هل كان سقوط النظام الصدامي على ايدي القوات الدولية المتحالفة يوم ٩-٤ -٢٠٠٣ يوم خير وامل وفرح للعراقين ام يوم شؤم وفوضى وخراب؟
لم يجن العراقيون من هذا اليوم الا الخيبة والخسران حيث استثمرت الفوز به الأحزاب والشخصيات التي نراها اليوم تتصدر المشهد السياسي العراقي في ألدوله والسلطة الجديدة من سقوط النظام الى يومنا هذ والتي لم يكن لها أي دور يذكر اثناء معارضتها للنظام في الخارج.
ولولا جهود وتضافر العالم وتحالفاته لما استطاعت هذه المعارضة بكل فصائلها وقضها وقضيضيها ان تزحزح النظام قيد انمله عن قوته وتمركزه وهيلمانه ولو بقيت تناضل بكل ماعرفت به من خمول وتشتت وكسل ولبقى الشعب العراقي يرزح تحت نير الظلم والقهر والاضطهاد من قبل نظام قاسي لايعرف الرحمة والشفقه.
فيوم 9-4 جاء إنقاذ للشعب العراقي من محنته ومعاناته المستعصية التي جثمت على صدره بثقلها وجبروتها وتسلطها ولازمته سنينا طوال وكانت جل تطلعاته وطموحاته شاخصة منتظرة يوم الخلاص الموعود بفارغ الصبر, فلربما يحمل اليه هذا اليوم بشائر الخير و التحرر والانعتاق, وكسر الجمود والخوف, وبناء عراق آمن ومستقر, واقتصاد متين, ونسيج اجتماعي متكاتف تؤطره العلاقات والوثائق الاخوييه بين جميع أطياف الشعب, واختيار نظام ديمقراطي متوازن تسود فيه العدالة ويطبق القانون على الجميع, وتحترم فيه مكانة الإنسان وأمنياته في الحياة والوجود .
نعم استطاع العراق ومنذ التحرير, إن يضع إقدامه على أسس وأركان بناء ألدوله من خلال العملية السياسية التي انتهجها واختارها طريقا لبناء ألدوله والسلطة, ووضع لها كل المستلزمات والشروط النظرية لهذا البناء, ومارس الشعب العراقي تجاربه ولاكثر من خمسة مرات باختيار من يمثله في البرلمان والسلطة ,وكانت صناديق الاقتراع هي الفيصل الذي حددت على ضوئه هيكلية النظام ومؤسساته وإعداده ورموزه القيادية .
لكن كل هذه الممارسات لم تهتدي أو تسترشد بما خط له واتفق عليه عند وضع اللبنات الأولى في هرم العملية السياسية الوليدة ,وإنما انحرفت بمسار تطبيقي مغاير تماما للمفهوم النظري, حين اعتمدت في التطبيق على المحاصصه الطائفية المذهبية والعرقية والمحاصصه السياسية في الانتخاب والتمثيل لمكونات هذا الشعب, وأهملت الجانب الأهم في المعاير الاساسيه للبناء الديمقراطي الذي يستند على معيار المواطنة والكفاءة والخبرة والنزاهة والسمعة والتاريخ النظيف مما نتج عن هذه الممارسات التطبيقية الخاطئة صعود الكثير من الرموز الهزيلة والخائبة ومن الانتهازيين والطفيليين ومن أركان النظام البائد الذين لاهم لهم إلا مصالحهم ومنافعهم الشخصية ومنافع أحزابهم ومنتسبيهم ولم يكن الوطن وبناء الإنسان وتقدمه في منظورها مطلقا لهذا ظل العراق وشعبه على ماهو عليه بعد كل هذه السنوات من تحريره من نظامه المقبور .
ومن الخطوات التي وضعتها هذه العملية السياسية وصوت عليها الشعب هو الدستور الدائم والذي ذكر في مادته الأولى ( إن جمهورية العراق دولة مستقلة ذات سيادة ونظام الحكم فيها جمهوري نيابي ديمقراطي اتحادي).
لكن هذا نص فضفاض, لكونه ترك العنان للساسة المتولين زمام الأمور في ألدوله العراقية الجديدة, لتحديد نوع ألدوله على هواهم وأمزجتهم وانتماءاتهم العقائدية والفكرية فكان له الأثر الكبير على المستوى التطبيقي للدولة مما أدى إلى هذا التخبط والإرباك والازدواجية, فلم يهتدي المتتبع للشأن العراقي السياسي إلى نوع وجنس وماهية هذه ألدوله.
فهل هي دولة مدنيه عصريه ؟؟
أم هي دولة دينيه ؟؟
أم هي دولة عشائرية قبليه كما هو الحاصل اليوم؟؟
أم ترى هي دولة دكتاتورية شموليه ؟؟
فضلا عن ان دستورنا الحالي وبسلامة مشرعيه ومنفذيه الأوفياء,أفرغوه من كل محتواه ومواده وإحكامه وتركوه عبارة عن وثيقة جامدة خاوية لا يرجعوا اليها إلا حينما تتأزم أوضاعهم وتتضارب مصالحهم وامتيازاتهم الفئوية, عندها تعلوا صيحاتهم وخطبهم المتنطععه بالرجوع إلى الدستور, فهوا الحكم في حل النزاعات والإشكالات , والكل يعمل من خارج الدستور ويقفز على بنوده ومواده ويفسر إحكامه على ما يتماشى مع مصالحه ومقتضيات حزبه وكتلته ويرمي الآخرين بالاتهامات في عرقلة المسيرة السياسية والخروج عن الدستور.
إما البرلمان العراقي فهو الحلقة الأضعف في مؤسسات ألدوله العراقية ألحديثه, ويكاد يكون مشلولا وميت سريرا في نبضاته في الاونه الاخيره .
فكل برلمانات العالم لها ألقدره والقوه والكفاءة في إثبات وجودها وكينونتها وفرض إرادتها في التشريع والرقابة والمتابعة للقرارات والقوانين التي تصدرها, واستدعاء ومحاسبة المقصرين والمتلكئين والمفسدين في التطبيق والتنفيذ لكل ما يوكل لهم .
فأين هو برلماننا وأين صوته ووجوده؟؟
وأين هي قراراته وتوصياته ورقابته ؟؟
لا شيء يذكر من ذلك, فلا نسمع منه سوى العراك والمهاترات بين شخوصه ومكوناته ولا وجود للسادة البرلمانيون إلا من خلال ظهورهم على الإعلام والفضائيات بتصاريحهم السمان الخالية من كل معنى وتأثير ,والتي لا تتناسب مع رواتبهم وامتيازاتهم الهائلة ومواكب حمايتهم ونعيق أبواقها في قطع الطرق والتقاطعات .
وإلا بماذا يفسر غياب البرلمان وركونه نحو الانزواء والاكتفاء بالتفرج, والبلد في اعتي مراحل احتراقه وغليانه لا تفصله إلا النذر اليسير عن شفى حرب أهليه طاحنه تحرق الأخضر واليابس وتقوض كل محاولات العراقيون وأمانيهم في التطلع إلى بناء عراق ديمقراطي موحد تمتزج تحت ظلاله جميع أطيافه المزركشة بعيدا عن الطائفية والعنصرية وإمراضهما الخبيثة .
ولا أتجنى على القضاء العراقي عندما أقول انه مسيس وتحت سيطرة الساسة والمسؤلين الكبار في ألدوله, وإلا لما وصل هذا التفشي في الفساد والرشوة والسرقات والتلاعب بالمال العام إلى هذا المستوى من الحضيض , لو كان عندنا قضاء نزيه قويا عادلا يحترم سلطته ويعطي لقوانينه إلزامية التطبيق والنفاذ ويروج جميع الملفات القضائية التي يحتكم فيها إليه والتي تقرر مصير البلد ويقوّم حسن سلوك موظفيه ومسئوليه بغض النظر عن مستوياتهم ومناصبهم ومراكزهم الوظيفية, لا ان يكون تابعا وذيلا على من يسخره ويهتدي بأوامره وإرشاداته من الساسة والحكام.
إلا ان المتتبع لاحكامنا وقضائنا يتلمس وبدون عناء اختلاط المعاير والتعامل بمكاييل مختلفة ومتفاوتة بين القضايا والملفات التي تطرح إمام القضاء للبت فيها ,والتي يضيع فيها العدل والمساواة بين الناس استنادا إلى ما تمليه رغبة الحكام والساسة لا إلى قناعة وإيمان صاحب القرار, وهذا عين التعسف والظلم الذي يلحق الناس كونهم لم يكونوا امام قضاء عادل يعطي لكل حق حقه.
ولنا في ذلك شواهد لا تحصى نقتفيها من خلال مسيرتنا للسنوات المنصرمة, وخير دليل على ان الساسة والمتنفذين لا يحبذون استقلالية القضاء وابتعاده عن سطوتهم ونفوذهم .
هذا التعمد في عدم التصويت في مجلس النواب على قانون المحكمة الاتحادية التي كفل الدستور استقلاليتها وأوصى بتشريع قانون يتبنى خصوصيتها ونظامها, إلا ان الساسة والأحزاب الحاكمة لا يروق لهم ذلك كي تبقى هذه المحكمة رهينة تدور في فلك وأهواء الأحزاب الحاكمة وسطوتها, فضلا عن الطعن الذي رفعته هذه الأحزاب على قانون القضاء العراقي الذي اكتسب الدرجة القطعية بالتصويت في مجلس النواب في الأشهر الماضية .
ولو سألنا هل من وجود لحكومتنا العتيدة امام هذا الخضم المتلاطم من الأزمات والاصطراعات التي تتفجر بين الفينه والأخرى فلا تنتهي أزمة الا وتلد بداخلها أخرى.
وبالتالي هي حكومة أزمات وليس حكومة مستقره فاعله تؤدي دورها الموكول إليها بكل سلاسة ويسر لتنهي دورتها الانتخابية بعزة وكرامة وشرف لما قدمته من خدمات ومنافع لشعبها وما تركته من أعمار وبناء ومرافق وبنى تحتية ولما لمسه مواطنوها من امن واستقرار على حياتهم وبيوتهم وعيالهم, ولعدم إحساس موطنوها بالغبن والتهميش والإقصاء وتفضيل أحزابها وأقربائها ومن يلوذ بهم من المحسوبين والأعوان ومن الانتهازيين والوصوليين الذين ركبوا الموجه وأداروا عنانها لإشباع نزواتهم ونوازعهم الشخصية
فهؤلاء هم مثيرو الفتن ومفتعلي الأزمات ومشعلي الحرائق حيث يتوارون خلف دخانها لتبيح لهم بسترها الفساد والنهب والسرقة لملئ الجيوب والارصده من السحت الحرام.
ولن يحدث أي تغير بالواقع السياسي الثقافي والاقتصادي او الاجتماعي العراقي طالما ظلت هذه النخب والأحزاب تتبادل الأدوار فيما بينها بفعل ما تمتلكه من مستلزمات القوه والمال والسلطة فلن تفسح المجال لأي حزب أو تيار وشخوص كفئوه ومتميزة بقيادة المسيرة العراقية المستقبلية لكون مقياس المنافسة الديمقراطية ألحقه معدوما ومضمحلا فكل مقوماته بيد الأحزاب المتنفذه والحاكمة .
ولكن يبقى للعراقيين الأمل الذي لاينقطع في بناء ألدوله المدنية العصرية ,ألقائمه على الأسس الوطنية ,وليس على البناء الهش الخاطئ, الذي ركز على نظام المحاصصه في اعتماد ألطائفه أو العرق أو الانحدار الحزبي والعائلي, والتي جرها الساسة الجدد بتعنصرهم المقرف إلى أضيق الحلقات من داخل العشيرة أو المذهب .
فالانتماء للوطن اسما من أي انتماء أخر ,عندما يُتّخذ ميزانا ومعيارا للتقييم, فيعطي المواطن حقوقه في العدالة والمساواة كما يضفي عليه واجبات ومسؤوليات تجاه وطنه وشعبه.