نعى رسول الله محمد بن عبد الله نفسه الى المسلمين في حجة الوداع قطعاً للحجة[1] ، واستباقاً لمسرحية أن رسول الله لم يمت ومجيء من انقذ المسلمين من حيرة الضلالة في امر موت النبي كما يزعمون . ثم بيّن لهم عند غدير خم ان الكتاب والعترة حبل الله الذي به عصمة هذه الامة ، ثم ابان ان سيد العترة علي بن ابي طالب مولى المؤمنين[2] .
( فَلَمَّا انْقَضَتْ اَيّامُهُ – رسول الله – اَقامَ وَلِيَّهُ عَلِيَّ بْنَ اَبي طالِب .. هادِياً، اِذْ كانَ هُوَ الْمُنْذِرَ وَلِكُلِّ قَوْم هاد[3]، فَقالَ وَالْمَلأُ اَمامَهُ: مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ اَللّـهُمَّ والِ مَنْ والاهُ وَعادِ مَنْ عاداهُ[4] وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ[5]، وَقالَ: مَنْ كُنْتُ اَنَا نَبِيَّهُ فَعَلِيٌّ اَميرُهُ[6]، وَقالَ اَنَا وَعَلِيٌّ مِنْ شَجَرَة واحِدَة وَسائِرُ النَّاسِ مِنْ شَجَر شَتّى[7]، وَاَحَلَّهُ مَحَلَّ هارُونَ مِنْ مُوسى، فَقال لَهُ اَنْتَ مِنّي بِمَنْزِلَةِ هارُونَ مِنْ مُوسى الّا اَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدي[8]، وَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ سَيِّدَةَ نِساءِ الْعالَمينَ، وَاَحَلَّ لَهُ مِنْ مَسْجِدِهِ ما حَلَّ لَهُ، وَسَدَّ الابواب اِلاّ بابَهُ[9]، ثُمَّ اَوْدَعَهُ عِلْمَهُ وَحِكْمَتَهُ فَقالَ: اَنـَا مَدينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِىٌّ بابُها، فَمَنْ اَرادَ الْمَدينَةَ وَالْحِكْمَةَ فَلْيَاْتِها مِنْ بابِها[10]، ثُمَّ قالَ: اَنْتَ اَخي وَوَصِيّي [11]وَوارِثي، لَحْمُكَ مِنْ لَحْمي وَدَمُكَ مِنْ دَمي وَسِلْمُكَ سِلْمي وَحَرْبُكَ حَرْبي وَالإيمانُ مُخالِطٌ لَحْمَكَ وَدَمَكَ كَما خالَطَ لَحْمي وَدَمي[12]، وَاَنْتَ غَداً عَلَى الْحَوْضِ خَليفَتي وَاَنْتَ تَقْضي دَيْني وَتُنْجِزُ عِداتي وَشيعَتُكَ عَلى مَنابِرَ مِنْ نُور مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلي فِي الْجَنَّةِ وَهُمْ جيراني، وَلَوْلا اَنْتَ يا عَلِيُّ لَمْ يُعْرَفِ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدي، وَكانَ بَعْدَهُ هُدىً مِنَ الضَّلالِ وَنُوراً مِنَ الْعَمى، وَحَبْلَ اللهِ الْمَتينَ وَصِراطَهُ الْمُسْتَقيمَ، لا يُسْبَقُ بِقَرابَةٍ في رَحِمٍ وَلا بِسابِقَةٍ في دينٍ، وَلا يُلْحَقُ في مَنْقَبَةٍ مِنْ مَناقِبِهِ، يَحْذُو حَذْوَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِما وَآلِهِما، وَيُقاتِلُ عَلَى التَّأويلِ وَلا تَأخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، قَدْ وَتَرَ فيهِ صَناديدَ الْعَرَبِ وَقَتَلَ اَبْطالَهُمْ وَناوَشَ – ناهش – ذُؤْبانَهُمْ، فَاَوْدَعَ قُلُوبَهُمْ اَحْقاداً بَدْرِيَّةً وَخَيْبَرِيَّةً وَحُنَيْنِيَّةً وَغَيْرَهُنَّ، فَاَضَبَّتْ عَلى عَداوَتِهِ وَاَكَبَّتْ عَلى مُنابَذَتِهِ، حَتّى قَتَلَ النّاكِثينَ وَالْقاسِطينَ وَالْمارِقينَ، وَلَمّا قَضى نَحْبَهُ وَقَتَلَهُ اَشْقَى الاْخِرينَ يَتْبَعُ اَشْقَى الاولين، لَمْ يُمْتَثَلْ اَمْرُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي الْهادينَ بَعْدَ الْهادينَ، والامة مُصِرَّةٌ عَلى مَقْتِهِ مُجْتَمِعَةٌ عَلى قَطيعَةِ رَحِمِهِ وَاِقْصاءِ وُلْدِهِ اِلّا الْقَليلَ مِمَّنْ وَفى لِرِعايَةِ الْحَقِّ فيهِمْ، فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ، وَسُبِيَ مَنْ سُبِيَ وَاُقْصِيَ مَنْ اُقْصِيَ وَجَرَى الْقَضاءُ لَهُمْ بِما يُرْجى لَهُ حُسْنُ الْمَثُوبَةِ )[13].
وبرأيي ان النبوءة التوراتية لإبراهيم في بركة إسماعيل عليهما السلام ( وأما إسماعيل فقد سمعتُ لك فيه ، ها أنا أباركه واكثّره كثيراً جدا ، اثني عشر رئيساً يلد ، واجعله أمة كبيرة )[14] لم تتحقق الا من خلال العقيدة الإمامية في علي وولده ، ولا اجد لها بعد ذلك تفسيراً اسلامياً أو مسيحياً مناسبا أو منطقيا .
لكنّ هذه الأحقاد البدرية والحنينية والخيبرية كانت فاصلاً في خيارات الناس ، وكانت مفصلاً في تاريخ الحضارات ، اذ انقسمت الأمة ، رغم وضوح النص في ولاية علي عليه السلام ، الى فرقتين كبيرتين ، احداهما الى جانبه ، واُخرى ضده ، وهي أوسع .
اما لماذا كانت الثانية أوسع ؟ فهذا لسبب موضوعي ، ناشئ عن عدم استيعاب الجماعة القريبة لعاصمة الرسالة لمفهوم الإمامة ، وبالتالي هي كانت تنظر لعلي بن ابي طالب على انه شخصية فاضلة دينيا ، لكنها ليست مقدسة . وبالتالي يسع النفوس المتأججة عاطفياً ضده ان تتجاوزه لغيره . ولزهد علي الشديد تجاه المال[15] ، فيما غيره اجتذب الناس بالمال . حتى قال زين العابدين ( ان علياً كان يقاتله معاوية بذهبه ) ، بعد ان فرّق بنو امية المال في اجتذاب الدهاة من الناس وشراء الذمم[16] .
كما لعبت جماعات الضغط داخل المدينة ومكة دوراً هاماً في إزاحته عن مقعده ، من خلال استغلال مجموعات قبلية بدوية خارج المدينة ، ومجموعات ( مسلمة الفتح ) ، الذين لا زالوا على كفرهم الباطني ، داخل مكة ، والاعراب أشد كفراً ونفاقاً واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله . فكان البعيدون ينتظرون ما يجود به القريبون من عقائد ، سوى مجاميع قبلية التقت النبي وعلي وابا بكر بصورة مباشرة ، كعبد القيس وشيبان ، فتشكلت لديها صورة معرفية أثمرت تشيعاً عميقاً لعلي بن ابي طالب ، زاد فيه ارتكازهم المعرفي العراقي المسيحي . ومن الواضح من منطق كلام شيبان عند لقائهم برسول الله وخشيتهم من هجوم الفرس عليهم انه كان قبل معركتهم في ذي قار وبالتالي هو عند اول بدء الدعوة .
[1] قصص الأنبياء / قطب الدين الراوندي / مطبعة الهادي / ص ٣٥٤
[2] أعيان الشيعة / محسن الأمين / ج ١ / ص ٢٩٠
[3] الإمامة وأهل البيت / الجزء الثاني / ص ٣٩٤ / رواه عن السيوطي في تفسيره ، وعن ابن مردويه عن ابي برزة الاسلمي / وفِي ص ٣٩٥ عن مسند احمد بن حَنْبَل عن علي بن ابي طالب
[4] السلسلة الصحيحة / الالباني / حديث ١٧٥٠ / درجته : صحيح
[5] الإرشاد / المفيد
[6] بحار الأنوار / الجزء ٣٨ / المجلسي / ح ٧١
[7] تحفة الملوك في السير والسلوك / محمد مهدي بحر العلوم // مناقب ابن المغازلي / ح ١٣٣ عن جابر بن عبد الله
[8] صحيح البخاري / حديث ٣٥٠٣ / عن شعبة عن سعد عن إبراهيم بن سعد عن ابيه
[9] مسند احمد بن حَنْبَل / كتاب فضائل الصحابة / حديث ٩٨٥ / عن زيد بن أرقم
[10] المستدرك على الصحيحين / الحاكم النيسابوري / الجزء الأول / ح ٤٦٣٧ / قال : حديث صحيح الاسناد ولَم يخرجاه / الا انه لم يورد لفظ الحكمة في هذا الحديث / وقد أورده بطرق أخرى // اما لفظ الحكمة فقد ورد في مناقب ابن المغازلي / ح ١٢٨ عن ابن عباس
[11] تفسير البغوي / الجزء السادس / تفسير سورة الشعراء / أية ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) // مناقب ابن المغازلي / ح ٢٣٨ عن ابن بريدة
[12] المسترشد / محمد بن جرير الطبري / ص ٦٣٤
[13] دعاء الندبة / كتاب مفاتيح الجنان / عباس القمي
[14] سفر التكوين / الإصحاح ١٧ / ٢٠
[15] تاريخ التمدن الإسلامي / جرجي زيدان / مؤسسة هنداوي / ج ٢ / ص ١٨
[16] تاريخ التمدن الإسلامي / جرجي زيدان / مؤسسة هنداوي / ج ٢ / ص ٢١
—
المدونة الشخصية :
http://freepapers1980.blogspot.com
( اوراق )
مدونة حرة .. تهدف الى تحرير العقل من قيود الاستعباد والاستغلال
صفحات التواصل الاجتماعي :
Ali H Ibrahimi
https://twitter.com/a1980a24