سبق وان نشرت مقالا في موقع كتابات بتاريخ 11 اذار 2017 بعنوان “ ثقافة النوع … الإرث المخيف” و فيها تطرقت الى محور اساسيّ في بناء الدولة هو الثقافة, هذه المفردة التي انطلقت من مدينة أور قبل خمسة آلاف عام في اول مسرحية شعرية سومرية. اشرت في مقالتي تلك بدق ناقوس الخطر بظهور ثقافة النوع كإرث للنظام السابق, والتي عجّل في إستشرائها إلغاء وزارة الثقافة والأعلام وتسريح منتسبيها بعد الاحتلال وعدم احتضانهم في بناء مجتمع يعنى بثقافات متنوعة نظيفة ممّا جعلهم خصوما للنظام الجديد. وحفزت سياسة التهميش ثقافة النوع لتتطورالى نوع ثقافي آخر اكثر شراسة من فايروس كورونا المستجد خصوصاً بعد استحداث هيئة الاجتثاث ثم المساءلة والعدالة وكلاهما لم يفلحا في إداء دورهما باجتثاث ثقافة الحزب الواحد.
إن تبني سياسة الثقافات المتعددة ليس رفاهية في بلد ابتلي شعبه بإرث ثقافة النوع الواحد بعد أن ظلّ اسيرا لثقافة الحزب الواحد عقوداً من الزّمن, تبعها ظهورثقافات جديدة طارئة على تركيبة المجتمع العراقي استحدثت بعد الاحتلال, كثقافة القتل على الهوية وثقافة العزل المناطقي الطائفي و ثقافة الولاء المذهبي والعشائري والحزبي والثقافات الداعشية بانواعها الامنية والاقتصادية والاجتماعية بدلا من ثقافة الولاء الوطني.
و لعلّ اخطر ما أفرزته تلك الثقافات ظاهرة الجهل المكبّل بهذه الولاءات. فقد ساهم هذا الجهل بشكل كبير في استشراء جائحة كورونا متجاهلاً نداءات المرجعية الرشيدة و ذوي الاختصاص في القطاع الصحي المقاتل بالابتعاد عن مسبّبات الهلاك من تجمعات واختلاطات, بل صغى الى ثقافته المكبلة بالجهل التي بات أسيراً (خاضعاً ) لها.
ان تحرير الوطن من هذا الارث الثقافي الخطير يتطلب الشروع فوراً ببرنامج اصلاحي ثقافي واسع بمشاركة جهود وطنية يتم فيه وأد ثقافة النوع المستجد والمكبل بالجهل وقبل الشروع في اي برنامج حكومي اصلاحي, متجنباً الخطأ الذي وقعت فيه الكنيسة في اوربا بمحاكمة المهرطقين في العصورالوسطى وما فعل الحلفاء بمطاردة النازيين بعد الحرب العالمية الثانية. بل يعمد بالانفتاح على ثقافات العالم المتجددة لتحرير ثقافتنا من نوعها الواحد فيتحرر السياسي من عقده السابقة التي كانت تقوده للتربص لخصومه ومعارضيه. وليتحرر الاقتصاد من نوعه المركزي نحوالاقتصاد المتنوع.
لم يتضمن النظام الجديد ببرامجه الحكومية المتعاقبة بعد الاحتلال آلية تحرير ثقافة النوع حتى احرجه المواطن بمظاهراته الربيعية في عام 2011 والتشرينية في عام 2019, التي عكست مخاضات ساحات التحرير وساحات التظاهر في المحافظات, وكان عليه ان يحميها قبل استغلالها من قبل القمامين من متربصين خلف الاسوار ومن متسترين خلف الاقنعة.
لقد آن الأوان للشروع باطلاق اول برنامج للاصلاح الثقافي في البرنامج الحكومي القادم بدأً ً من رياض الاطفال من خلال تفعيل درس التربية الوطنية حيث فقدت هذه المفردة معناها و تأثيرها , وصولاً إلى تصحيح المسيرة الديمقراطية التي اقتربت حدودها من الفوضوية, والعمل على تحصينها قبل ان تستفحل ثقافة نوع جديدة اكثر تطرفاً من ثقافة داعش واكثر تكبيلا من ثقافة الجهل الولائية.
سيكون الإصلاح الثقافيّ الركيزة الاساسية للإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي و سيجعل المواطن المتظاهر مسلّحاً بثقافة تؤهّله لاختيار السّياسي الأفضل والأكفأ للقيام بادارة البرنامج الاصلاحي مستقلا في قرارات حكومته بعيدا عن مجاملات الاحزاب وحازما في ردع ابتزازاتها.