17 نوفمبر، 2024 10:19 م
Search
Close this search box.

مجتمعنا

في يوم من الايام وحين كانت المواجهة على اشدها بين الافكار المادية من شيوعية ورأسمالية وماركسية والحادية من جهة وبين الافكار الدينية الاسلامية بشكل خاص من جهة اخرى وحين كانت المواجهة مواجهة فكرية بحتة بأصدار الكتاب تلو الاخر للرد على الطرف الاخر وكان السجال بالفكر والقلم وليس بالعصا والبندقية! وظهرت كتب عظيمة في محتواها مثل (اقتصادنا) و(فلسفتنا) و(الاسس المنطقية للاستقراء) لمفكر عصره السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) سأله البعض عن سبب عدم تأليفه لكتاب منتظم يتناول قضايا المجتمع الاسلامي المنشود من وجهة النظر الاسلامية الاصيلة رغم كونه تناول الكثير من جوانب هذا المجتمع المنشود في كثير من محاضراته وخطاباته وندائاته للشعب العراقي والامة الاسلامية فرد عليهم في ذلك الوقت (ان مجتمعنا لا يريد مجتمعنا) يريد بذلك ان المجتمع الحالي لا يريد كتاباً يشرح عيوبه ويريه الطريق الى الكمال بأسم (مجتمعنا)!
وقد كان المجتمع في وقته افضل بكثير مما هو عليه الان بل كان الناس وقتها ملائكة نسبة للموجودين اليوم وطبعاً لكل قاعدة شواذ والحديث هنا كالعادة في تناول القضايا الاجتماعية يكون عن الاغلبية العظمى وليس الكل، فماذا حدث؟ وكيف انهارت القيم والاخلاقيات والمثل والعادات والتقاليد العربية والاسلامية الاصيلة وذهبت مع الريح بين ليلة وضحاها؟ هل السبب الحروب؟ ام الانفتاح؟ ام المؤامرة لأسقاط اخلاقنا وتشويه مجتمعنا؟ ام غير لك؟
طبعاً هناك من يبرر كل ما حدث ويحدث بكونه تطوراً طبيعياً لمجتمع عاش الكبت والحرمان سنين طويلة وانفتح فجأة على عالم مليء بكل ما لذ وطاب من غذاء الجسد والشهوة والغريزة والفكر والعلم والتكنولوجيا فأنقلب المجتمع رأساً على عقب فجأة واختلط لديه الحابل بالنابل ولم يعد يميز بين قديم وجديد وصالح وطالح ونافع وضار بل اخذ المجتمع يسير بشكل اعمى نحو المجهول زرافات ووحدانا في تيار قوي جارف لكل ما ومن يقف في طريقه فألى اين المسير؟
شذوذ جنسي، لواط، سحاق، جراوي، ايمو، زنا المحارم، الاختطاف، الاغتصاب، السرقة، الاعتداء، اللامبالاة، الغنى المفرط للبعض في مقابل جوع وجهل ومرض وفقر مدقع لكثير من الاخرين، حروب طائفية لأسباب تافهة، عواصف فكرية تحرق الاخضر واليابس ولا تنتج سوى هشيم من العقول الفارغة التي تميل مع الريح حيث تميل، وغيرها الكثير من الظواهر التي كثرت وشاعت وانتشرت وبلا مقيم ولا محلل ولا معترض ولا حساب ولا عقاب والكل لاهي بقوت البطن والفرج ورغبات النفس الامارة بالسوء والتنافس لبلوغ القمة ولكن اية قمة؟
قمة الانحطاط!
يتنافس الناس على قصر مشيد وعيش رغيد وملبس جميل وسيارة فارهة ووظيفة مرموقة وتدرج وظيفي ثابت ومنتظم ولكن بأي ثمن؟ (بأي ثمن مهما كان!)
فلا يبنى قصر مترامي الاطراف الا ومقابله كوخ طين يسقط على رؤوس اهله في المطر ولا تركب سيارة فارهة بعدة دفاتر الا بموت عدة اطفال ونساء وشيوخ بسبب قلة الدواء والغذاء والعناية الطبية ولا يتخم سمين بكثرة الاكل الا بفقير مقابله ينام مطوي البطن من الجوع ولا يعلو موظف بلمح البصر الا بالتسلق على اكتاف الغير بالتملق والرشى والواسطة والعرف والحزب القوي والعشيرة القوية والعلاقات القوية والفقير اله الله! اذا فالثمن باهض على البعض ولكنه سهل يسير على المنتفعين الاخرين فألى متى؟
اسباب الانحطاط
1- سياسية: بالتصارع السياسي بين الاحزاب التي تنمو كوحوش كاسرة بسرعة وتلتهم كل ما حولها وتسخر الجماهير كحطب لمعاركها المصلحية الضيقة الامر الذي ادى الى كثرة القتلى والمسجونين والمخطوفين والعوائل التي بلا معيل ولا حسيب ولا رقيب واعداد الايتام والارامل مخيفة ومهولة.
2- فكرية: بغياب التوجه الموحد وكثرة الفتن والمدعين وتبعثر الناس حول كل ناعق وصائح في غير وقته فأخذ كل حزب بما لديهم يهللون وبما يعتقدون او يستفيدون يصرخون حتى امتلأت الارجاء زعيقاً ونباحاً وتنابزاً ودعوات متقاطعة بين الرجوع الى الماضي ونسيان ما حولنا ومن حولنا او ب(الهروب الى الامام) ونسيان الدين والوطن والعقيدة والهدف من الحياة حتى اصبح لا يكاد يعرف لهذا المجتمع من لون وصبغة لا هو ديني ولا هو علماني ولا هو انساني ولا هو حيواني!
3- اقتصادية: كثرة السيولة النقدية في ايدي البعض وقلتها في ايدي اخرين خلقت فراغاً في الوسط واصبح الناس اما متخوم يلعب بالنقود والمصائر بيده ورجله ولا يأبه لدين ولا خلق ولا انسانية من جهة وبين محروم يكد ويركض ليل نهار ليلحق بالركب وسط مطالب متزايدة من الاهل والاولاد بضرورة التشبه بالنوع الاول المتخم فيضطر المحروم الى السرقة او العمل المضاعف او تقبل الرشى او التضحية بالدين والاخلاق والمبادئ ليحقق المصالح الانية ويشبع البطن والفرج وينام مرتاح البال ولو بشكل خادع ومؤقت.
4- اخلاقية: فكثرة مشاغل الاهل المصطنعة والمفتعلة والانانية في اغلبها تنتج اجيال من البنين والبنات بلا رقابة ولا تأديب ولا حسيب ولا رقيب ويصبح المثل الاعلى مهند ونور التركيين وغيرهما من ارباب المجون والعهر والفجور وتأتي الوسائل التكنولوجية بما لا يحمد عقباه (بسبب سوء استخدامها وليس بسبب سوئها بذاتها فهي سلاح ذو حدين) وتخاطب هذه المسلسلات والافلام والفيديوهات وما تتناقله الاجهزة النقالة والمحمولة بالبلوتوث وغيره كلها تخاطب العقل الباطن بقولها (لا خبر جاء ولا وحي نزل فألعب بكيفك ولا تفكر بالعواقب وعش يومك ولا تفكر بالغد ولا بالأمس) فينتشر الزنى والعلاقات المشبوهة وتنتشر معه عمليات الترقيع وتنتشر ظاهرة قتل البنات غسلاً للعار وتنتشر ظاهرة التمرد على كل عرف ودينووو واصبح المجتمع يسير بين فعل ورد فعل كل منهما في اقصى درجات التطرف من جهة و الانحراف والتسيب والانحلال من جهة اخرى.
الحل بكلمات معدودة هو بأن يعود الناس الى وعيهم ويصحوا من غفلتهم ويعملوا لما خلقوا لأجله: العبادة للخالق وطلب العلم والعمل به والتفكير في عواقب الامور قبل الاقدام على ما لا تحمد عقباه وباختصار كما قالها يوماً رجل حكيم (ان نصبح خوش اوادم) واما الاهل فواجبهم المشارطة والتربية والمراقبة والمحاسبة واما الدولة فواجبها وضع القوانين التي تحفظ للإنسان انسانيته وتترفع به عن البهيمية والتحول الى حيوانات اقتصادية وغريزية وغابة يأكل فيها القوي الضعيف.

أحدث المقالات