5 نوفمبر، 2024 5:43 م
Search
Close this search box.

الحكومة تعيل الفقراء في حظر التجوال !!

الحكومة تعيل الفقراء في حظر التجوال !!

عقدت اللجنة العليا للصحة والسلامة الوطنية بالعراق اجتماعها الثالث بتاريخ 8 نيسان الجاري برئاسة رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي لمناقشة القضايا الهامة المعدّة بجدول الأعمال ، وفي مقدمتها الوضع الصحي وجهود مكافحة جائحة كورونا ومعالجة الآثار الاقتصادية لحظر التجوال على عموم المواطنين والقطاع الخاص والكسَبة ولتخصيص مبالغ مالية لدعمهم ، وقررت اللجنة العليا تخصيص مبلغ ٦٠٠ مليار دينار للشهرين المقبلين تشمل نحو عشرة ملايين مواطن أو مليوني رب أسرة ، وتلقي المعلومات من المستحقين عبر تطبيق الهواتف الشخصية وبطريقة ميسّرة .
ويعني هذا القرار إن اللجنة العليا أخذت على عاتقها إعالة الكسبة من أصحاب المصالح الخاصة والعاطلين وممن توقفت إيراداتهم أثناء فرض حظر التجوال ، وهو قرار غاية في الروعة والإنسانية وقد سبق وان تمت الدعوة إليه لإيصال لقمة العيش إلى الفقراء والمعوزين الذين يعيشون تحت خطر الفقر والتي قدرت الإحصاءات الرسمية بان نسبتهم تتراوح بين 20- 30% من السكان ، ولأن عدد السكان في العراق هو بحدود 40 مليون نسمة فان الأشد فقرا في العراق يبلغ عددهم 10 ملايين ، وقد استهدفهم قرار اللجنة العليا مفترضا إنهم يتوزعون في مليوني أسرة وبمعدل 5 أفراد للأسرة الواحدة ، ومن الناحية الحسابية البسيطة التي لا تحتاج إلى مسطرة او آلة حاسبة وإنما من خلال القسمة والضرب فان ال600 مليار ستوزع على شهرين قادمين أي إن حصة الشهر الواحد هو 300 مليار دينار عراقي ، وبقسمة هذا العدد على 10 ملايين من المستهدفين فان حصة الفرد الشهرية ستكون 30 ألف دينار كما إن قسمة 300 مليار على 2 مليونين عائلة فان الحصة الشهرية للعائلة ستكون 150 ألف دينار ولان القرار افترض إن العائلة 5 أفراد فان حصة الفرد ضمن العائلة سيكون 30 ألف دينار شهريا ، ويا له من ذكاء ما بعده ذكاء ليس ذكاءا رياضيا بان النتيجة الحسابية هي 30 ألف في كل المعادلات ولكن بكيفية التفكير بان الفرد يمكنه أن يعيش في ظل الحظر ورفع الأسعار وتعدد وتراكم الاحتياجات والمتطلبات بمبلغ 30 ألف دينار سواء كان يشرب حليب الأطفال او حليب سباع او يأكل ثلاث وجبات في اليوم كونه إنسان .
والأكثر جمالا في هذه المعادلة ، إنها تفترض ان 360 ألف دينار تكفي لمعيشة الفرد خلال السنة على أساس 30 ألف دينار في الشهر مضروبا بعدد أشهر السنة الشمسية او القمرية ( 12 ) ، وبموجب أسعار صرف الدولار السائدة قبل ارتفاعها أثناء الحظر والبالغة 120 ألف دينار لكل 100 دولار فان الفرد تكفيه 300 دولار للمعيشة في السنة ، ولو تم اعتماد هذه المؤشرات على سكان العراق جميعا والبالغ عددهم 40 مليون نسمة فان مليار ونصف مليار دولار كافية لمعيشة العراقيين جميعا دون استثناء ، بما يعني إن أي كمية نصدرها من النفط وبأي سعر ستجعل العراقيين قادرين على المعيشة على وفق حسابات القرار الأخير في توزيع ( الخيرات ) قبل حلول شهر رمضان بأيام ، وهذا كلام سوف لا يقبله اغلب من يقرأ هذه السطور لأن بعض ما تحتويه هي عبارة عن مبالغات ومغالطات لان من وضع مبلغ 30 ألف دينار ربما اخذ اعتبارات معينة تتعلق بحجم الصرف او الصلاحيات ، ومن المؤكد انه لم يأخذ بنظر الاعتبار الأسعار السائدة للمواد الغذائية لان سعر رغيف الخبز الواحد هو 250 دينار وإذا كان استهلاك الفرد 4 أرغفة من الخبز يوميا ، فانه يحتاج إلى ألف دينار في اليوم و30 ألف دينار في الشهر ليأكل خبزا فقط دون شرب الماء او الشاي ، لان ماء الإسالة لم يعد صالحا للشرب في كل المحلات والنسبة الكبيرة من السكان تشرب ماء RO او UVوهو يشترى من الأسواق او يصنع في البيوت كما إن الشاي لا يوزع بالحصة التموينية ويتم شراء نوعياته من الأسواق وبالأسعار المعروفة للجميع ، والعائلة الفقيرة او غيرها إمامها التزامات أخرى تتعلق بالطماطة والبطاطا والباذنجان وبيض المائدة في الفطور ، كما إن هناك التزامات أخرى تتعلق بالإيجار والكهرباء وأجور المولدة وخدمات الهاتف النقال وأدوية الأطفال والإمراض المزمنة وغيرها من ابسط مستلزمات الحياة ومنها خدمات الانترنيت بعد أن تحول التعليم إلى منصات الكترونية تدرس عن بعد بسبب الحظر .
ومما يعطي حالة عدم الاطمئنان عن عدم وصول ال30 ألف دينار شهريا للفرد رغم قلتها قد ورد بما نصت عليه تلك القرارات من وسائل للشمول من خلال ( تلقي المعلومات من المستحقين عبر تطبيق الهواتف الشخصية وبطريقة ميسّرة ) ، وبشكل يشير إلى عدم وجود قاعدة بيانات او معلومات عن المشمولين لغرض تحديدهم أولا ثم إيجاد الوسيلة لشمولهم وإيصال الإغاثة لهم فور صدور القرار ، ففقدان القاعدة يشير لتحولها إلى قضية بيروقراطية قد تمتد لشهور وقد تتخللها عمليات فساد وشبهات وتشابهات وتداخل مع أسماء المشمولين بالرواتب والتقاعد وشبكة الحماية الاجتماعية وتقاعد الضمان الاجتماعي في ظل غياب التعداد السكاني وأنظمة وبرامج تقاطع المعلومات ، ويبدو من خلال بعض القرارات إن البعض يتبنون مبادرات بنيات سليمة ولكنها بعيدة عن الواقع التطبيقي لأنهم لم يأخذوا بالحسبان طرق ومدة إيصال هذا ( الاستحقاق ) لسكان بيوت الصفيح والعشوائيات وممن هم في الجزيرة والبادية وهم قد لا يملكون أجهزة الهاتف الذكية التي تحتوي على التطبيقات وان امتلكوها ربما لا يجيدون استخدامها ، وربما تمر أزمة كورونا ويظل مئات الآلاف من الفقراء لا يعلمون بهكذا قرارات ، فهناك العديد من المتقاعدين أطلقت رواتبهم لشهر نيسان منذ أيام ولم يجدون الوسيلة لاستلام رواتبهم بسبب حظر التجوال لأنهم يسكنون بمناطق بعيدة جغرافيا عن مراكز الصرف ، وليس القصد هو التقليل من أهمية هذا القرار ولكن لإيصال صوت ، وهو إن القحط في الازمات يعظم المصائب وان التأخر في إيصال المعونة خارج مداها المطلوب يقلل من أهميتها وجدواها ويجعل نتيجتها اقرب إلى الصفر وان كانت بأرقام كبيرة ، فما هو حالها وهي لا تستطيع سد نفقات رغيف الخبز ووباء كورونا كما أشبعونا تثقيفا ومعلومات هذه الأيام إن الإصابة بفيروساته اللعينة تعتمد مقاومته على المناعة ، والمناعة لا تكتسب بخبز دون شاي او ماء لأنها تكتسب من خلال التغذية الجيدة والحالة النفسية التي فحواها هو شعور الفرد انه يعامل ضمن الحدود البشرية للضمانة والاطمئنان ، وبما يؤكد إن الدولة بسلطاتها المختلفة ترعاه وتوفر له سبل الوقاية والعيش الكريم وليس الاعتماد على الفتات .

أحدث المقالات

أحدث المقالات