17 نوفمبر، 2024 9:47 م
Search
Close this search box.

المقدس والمدنس ..في نظام ديمقراطي!!

المقدس والمدنس ..في نظام ديمقراطي!!

يعتقد البعض أن مثل هذه المقاربات الفلسفية عصية على الفهم .. بصعوبة الجملة البلاغية .. ولعلي احاول في هذه المقاربة الثالثة أن ابين الهدف في المقارنة بين فهم الاسلام السياسي بنموذجي البيعة وولاية الفقيه وتضارب مصالح الاحزاب التي تأخذ بهذا المنهج مع تطبيقات وتطور النظام الديمقراطي.
في المقاربة الأولى قارنت بين تحليل ديفيد هيوم الذات الانسانية وكيف طور مفكرون اوروبيون افكاره المجتمعية إلى تطبيقات حكم أطلق عليها ( العقد الاجتماعي الدستوري) وبذلك تصالح اغلبية المجتمع الأوروبي مع نفسه أولا ومع نظام الحكم الرشيد ثانيا بعناوين مختلفة لمناهج الاحزاب السياسية ومنها من اتخذ منتج الاجتماع المسيحي مسارا لتحريك الناخبين نحو صناديق الاقتراع .. وانتهى الامر بعد حربين عالميتين إلى رفض المجتمع لفكرة الحروب .. والتوقف عند صناعة التنمية المستدامة للموارد البشرية بالعلم الحديث … فيما صدرت السياسة الخارجية السلاح وتدوير ارباح البترودولار نحو العالم العربي والاسلامي.
وفي المقاربة الثانية حاولت الإجابة على سؤال محدد أليس في العالم الإسلامي والعربي مفكرون احدثوا ذات الزلازل الفكري لنقل المجتمع العربي والاسلامي إلى حالة التصالح مع ذاته .. وعدم انغماس الانسان العادي في فجوة استخدام تطبيقات المعرفة الغربية ورفض افكارها في تطبيقات النظام الديمقراطي .. بل أن هذه الازدواجية انتقلت من مجرد ازدواجية في الشخصية كما يذهب الدكتور علي الوردي او كما ينتقد عابد الجابري العقل العربي والاسلامي .. فتجسدت كل هذه الازدواجيات في تطبيقات الفكر الإسلامي في نموذجي البيعة وولاية الفقيه في أكبر تضارب مصالح فكرية متعددة الجنسيات .. فالعراق مثلا يتعامل مع مخرجات أفكار الاولين والمجددين لعل ابرزها فلسفتنا واقتصادنا وتصدوا للسلطة من هذا المعطف ..لكن النتائج التي انتهت إليها العملية السياسية برمتها إلى حالة الانغلاق السياسي ولم يستطيع من يتقافزون اليوم على مقاعد السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية للتصالح مع هموم المواطن والنهوض به نحو التحول من حالة ازدواجيات الشخصية إلى حالة المساواة بين المنفعة الشخصية والمنفعة العامة كما انتهى الأمر في الفكر الأوروبي ثم طور في الولايات المتحدة الأمريكية .
الجواب عندي في هذه المقاربة الثالثة .. أن النجاح في تحويل الفكر الأوروبي التجديدي إلى تطبيقات حكم رشيد بدأ في تجاوز الحد الفاصل بين المقدس والمدنس .. وهذا ما يوصف اليوم من جمهور واسع من مروجي الاحزاب المتصدية للسلطة بكونه نموذجا ما بين الايمان والالحاد فيما حقيقة الأمر أن لا قداسة الا لله رب العالمين وحده الواحد الأحد وأن كل ما هو خارج القران الكريم . مجرد تفسيرات للشريعة الإسلامية محل اجتهاد وأيضا محل اختلافات معتبر ومحترم في التفسير أدت الى ظهور مذاهب اسلامية وهي حالة عامة في الديانات الابراهيمية … وابسط مثال على ذلك وان كنت اخجل من ذكره.. أن المتطرفين اليهود حين حاولوا القيام بالصلاة يوم السبت في خرق للحظر وتوجيهات الدولة تم التعامل معهم بالقوة من قبل الشرطة وبتغطية إعلامية … حاولوا معي التفكير الإيجابي .. هنا تصمت الأفكار وتوضع النقاط على الحروف .. أن ما خرج من بطن الفكر الإسلامي السياسي لم يصل إلى تطبيقات في النظام الديمقراطي … ولا يمكن أن تنتهي العملية السياسية برمتها في عراق اليوم الا بتجديد الفكر السياسي العراقي خارج النص ما بين المقدس والمدنس ولعل ذلك يبدأ في تحديد من هو المقدس لكي يطلق على اشخاص يرقصون على حبال مفاسد المحاصصة وحكومتها العميقة وسلاحها المنفلت والاجندات الاقليمية والدولية ومن هو المدنس .. وتلكم مهمة من يتصدى فكريأ اليوم لعنوان عريض عن بناء دولة حضارية منشودة في العراق.
هذا التفسير المطلوب فكريأ يبدأ بالتصالح بين الانسان العراقي وذاته ليحدد أي اتجاه يمكن أن ينتج دولة حضارية وهذا الفرز النوعي بين المقدس والمدنس يتطلب حرية ما زالت حبيسة هذا الفراغ الفكري متعدد الأطراف … فكل ما يراد له عدم الخضوع للقانون يوصف بالمقدس .. فيما الكثير من الأفراد والمؤسسات تواجه اتهامات واضحة وصريحة في مفاسد المحاصصة … السؤال هل يجرأ المثقف العراقي الداعي لدولة حضارية حديثة على هذا النوع من التثقيف بمعايير وادلة واجراءات كفيلة بالحد من استخدام وصف المقدس لالغاء نفاذ القانون وتجهيل الشعب؟؟
شخصيا لا أعتقد أنه من الممكنات في ظل السلاح المنفلت والاجندات الاقليمية والدولية ..وهنا يكمن الفارق بين يسكن عراق اليوم ومن يكتب ويصدر مثل هذه الأفكار عن دولة حضارية مزعومة من خارج العراق فيما هو اصلا من داخل صندوق توصيفات المطلق المقدس كما تستخدمه الكثير من القوى السياسية في عراق اليوم .
الجانب الآخر أن هذا المقدس لا يعني فقط النموذج الديني بل تجاوزه إلى توصيف مصالح قوميات واقليات.. مثلاً توصيف ( كركوك) بكونها قدس كردستان .. أو الحقوق القومية لتركمان العراق وغيرها من الاقليات .
كل هذه النماذج من التقديس السياسي الظرفي زاد عدد ازدواجيات الشخصية العراقية .. مما يجعل مصطلح المواطن العراقي الفعال باتجاه صندوق الاقتراع ..مجرد خيال ولا أريد وصفه بالوهم .. ما دام المفكر العراقي ما زال يردد افكارا انتهى تطبيقها الى مفاسد المحاصصة … وتحتاج إلى مدخلات فكرية جديدة تولد احزابا وطنية عراقية جامعة وفق معطيات العقد الاجتماعي الدستوري … وهذا موضوع المقاربة المقبلة.

أحدث المقالات