حديثا” ، تتجه بوصلة رؤساء الوزراء المكلفين الجدد وكبار السياسيين والمسؤولين العراقيين نحو ( الاهتمام بالاقتصاد ) في برامجهم الحكومية المقترحة وطروحاتهم السياسية ، وتأتي هذه الطروحات المتأخرة نتيجة ملحة لمراجعة ملفات ( الادارة المالية ) للموارد الدولة النفطية لتمويل الموازنات السنوية للدولة والحكومة ، حيث يعاد لاكثر من مرة ترديد هذه العبارة خصوصا” بعد ان لاحت بالافق أزمة اقتصادية قادمة ومحتملة وقريبة ، تكون فيها الحكومة عاجزة عن تغطية ميزانيتها التشغيلية على اقل تقدير .
منذ ٢٠١٤ ولغايـــة ٢٠١٨ اقتصرت الموازنات العراقية على موازنات تشغيلية فقط بسبب انخفاض اسعار النفط وتزامنت المعارك التي خاضها العراق ضد الارهاب ، اقتصرت تلك الموازنات على تسديد نفقات الرواتب للموظفين المدنيين والعسكريين وحقوق المتقاعدين ونفقات نثرية وتشغيلية اخرى اضافة لنفقات الحرب في حين عملت الحكومة على اقتراض عشرات المليارات من الدولارات واعتماد سياسة التقشف لتغطية العجز ، واقفت خلالها جميع النفقات الاستثمارية والتي دائما ما تشير الى المخصصات الخاصة بانشاء المشاريع الخدمية كمشاريع البنى التحتية الخاصة بالماء والمجاري والكهرباء والمدارس والبنى الخاصة بمؤسسات الدولة .
اليوم ، تواجه حكومة تصريف الاعمال او الحكومة كاملة الصلاحيات تحديا” جديدا” وتهديدا” ماليا” اخر يمثل بعجز الحكومة عن تمويل موازنتها ، او حتى عجزها عن تمويل القسم التشغيلي منها ، بسبب انخفاض الاسعار النفطية من جهة وقرارات تقليص الانتاج النفطي الصادرة من اوبك بنسبة تقارب الـ ٣٠ بالمئة ، الذي يؤدي بشكل حتمي الى مراجعة المسؤولين للادار المالية للموازنة وعودة حتمية لسياسات التقشف المالي الحكومي واستقبال للاثار الاقتصادية المحتملة والتي من الممكن ان تدوم لسنة او لسنتين قادمتين .
معنى الاقتصاد ومفهومه :
ان مصطلح الاقتصاد ذو معنى شمولي واسع ، واقرب تعريف له هو الفعاليات والنشاطات الاجتماعية من الانتاج والتوزيع والنقل والاستهلاك للموارد والسلع والخدمات ، في حين يتقدم المسؤولين العراقيين بتعريف الاقتصاد بصورة مغلوطة وقاصرة ، فهم غالبا” ما يشيرون بمقصدهم الى (( الادارة المالية )) الناجعة لموارد الدولة والتي غالبا” ما تكون موارد ريعية من بيع النفط المستخرج ، والتي تغطي ميزانيات الدولة والحكومة التشغيلية والاستثمارية معا” والتي تصبح مهدده متى ما انخفضت اسعار النفط او حدث طارئ في الانتاج او التسويق النفطي .
ان تقديم الاقتصاد كهدف رئيسي لدى السياسيين العراقيين يجب ان يقترن اولا” بتبني منهاج اقتصادي واضح ( اشتراكي او اقتصاد سوق او هجين بينهما ) ، ثم رؤيا اقتصادية شاملة معززة بالخطط ، ثم الى اجراءات معقولة وقابلة للتحقيق ( تشريعات ، قوانين ، قرارات ، تعليمات ) ، ويجب على رئيس الوزراء ان يتبنى خطوات اقتصادية قادرة على تحسين الوضع الاقتصادي لفئات اجتماعية اوسع، لا يكون مبتغاه حصرا” هو تعزيز موازنة حكومية لسنة او اكثر لصالح فئات اجتماعية محدودة على حساب شرائح اجتماعية اوسع يزداد فيها الفقير فقرا” .
ان هذا المفهوم والمطلب الملح ، والذي غاب طويلا” من طروحات السياسيين واصحاب القرار لفترة تجاوزت الـ ١٦ سنة ، حتى بلغت نسبة السكان الذين يعانون تحت مستوى الفقر الـى٣٠ بالمئة من عدد السكان واقتربت من ٥٠ بالمئة في محافظات اخر ، في حين تعاني طبقة اجتماعية اخرى صعوبة تأمين الموارد المالية الكافية للعيش الكريم او المهددة مواردها والتي تقدر بنسبة مشابهة لنسب عدد السكان الذين يعانون الفقر ، اي ما يقارب اجمالا” بنسبة ٧٠ بالمئة من عدد السكان ، ان لكل ما سبق ذكره ، من الممكن ان يقدم لنا صورة اكثر وضوحا” عن غياب العدالة الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة النفطية في العراق ، وحجم القصور او اهمال او سوء التقدير في الادارة و التخطيط الاقتصادي للعراق ، وما الاحتجاجات الاخيرة في العراق والتي كانت المطالب الاقتصادية في مقدمتها واسباب نشوءها ، الا نتاجا” عمليا” ودليلا” ملموسا” عن حجم البطالة والمعاناة التي تواجهها شرائح واسعة من المجتمع والتي تعاظمت لتشكل رد فعل غاضب على تلك السياسات القاصرة والعاجزة .