22 نوفمبر، 2024 8:12 م
Search
Close this search box.

خليـة الأزمـة الأقتصاديـة

خليـة الأزمـة الأقتصاديـة

بدخولنا عام (2019) أقدم الكثير من مراكز الدراسات العالمية والعديد من المحللين الأقتصاديين ومن خلال المقالات الصادرة في المجلات الأقتصادية العالمية أو المقابلات التلفزيونية على تقديم الدراسات والتحليلات التي تؤكد بحصول أنهيار أقتصادي عالمي خلال عام (2020) ، وقد أشارت معظم هذه الدراسات إلى عوامل عديدة ومؤشرات سبق وأن تكررت قبيل حصول الأنهيارات الأقتصادية العالمية التي حدثت في الأعوام (1929، 1937 ، 2008) ، وتؤكد ولادة مشروع إقتصادي عالمي جديد مع الأخذ بنظر الأعتبار الخارطة الجيوبولوتيكية الجديدة للعالم . وسيقوم هذا المشروع الجديد على أنقاض المشروع القديم (بريتون وودز) الذي ولد في عام (1944) وبدأ بالأنهيار في عام (1973) ودخل في الغيبوبة منذ الأنهيار الأقتصادي في عام (2008) ، والذي أعقبه تنامي دور الأتحاد الأوروبي والصين كقوى أقتصادية منافسة مع تنامي الدور الروسي (القائم على أنقاض الجمهوريات السوفياتية) وإنتقال العالم من مزدوج القطبية (أمريكا والأتحاد السوفييتي) إلى عالم أحادي القطبية (أمريكا) ثم إلى عالم متعدد الأقطاب . ونحن نعيش اليوم الصفحات الأخيرة من المشروع القديم ، والتي حاولت المؤسسات المالية العالمية تأجيل الأنهيار الأقتصادي المتوقع حدوثه في عام (2020) حيث تم ضخ ما يعادل (40%) من الأموال التي تم ضخها في عام (2009) لأجل صمود الدولار من خلال البنك الفدرالي الأمريكي في شهر أيلول من عام (2019) وتخفيض الفوائد قريباً إلى الصفر ، ولكن من دون جدوى ، لأن ضخ النقد الى الأسواق مع عدم تنامي الحركة الإقتصادية والتجارية ينذر بخطر إنفجار الفقاعة في البورصات العالمية ، وهي عادة تشبه بنضوح وتسرب بسيط ثم تتحول فجأة إلى إنفجار عندما يهرع الجميع خلال لحظة إلى الخروج من نفس الباب وفي نفس اللحظة وعندها تتحقق الكارثة . وقد جرت جميع هذه الأحداث قبيل كارثة الكورونا (رغم عدم وجود دلائل بأية علاقة لظهور الوباء مع بوادر الأنهيار الأقتصادي) التي ستشكل (تسونامي) إقتصادي يضرب إقتصادات دول العالم قاطبة .

إن إنقطاع العلاقة بين الدولار والذهب خلال الأعوام (1971-1973) والذي أعقبه ظهور سياسة البترودولار (تسويق البترول عالمياً بالدولار) التي عجزت الأقتصادات العالمية الكبرى مثل روسيا والصين والأتحاد الأوروبي من التخلص من هذه العلاقة ، وظهور العملات الرقمية (المتحررة من الأنظمة المركزية) باتت تهدد السياسة النقدية العالمية ، وتضع منظمة صندوق النقد الدولي أمام تحديات جديدة بالرغم من التحديثات التي أجرتها على نظام حقوق السحب الخاصة (SDR) في عام (2016) وإنضمام اليوان الصيني بجانب العملات الدولية الأساسية (الدولار الأمريكي ، واليورو ، والين الياباني والجنيه الأسترليني) . فهل سنشهد ولادة عملة عالمية جديدة ؟ وعلى ماذا سترتكز هذه العملة ؟ وهل سنشهد العودة إلى الذهب كغطاء للعملة الجديدة ؟ أم سيتم إعتماد العملة الرقمية كغطاء ؟ مع الأخذ بنظر الأعتبار توجه الصين وروسيا مؤخراً ومنذ أكثر من سنة إلى شراء الذهب وبشكل غير طبيعي ، وقفز أسعار الذهب إلى (1700) دولار للأونصة الواحدة والذي ربما سيستمر بالصعود في ظل الركود الأقتصادي الحاصل بسبب إنكماش الأقتصاد العالمي (وتوجه أصحاب الأموال لشراء الذهب في ظل التخوف من تقلب أسعار العملات) بسبب فايروس كورونا الذي تسبب في إيقاف العديد من المصانع وإصابتها بالشلل الجزئي وركود السياحة والترفيه وتقليص في الوظائف التي قد تدفع الحكومات إلى المزيد من الأستدانة والمباشرة بأجراءات التقشف أو التوجه نحو طبع العملات التي ستكون نتائجها كارثية على أقتصاد البلد ما لم تصاحبه خطة طارئة للنهضة بالأقتصاد التي هي الأخرى مرهونة ومقيدة بنتائج وتطورات آثار الفايروس . وأن ظهور هذا الفايروس بشكل مفاجيء ، وإنتشاره السريع عبر الدول والقارات ، وإنهيار الأنظمة الصحية لأعتى الدول ، وحصاده للأرواح وبشكل تصاعدي وضعت الدول أمام جملة من القرارات الآنية التي أربكت الكثير من خطط وبرامج الدول وخصوصاً الخطط المتعلقة بالجانب الأقتصادي . ومن المؤكد أننا سنشهد خلال الأيام القادمة تخلخلاً في أنظمة بعض الدول الأقتصادية التي لا تمتلك المرونة أمام التقلبات الأقتصادية ، وهي فترة مؤقتة قد تطول لعدة أشهر لحين إستقرار الوضع وولادة نظام إقتصادي عالمي جديد تفرضه الأقطاب الجديدة في العالم بعد السيطرة على هذه الجائحة .

العصر القادم هو عصر (العبودية الأختيارية) ، أي أن العالم مقبل على الأنقسام إلى فئتين ، الأسياد والعبيد ، وأن الأسياد مثل السابق ، هم من سيحكمون العالم ، بحكم إمتلاكهم للتكنولوجيا وحسن إستخدامهم لـ(الذكاء الصناعي ، تقنية النانو ، حاسبات الكوانتام ، طائرات الدرون ، تقنية G5) طبعاً بجانب موارد أخرى مثل مصادر الغذاء والمياه والطاقة ، لكن مفهوم العبودية الجديد يختلف عن القديم وهو أن الأسياد سابقاً هم من كانوا يتقاسمون ويختارون العبيد ، لكن عبيد اليوم هم من سيحددون أسيادهم وبمحض قناعتهم السيد الذين يرغبون به . ومن المتوقع وبموجب المتغيرات الديناميكية السريعة أن تنهار الأنظمة الأقتصادية خلال الأسابيع القادمة ، لأن آثار التدهور الأقتصادي ستكون مؤثرة ومدمرة للعديد من مفاصل المجتمع . وأن القيود المفروضة على الحركة وإنحسار التنقل وتوقف المعامل وتراجع الأنتاج وإنكماش الصادرات والواردات ستلقي بظلالها على مفاصل الحياة . وقد أكدت جميع تجارب الدول التي خاضت وتخوض الصراع مع هذا الفايروس الشرس أن الطريق أمام هزيمة هذا الوباء ما زال طويلًا ، وأن المعلومات المتجمعة عن هذا الفايروس ما زالت غير كاملة أو غامضة ، وأن المدة الزمنية التي تفصلنا عن الوصول إلى العلاج أو اللقاح ما زالت بعيدة ، لكن الجميع مشتركون في أن الحل الحالي لكبح الوباء هو من خلال كسر سلسلة إنتقال عدوى الأنتشار وذلك بتطبيق حظر التجوال . لكننا اليوم أمام معادلة غير منطقية بسبب أن آثار كبح الوباء ستقضي على مفاصل الحياة في المجتمع قبل القضاء على الفايروس ، وهذا ما ستقود معظم الدول إلى الشروع بتطبيق خطة جديدة من خلال تعديل خطة الحظر والسماح لبعض المفاصل المؤثرة على الأقتصاد في المجتمع بالعمل وضرورة رفع القيود بشكل جزئي . وقبل أن تختل التوازنات ونفقد القدرة على إتخاذ القرارات الصائبة علينا الشروع بتشكيل (خلية الأزمة الأقتصادية) للأسباب التالية :-
وضع خطة إقتصادية طارئة ، مع وضع الخطط البديلة ولكل المفاصل (السياسة النقدية ، السياسة النفطية ، الزراعة ، الغذاء ، الحركة التجارية ، أولويات التصنيع ….الخ) .
التنسيق التام مع خلية الأزمة الصحية وإعادة النظر بخطة حظر التجوال مع مراعاة القواعد الصحية .
التعاطي مع المتغيرات السريعة وسرعة إتخاذ القرارات .
تحديث الأحصائيات الأقتصادية ، وخصوصاً للمفاصل التي تأثرت بالأوضاع الأخيرة .

ما هو المطلوب في المرحلة القادمة ؟ لأننا أصبحنا وبشكل مفاجيء أمام واقع جديد فرض بنفسه على عاداتنا الأجتماعية وطبيعة عملنا وواقعنا الأقتصادي ولا مفر من آثاره إلا بالتخطيط . وبالرغم من أنه كانت هناك مؤشرات تؤكد وقوع متغيرات ، ولكننا أصبحنا في عصر يغلب فيه صوت الدجالين أصوات العقلاء والحكماء ، لذا من المهم أن يتم الأستماع إلى أصحاب الأختصاص وأهل العلم والأستشارة بآراءهم ، و حان الوقت لينصت السياسي إلى الأقتصادي ، وتسريح تجار الدين ، وضرورة إغلاق دكاكين الأيديولوجيات المزيفة ، والشروع بتأسيس خلية أزمة أقتصادية مكونة من أصحاب العلم والأختصاص تباشر بوضع خطط سريعة أمام نتائج وآثار هذا الوباء والمتغيرات التي ستحدث عالمياً في المستقبل القريب ، أما على مستوى الأفراد فينبغي علينا وقبل كل شيء عدم التسليم إلى الذعر الذي يجري تسويقه بشكل مفرط في وسائل التواصل الأجتماعي والقنوات الأعلامية ، والتعامل مع الأحداث بشكل منطقي ، وإتخاذ الأجراءات والتدابير اللازمة لحماية أنفسنا من هذا الوباء ، والتخطيط للخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر ، وعدم السماح بفقدان إنسانيتنا ، التي تؤكد عليها ديننا ومبادئنا وأعرافنا وعاداتنا وتقاليدنا وتأريخنا ، لأننا أصحاب هذه الطبيعة الخلابة والمؤتمنون على مستقبل الأجيال القادمة ، وعلينا التعامل والمحافظة عليها من موقع المسؤولية .

أحدث المقالات