ليس من المنطقي ذكر معاناة البصرة المستمرة, فلم تكن خافية على أحد, لكن ما ينكأ الجرح هو تراتبية المظلومية وكأنها برنامج كوني أتفقت عليه الأمم ولم يعد بالأمكان التراجع عن ذلك. البصرة مسرح للحروب العبثية التي قادها أرعن “العوجة” المقبور, ومابين حروبه الفاشلة ذاق البصريون أبشع صور الإرهاب الممنهج من قبل السلطات الأمنية والبوليسية القمعية . السلاطين, مختلفون في كُلِ شيء بأستثناء تهميش وقهر المدينة التي تعطي للجميع.
ذهب نظام وجاء آخر يختلف تماماً عن البنية الرئيسية للذي سبقه, بيد أن السمة المشتركة للنظامين هي “عقدة البصرة”..ليس من المصادفة أن تخلو حكومة السلطان العتيدة من وزير بصري واحد, رغم أنه أستأثر بمقاعد أنتخابية كثيرة منها, أضافة إلى تصدي حزبه للحكومة المحلية هناك طيلة دورة كاملة, لكنه يصر على محاكاة النظام البائد في طريقة التعامل مع البصرة!!
في شهر واحد الرئيس “المالكي” يستهدف المحافظة الجنوبية التي تمثل عصب الأقتصاد العراقي مرتين, الأولى تمثلت بطريقة تعامله مع (البترو دولار), حيث تجاهل الأضرار التي تتعرض لها جراء أستخراج النفط ناهيك عن عملية التلوث البيئي التي ولّدت أمراض عديدة.
الأستهداف الثاني, جاء بمثابة الصدمة لأبناء المحافظة الذين يتوقون لتأسيس عاصمة العراق الأقتصادية, سيما أن “البصرة” معروفة بهذا العنوان عند الشرق والغرب, فهي ميناء العراق الوحيد ومصدر ثروته الأوحد منذ تأسيس الدولة العراقية وليومنا هذا.
قانون “العاصمة الأقتصادية” سيوفر الأسباب الطبيعية لأزدهار الأستثمار والأقتصاد العراقي بشكل عام, وبالتأكيد سيكون للبصرة الفائدة الأكبر, حيث يوفر البيئة الطبيعية للنمو العمراني كنتيجة حتمية لحاجتها إلى العديد من المرافق الحيوية من قبيل تطوير موانئها وتأسيس أمانة خاصة للعاصمة الأمر الذي ينهي البطالة ويستقطب عمالة وطنية.
مبررات الرفض التي سيقدمهما دولة الرئيس أو أحد المستشارين, لا يمكن أن تستقيم أمام النقد والأستفهامات الموجهة لهذه التصرف المجحف بحق المواطن البصري بالدرجة الأساس, أضافة لكونه يعد حجر عثرة بطريق مسيرة البلد, المشروع به من الخير الكثير ومن يقف ضده مطالب بأثبات أنتماءه للبلد, فمن يعرقل المسيرة يفتقد للحرص المرتبط بالمواطنة.
إن الأسباب الموجبة لهذا الرفض بنظر الرئيس, باتت معروفة, وسنفسرها بتفسيرين لأنها لا تقبل ثالث. الأول: هو كون قانونا “العاصمة الأقتصادية” و”البترو دولار” من مشاريع كتلة أخرى يعتبرها المالكي غريم تقليدي يجب أفشال مشاريع, ويبدو أن المصلحة العامة آخر ما تفكر به السلطة, ومن اليسير جداً معاقبة الشعب بجريرة “كتلة سياسية” أقترحت قانون!!
أما التفسير الثاني, سيبرز إذا لم يقبل السلطان بالتفسير الأول, وهو إن المالكي يسير بذات الطريق التي سار عليها أبن “العوجة” حاقداً على البصرة بسبب العقد المناطقية المميزة لذوي الأفق المحدود, فهؤلاء يعتقدون بتهميش الكبير ونهب ثروته, لتكون “جلاجل” خليفة “العوجة”.