالشعارات والوعود الكاذبة ولايستطیع صانعي القرار في بغداد أن يدعوا بالهشاشة الفكرية والحمل المفهومي الخادع ما يسمی بالشراكة الوطنية مع شعب إقليم كوردستان أو أن يطلبوا دعمه للإستمرار في السياسات الخاطئة.
المنطق يقول، التعامل مع الإقليم وقضایاه بعقل إستعلائي و عدم بلورة قيم جديدة للشراكة تعيد إنتاج المآزق و صناعة الكوراث وتدعم ثقافة المقابر الجماعية.
فالشراكة، کما هو معلوم، تلزم أصحاب القرار في بغداد أن يبدوا إستعدادهم “ولو بشكل نظري” الإهتمام بضاحايا الأنفال وإبداء النية الصادقة للنطق بكلمة “الإعتذار” عن ما تعرض له هذا الشعب المناضل في سبيل حقوقه المشروعة من المآسي.
المجتمعات العراقية اليوم بأشد الحاجة الی ساسة يعملون علی إنتاج ثقافة جديدة منفتحة مدنية وسلمية مبنية علی عقلية المداولة والشراكة الحقيقية لا علی الدعوة والترويج لعقلية الضد ومنطق الإقصاء.
لقد ولیّ زمن سماح الشعب الكوردستاني للحكومات في العراق ببسط الهيمنة، بعد لبس جلباب ديني أو قوموي أو دیمقراطي أو علماني والتعمد إلی تفتيت ديموغرافيته علی أساس أقوام وطوائف وقبائل وإستغلال نزاعاتها وتوظيف صراعاتها وإستثمار نعراتها بهدف إبقاءها خاضعة سياسياً وعليلة إجتماعياً للترويض بإرادتها ونهب ثرواتها وتوزيع أسلابها وتعطيل ديناميات الارتقاء الحضاري عندها وكبح تطلعات التواصل الإنساني لديها.
من يفكر علی هذا النحو لايغير واقعاً ولايصنع وحدة بين المكونات المختلفة في العراق، بل ترتطم أفكاره المثالية و نظراته التبسيطية علی أرض الواقع العنيد، لكي ترتد علیه، كما ترتد الكرة عندما تصطدم بأرض صلبة ملساء. والمآل هو إنتاج واقع أسوأ و أكثر كارثة مما أنتجه نظام البعث و علّامة التفرّد و الدكتاتورية، صدام حسين.
نحن في کوردستان نفتخر بعوائل الضحايا لأنهم لم يرفعوا شعار الثأر لضحاياهم، بل طالبوا الجهات المؤمنة بالدستور في الحکومة العراقية بتنفيذ قرارات المحاكم العراقية ومجلس النواب بتعويض ضحايا الانفال والابادة الجماعية ومحاكمة کل من شارك في هذه العملية الإجرامية وكل من مهّد الطريق لتنفيذها بشكل عادل.
وختاماً نکرر و نقول: “إذا ظل ثقافة و سياسة تدمير الحس والوجود الكوردستاني قائمة في العراق الفدرالي، فسيكون التعبير عن الديمقراطية و حقوق الإنسان والشراكة والإعتراف بالآخر المختلف في هذا البلد ضرباً من ملاعبة الأفاعي السامة”.