يخطئ من يظن ان ابسط مواطن عراقي لا يفهم في السياسة، وان ما يشاع اليوم من شائعات الامل لإلهام الناخب العراقي سبيله نحو صندوق الاقتراع والتصويت لذات الوجوه التي حكمت منذ سنوات، وهي تفسد في البلاد والعباد ، حتى صارت رائحة هذا الفساد تزكم انوفهم قبل انوف الشعب .
لذلك ظهرت مشاريع متنوعة ،مرة لتوزيع قطع اراض على الفقراء والمحتاجين، واخرى لتوقيع ميثا شرف بلوره السيد نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي ، بعد ان ترك وراءه في وزارة التربية الكثير من الملفات المفتوحة عن الفساد ،ابرزها عقد المدراس الحديدية الذي احيل لشركة ايرانية ، من دون ان تفي باقل شروط التعاقد تعارفا في القانون .
هذه المرة يريد السيد الخزاعي ان يجمع القادة السياسيين على توقيع ميثاق شرف لحل الخلافات فيما بينهم ، ليس من اجل الشعب المسكين ، بل لتكييف تقاسم السلطة بما يبقيهم جاثمين على صدور الشعب المغلوب الى ابد بعيد، ومشكلة هؤلاء الساسة ومثل هذا الميثاق،تلك اللعبة التي تعود الاطفال عليها وهي المعروفة بالأغنية الشعبية ” فات الثعلب فات وبذيله سبع لفات ” ويخرج الواحد بعد الاخر من اللعبة ، باعلان الفائز الاخير.
مشكلة السيد الخزاعي، انه يريد الاعلان عن الفائز واللعبة لم تبدأ بعد ، ولم يستلم الفقراء والمحتاجين قطع الاراضي ، التي وزعها عليهم خالد الذكر عبد الكريم قاسم من دون نزعات انتخابية ، ومعروف ان الفائز سيكون السيد رئيس الوزراء نوري المالكي بلا منازع ، بكونه مختار العصر الجديد ، في استعارات واقعية لذات المصطلحات والاساليب التي كانت معروفة في انظمة عراقية سابقة .
المطلوب اليوم من قادة العراق في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية ، الذين وقعوا على قرار واشنطن باحتلال العراق ، وهم ذاتهم في الاغلب ، اعضاء مجلس الحكم بقيادة الحاكم المدني الاميركي بول بريمر ، وهم ذاتهم قادة اليوم في اجتماع التوقيع على ميثاق الشرف الذي يدعو اليه السيد الخزاعي ، ليسوا بحاجة اليه ، كون اي منهم لا يضع مصلحة العراق الوطنية في تعريفها الحزبي، الا ضمن اجندات تلك الدول الاقليمية التي تموله ، فكما هناك من يمول الاحزاب الاسلاموية الشيعية ، في هذا النفوذ الايراني الفاضح حتى العراك بالادي ضد رفع صور الخامنئي والخميني ، تحت عنوان ” مراجع دين ” فيما الواقع هم قادة دولة والخلاف واضح ما بين مرجعية السيد السيستاني ومراجع النجف العظام محمد سعيد الحكم وبشير النجفي، الذين لم تنشر تلك القوى التي قامت برفع صور الخامنئي والخميني ، صور هؤلاء المراجع ، لأسباب واضحة تتعلق بالتمويل والنفوذ الايراني على هذه القوى التي جمع بين قادة سياسيين لدولة تمولهم ، مقابل الاقلال من قيمة مراجع النجف العظام ، فاي ميثاق شرف يمكن ان يرجع لهم حرصهم على مصلحة العراق ، وطنهم ، اولا ، وليس مصلحة ايران ؟؟
في المقابل، يظهر الاخوان المسلمون في العراق باختلاف اشكالهم ، ومنهم أولئك الذين يتبعون فتاوي” نكاح الجهاد”، في واحدة من اسوأ نماذج التعبية السياسية للوهابية المقيتة ، بل قيحها المتمثل في ارهاب تنظيم القاعدة ، ومؤتمراتهم ، وشخصياتهم ، تدلل على ان ولاء هم ليس لمصلحة العراق اولا بالقدر الذي يطبقون فيه اولي الامر منهم ، بنموذج مماثل لولاية الفقيه الايرانية ، لكن لتحقيق اهداف واغراض صراع مذهبي مقيت ، لصالح قطر وتركيا والسعودية.
ومعادلة كلا النموذجين من الاحزاب الاسلاموية ، شيعية وسنية ، يتطلب ان توقع على ميثاق شرف وطني يخرجها من معطف الولاء المذهبي ، وتلغي من اجنداتها اعلاء اهداف المشروع الاسلاموي ، شيعيا كان ام سنيا ، بعد ذلك تعمل هذه الاحزاب على اعلان المصالحة الوطنية الكبرى ، بين المهاجرين من طيورها التي حطت في ايران او السعودية وغيرهما من بلدان التمويل السياسي ، مع اهل العراق ، لان الحكم لا يكون بتلك الاقلية التي جاءت مهم من الخارج بفشلها واخلاقها العفنة التي تعودت على النفاق من اجل الدولار ، مع الكفاءات العراقية من اهل الداخل التي لها امكانات مفتوحة للتعامل مع الديمقراطية العراقية الجديدة .
ومن دون تحقيق هذه النقاط الجوهرية في اي ميثاق عمل وطني مقبل ، لن تكون جلسة التوقيع على ميثاق الشرف عند السيد الخزاعي باكثر من لعبة …. فات الثعلب فات .