يوم (الأربعاء 25 آذار 2020 ) أعلن العراق رسميا إنسحاب (القوات الفرنسية) العاملة ضمن (التحالف الدولي) وفقا لإتفاقات مسبقة مع الحكومة العراقية على حد وصف البيان، فيما ذكرت (وزارة الدفاع الفرنسية) أن الإنسحاب جاء بسبب تفشي فيروس كورونا وفي ذلك (تناقض) مع البيان العراقي، وبعد يوم واحد وبالتحديد في (مساء الخميس 26 آذار 2020) أعلنت الرئاسة الفرنسية عن إطلاق سراح (ثلاثة فرنسيين وعراقي) إختطفوا ببغداد في( 20 كانون الثاني الماضي) وهم كلٌّ من (جوليان ديتمار، ألكسندر كودارزي، انطون بروتشون ومرافقهم العراقي- طارق ماتوكا)، ومن جهته (عبّر الرئيس الفرنسي عن إمتنانه للسلطات العراقية لتعاونها في إطلاق سراحهم) وفقا لبيان صادر عن مكتبه، فيما التزم العراق الصمت تجاه الخبر رغم أهميته..!! وذلك يثير العديد من الأسئلة ومن بينها: هل تصادف إطلاق سراح المختطفين مع الإنسحاب الفرنسي..؟؟ أم أنها صفقة غير معلنة..!! من جهتي أرجّحُ الصفقة لتوفر شروطها وهي (البائع، المشتري، الوسيط، الثمن، إضافة للصمت الرسمي العراقي، وتلميحات البيان الرئاسي الفرنسي)، وبما أن الشكر وجه للسلطات العراقية فمعنى ذلك أنّ لها دورا حيويا في العملية أو(الصفقة)..!! مما يقتضي الإجابة على السؤال المفتاحي الآتي: هل لعبت السلطات العراقية دور الوسيط في العملية..؟؟ أم أنها صاحبة القرار والمبادرة في تحرير المختطفين..؟؟ وإن كانت صاحبة القرار فعلا.. لماذا التزمت الصمت..؟؟ ألا يجدر بها توضيح التفاصيل.. أم أن الأمر يستوجب التكتم والصمت والتجاهل، وما هو الموقف القانوني للجهة الخاطفة..؟؟ وهل خضعت للمساءلة القانونية أم للتسوية..؟؟ أسئلة مهمة تحتاج إلى إجابات لإزالة أي التباس أو تفسير خاطئ..!! وفي إعتقادي لن يحصل أحد على إجابة شافية، أو تفسير مقنع، في غياب الشفافية..!! ورهان المستوى السياسي أن الأحداث المتلاحقة ستضع الأمر في أدراج النسيان، وتجعله جزءا من الماضي، وهذا رهان خاسر، لماذا: لأن حصاد الحاضر هو غرس الماضي، وأن المستقبل هو بذار الحاضر، والتاريخ ساحة دراسة ومراجعة مستمرة، ولا يمكن الفصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، وإلا سنقع في خطأ تجاهل التاريخ وأحكامه، وبالتالي تكرار أخطائه، والخطأ هنا أفدح من الخطيئة..!! وفي الختام أقول أن شكر الرئيس الفرنسي للسلطات العراقية ليس قياسا لما ستكون عليه العلاقة مع العراق في المستقبل فذلك إجراء بروتوكولي معتاد وطبيعي في مثل هذه الحالات، ولكن المتوقع أنّه سيعيد ومعه دول أخرى تقييم علاقاتهم مع العراق في ضوء ما يجري من أحداث، فهل إنتقل العراق إلى مرحلة الفصل ما بين السيادة والسياسة..؟؟ وكم رأس ينتصب على كتف العراق..؟؟ في ظل فراغ سياسي، وتصدّع داخلي، وتراجع واضح لدور وسلطة الدولة، لصالح مراكز قوى بعضها سياسي والآخر مسلح، يقابله إنحسار وإنكماش لدور العراق على الصعيدين الإقليمي والدولي، يتزامن مع فقدان ثقة وإحترام الأصدقاء..؟؟ غياب الدولة لا يخدم أحد، ولا كرامة لشعب وأحزاب وأفراد يعيشون في خريطة بلا دولة، والسيادة قيمة ورمز وإعتبار، وخيمة منيعة يستظل بها الجميع، وليست شعارات وأناشيد، وإذا ما انتهكت من الداخل فلا غرابة إن يستبيحها الخارج..
*مستشار وناطق رسمي سابق للقوات المسلحة ووزارة الدفاع وعمليات بغداد 2012-2013
[email protected]