بعد أقلّ من أسبوعين تنتهي المدّة الدستوريّة التي يتوجّب خلالها أن يقدّم المكلّف برئاسة الحكومة العراقيّة عدنان الزرفي تشكيلته الوزاريّة إلى البرلمان للتصويت عليها.
لا شكّ أنّ الشركاء السياسيّين العراقيّين (الشيعة والكرد والسنّة) مختلفون طوليّاً وأفقيّاً بخصوص تكليف الزرفي، وهذه حالة لم تحصل حتّى مع محمد علاوي، الذي اعتذر عن تشكيل الحكومة!
وسنسعى هنا لقراءة مواقف الكتل السياسيّة، المعارضة (والمؤيّدة) للزرفي.
الكتل الشيعيّة الرافضة للزرفي هي إمّا قوى مليشياويّة، أو داعمة للمليشيات، أو متورّطة بصفقات فساد إداريّ وماليّ، وبالتالي هي متخوّفة من احتماليّة دعم الزرفي لتنفيذ واشنطن لعمليّات عسكريّة ضدّ القوى المليشياويّة المناوئة للوجود الأمريكيّ، وبالذات مع الانسحاب الأمريكيّ من القواعد الثانويّة في شمال العراق وغربه قبل عدّة أيّام.
القوى الرافضة للزرفي هي القوى القريبة جداً من إيران ومنها تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، ودولة القانون بقيادة نوري المالكي، وعصائب أهل الحقّ التابعة لقيس الخزعلي، وحزب الفضيلة، وكتلة عطاء، وهي قوى ليست سهلة، ولا يمكن الاستهانة بثقلها البرلمانيّ والعسكريّ، وربّما الشعبيّ.
وأيضاً هنالك عدم وضوح في الموقف النهائي لتيّار عمار الحكيم، وتحالف النصر الذي يتزعّمه حيدر العبادي وينتمي إليه الزرفي!
وبالمقابل هنالك تأييد غير واضح من مقتدى الصدر للزرفي، وربّما من الحكيم والعبادي، ولهذا أتصوّر أنّ الكفّة تميل للقوى الرافضة للزرفي في الميدان الشيعيّ، وبالذات مع الإشارة إلى أنّ الصدر، المُؤيّد للزرفي، لا يُعْتَمد عليه، وأبرز مواقفه هي فقط رفضه لمساعي تغيير الزرفي، وهذا لا يعني التأييد بشكل واضح، ولهذا سعى الزرفي لطمأنة المليشيات عبر “تغريدة” له قبل عدّة أيّام أشاد فيها بدور الحشد الشعبيّ!
وهذه إمّا رسالة حقيقيّة، أو مصيدة لعبور المرحلة، ثمّ بعدها ينقضّ عليهم!
وفي السياسة كلّ الأمور واردة!
أظنّ أنّ زعماء الشيعة متخوّفون من قبضة الزرفي الذي يقال عنه بأنّه (شديد، ولا يجامل) ومن هنا تأتي مخاوفهم من احتماليّة الدعم الأمريكيّ للزرفي، الذي يحمل الجنسيّة الأمريكيّة، لتحجيم دور المليشيات وإيران وأنصارها في العراق، وعليه أعتقد أنّ القوى الشيعيّة المؤيّدة لإيران في حيرة من أمرها، وبالذات مع تبليغ واشنطن لبغداد بعدم تمديد فترة السماح لاستيراد الطاقة من طهران إلا لشهر واحد فقط، وبالتالي، إن مضت بغداد مع سياسات طهران، فحينها، ربّما، سيدخل العراق في مواجهات دبلوماسيّة واقتصاديّة غير متكافئة مع الأمريكان!
أما بخصوص الموقف الكرديّ – ورغم الاختلاف بين مسعود البرزاني وفريق جلال الطالباني على الزرفي، حيث إنّ البرزاني لم يوافق حتّى الآن على استقبال الزرفي، فيما يبدو هنالك تناغم بينه (الزرفي) وبين فريق الطالباني- فأعتقد أنّ موقفهم قائم على مدى حفاظ الزرفي على الاتّفاقيات المُبرمة مع الحكومات السابقة، وإمكانيّته في ضمان مطالبهم بحصّتهم من الموازنة، واستمرار دفع رواتب البيشمركة وغيرها من (المطالب) المختلف عليها مع بعض القوى الشيعيّة باعتبار أنّها ( غير قانونيّة)!
أما بالنسبة للسُنّة، فرغم تقاربهم البرلمانيّ مع مقاعد الكرد إلا أنّ موقفهم مشتّت، وهم تماماً مثل الكرد يحلمون بمنْ يُحقّق (مطالبهم)، مع الاختلاف أنّ بعض أصواتهم ستذهب مع المالكي، أو العامري، وهذه إشكاليّة ولائيّة معلومة لكلّ متابع للشأن العراقيّ.
وعلى كلّ حال أرى أنّ حظوظ الزرفي قد تراجعت وبالذات مع زيارة قائد فيلق القدس الإيرانيّ إسماعيل قاآني لبغداد يوم الأربعاء الماضي، حيث عادت الكتل الشيعيّة، وبعد الزيارة مباشرة، لطرح قضيّة الطعن بقانونيّة ترشيح الزرفي من قبل رئيس الجمهوريّة، برهم صالح، والحديث عن مرشّحين آخرين!
ومن هنا يبدو أنّ الكفّة تميل إلى الطرف الرافض للزرفي لأنّ غالبيّة السياسيّين، بمن فيهم المؤيّدون له، يخافون من الملاحقات القانونيّة، وأيضاً لا يمكنهم كسر إرادة (الطرف الثالث) الرافض للزرفي!
ومع ذلك أكاد أجزم أنّ سياسة التوافقات هي الحاكم الفعليّ في العراق والتي من الممكن أن تقلب كلّ هذه التوقّعات في لحظة توافقيّة في الغرف المظلمة!