مرة أخرى خطيب المرجعية يضيف مرارة إلى رصيد المرارات الثقيلة، فبعد قوله الجمعة الماضية : إن المرجعية هي الجهة الوحيدة القادرة على تشخيص المصالح والمفاسد، فها نحن اليوم نفاجأ وكأن نفس الخطيب نسي ما قال في الجمعة الماضية، وها هو اليوم يكشف من دون أن يسمي أن الدولة بكل أجهزتها تتنصل عن تحمل المسؤولية فيما يجري في البلد من إراقة مجانية للدماء ويقول : إن أحد العلماء دون أن يسميه سألوه عن علاج هذا الحال المتردي للأمن فأجابهم : إن علاج الملف الأمني مرهون بالقضاء على الفساد!!!
واستطرد خطيب جمعة المرجعية قائلا إن حالات الفساد ـ التي هو والمرجعية مطلع عليها ـ إذا بقيت هكذا على حالها من دون معالجة فالوضع العراقي متجه إلى ما لا يحمد عقباه، بل قال نقرأ على البلد السلام!! ومن يتفكر فيما قاله خطيب المرجعية في الخطبة الثانية وما أشار له من إشارات خطيرة عن حال التداعي الذي تعانيه تلك العملية السياسية التي شرعت لها المرجعية وأوجبتها على الناس بحسب تصريح الشيخ حيدر الغرابي الأستاذ في حوزة النجف لجريدة الشرق الاوسط في عددها الصادر يوم الاربعاء السابع من آب/2013م، فالآن ما هو الموقف الشرعي المفروض على المرجعية أن تتخذه اتجاه هذا الفساد الذي استشرى بسبب المداهنة والصمت غير الحكيم حتى صار الحال كما هو عليه اليوم فهل ستقول المرجعية : إن الحكمة في الصمت كذلك؟؟!!
هل يعقل أن المرجعية في وقت شرعت فيه لممارسة مجهولة النتائج توضح فيما بعد أن الفساد كله كامن فيها، وبعد أن صار يتحدث خطيب المرجعية وهو الناطق الرسمي باسمها اليوم عن الفساد الذي لا علاج له، أقول هل يعقل أن لا يكون لها موقف صريح، وموقعها الشرعي ـ كما تزعم ـ ورصيدها الجماهيري لا يجيز لها مطلقا الصمت في أوان العمل؟! لا أقل أن ترفع يدها عن تلك العملية التي هي اليوم بلسانها تقول عنها إنها عملية سياسية بنيت على الفساد، وأفسدت حتى من كان يُتأمل فيه الصلاح، فما هو موقف المرجعية العملي اليوم من هذه العملية السياسية، ومن الكتل والأحزاب التي أوصلتها تلك المرجعية وتحملت مسؤولية إيصالها إلى مناصب ـ بحسب تعبير الشيخ الغرابي ـ ما كان أحد منهم يحلم بها؟؟؟!!
أليس المفروض اليوم على المرجعية أن تدعو ببيان صريح الحكومة القائمة بمؤسساتها الثلاث إلى الاستقالة ودعوة الناس إلى أن ينظروا إلى ما فيه نجاة لهم من حالة الهلاك التي أحاطت بكل شيء، وليس شيء بناءٍ عنها أو بعيد عليها، فالقتل اليوم صار في كل مكان، ولم يبق مكانا آمنا للناس تلجأ إليه سوى التضرع الحقيقي إلى الله سبحانه لينقذها من هذا المأزق الذي وجدت نفسها فيه بأمر المرجعية ، ولا أقل على المرجعية أن ترفع يدها عن الناس ولا تبقى هكذا قيد يأسر الناس باسم قدسية لا وجود لها إلا في أوهام أصحابها، فلماذا هذه الوصاية التي أوصلت الناس إلى هذا الخواء وعدم القدرة على معرفة الصالح من الطالح؟؟ إلى متى تبقون تخدرون الناس وتؤفينونها بهذا المصل المميت (ذبها براس عالم واطلع منها سالم)؟؟؟!!
ها أنتم اليوم تدعون أنكم علماء وتعدون الناس ببراءة الذمة في اتباعكم وأنتم لا تملكون براءة الذمة لأنفسكم، فهل (فاقد الشيء يعطيه)؟؟!! مالكم كيف تحكمون؟؟!! أنتم اليوم تطالبون المسؤولين بمحاسبة أنفسهم وتحمل مسؤولياتهم فلماذا أنتم لا تحاسبون أنفسكم وتراجعونها قبل فوات الأوان، وتتحملوا مسؤولياتكم، فهذه الدماء التي تراق برقبة من؟؟ أليست برقبتكم لأنها تراق بسبب عملية سياسية ينخرها التناحر والاحتراب على الكراسي والناس ضائعة ومطحونة بين سندانكم ومطرقة هذه العملية التي شرعتم لها؟؟!!
فكونوا أنتم يا سدنة المرجعية أول من يتحمل المسؤولية ويخرج للعلن ويحاسب نفسه، ويعلم المسؤولين آلية ذلك الحساب الذي تظنون أنه قادر على الخروج بالبلد من هذا المأزق الخطير، فخطيب المرجعية نفسه في الجمعة الماضية يوجه رسالة واضحة للعملية السياسية بكل طواقمها : إن المرجعية هي من عملتكم وهي من يمسك بزمام الشارع، وهي صاحبة الرصيد الجماهيري، وهي الجهة الوحيدة القادرة على تشخيص الصالح من الفاسد!! وها هو اليوم نفس الخطيب يخرج علينا بسلة فساد خطيرة لا يجوز السكوت عليها لا شرعا ولا أخلاقا، ولا إنسانية، فبأي عذر ستعتذر المرجعية عن سكوتها حيال هذا الفساد الذي أعلنت عنه هي ولم تعلن عنه وسائل الإعلام المتهمة، ولم ينشره المغرضون والمتربصون بالعملية السياسية، بل أعلنته المرجعية على لسان خطيب جمعتها وهي الراعية لهذه العملية!!!
أليس الآن آن الأوان للناس أن ينتبهوا من هذه الغفلة التي ثمنها دماء تراق بمجانية، وعوائل تيتم وتترك للذئاب تنهشها يمينا وشمالا؟؟!! إلى متى تبقى الناس راضية بحالة التنويم التي أهلكت الحرث والنسل، هل تريدون بالعراق حال يشبه ما وقع ويقع في سوريا ومصر وباقي بلدان العالم؟؟ إلى أين ستأخذكم هذه المرجعية التي تصرح علنا ومن دون مواربة أنها راعية لعملية سياسية يعبث فيها الفساد من أخمص قدمها إلى قمة رأسها، والمرجعية ساكتة، والدماء تسيل والكرامات تنتهك، ماذا تنتظرون أيها الناس لتنفضوا عنكم غبار الخنوع والانقياد غير المبرر؟؟ ألم تقرؤوا قول الله سبحانه{ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ * قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ * قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}(الأنعام/62-65)، ها هو كلام الله صريح يقول بأن الحكم والتنصيب لله سبحانه وليس للناس، فبأي دليل شرعت المرجعية ـ التي تدعي الانتساب إلى دين الله ـ أن الحكم للناس، وأن الشرعية للناس، والناس هي من يختار الحاكم؟؟!! وها هو الله سبحانه يعد الناس بعذاب إن هم خالفوا شريعته إما أن يأتيهم من فوقهم، أو يأتيهم من تحت أرجلهم، أو يلبسهم شيعا ويجعلهم يتناحرون ويتقاتلون كما هو الحال اليوم واضحا جليا.
الغريب أن كل البشرية على اختلاف مذاهبها إلا من شذ ينتظرون ساعة فرج وخلاص، وينتظرون مخلصا ومنقذا، ولكنهم عندما يتحركون على ارض الواقع يفعلون كل ما يخالف ذلك الفكر وتلك العقيدة التي هي راسخة في الأذهان شاء الناس أو أبوا لأنها أصل فطرة الناس، ومن يحاول طمسها إنما يحاول طمس الفطرة، وبطمس فطرته يكون قد تخلى بنفسه عن إنسانيته فصار حاله كما وصف الله سبحانه{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}(الفرقان/44).
لذا ينبغي على الناس إذا ما أرادت أن تنقذ شيئا من إنسانيتها المستباحة أن تتوجه إلى تلك المرجعية وتدعوها إلى محاسبة نفسها، والاعتذار من الناس والتوبة إلى الله سبحانه لأنها دفعتهم إلى مهلك عملية سياسية هي اليوم بلسانها تعلن فسادها وعدم صلاحها، وكذلك على الناس أن تدعو المرجعية إلى رفع يدها من قيادة الناس، والاعتراف الصريح أن هذه المرجعية لا قدسية لها، إذ لا دليل هلى هذه القدسية لا من كتاب ولا من عترة، بل الدليل قائم على نقيضها، فرسول الله(ص) يصف فقهاء ذلك الزمان ـ أي زماننا ـ بشر فقهاء تحت ظل السماء منهم خرجت الفتنة وإليهم تعود، وربما يقول قائل : أليس هذا تحامل على المرجعية؟؟ الجواب : بماذا تسمي موقف المرجعية وهي ترى الناس الذين ينبغوا أن يكونوا ابناءها، تراهم يذبحون ليلا ونهار بمجانية، وهي تطلع ليلا ونهارا على فساد ذباحيهم، وتترك المطالبة بحق المذبوح ودمه، وتسكت عن فساد من ذبحه ولا تحرك ساكنا؟؟!! أترك الجواب للقارئ الكريم.