علاقة السلطة بالانسان علاقة استعباد تذكرت اليوم صباحا عندما كنت امارس حياتي الطبيعية كمواطن عراقي عادي بسيط ولا فخر وكرب عائلة يمارس مسؤوليته في استلام حصة النفط في ازدحام طابو طويل اسفر عن انسكاب النفط على ثيابي والحمد لله ولعلي الوحيد من بين اقراني واترابي و صنفي وفصيلتي الاجتماعية دون ان يكون للقادة من اترابي ضمير يرشدهم حيث التقصير مع الغير ديدنهم الدائم وذلك لانهم لم يسيروا في طابور استلام حصة النفط ولم تتبلل ثيابهم بالنفط قط والحمد لله انا لست منهم ولا هم مني في شيء حين امارس هذا الدور الخاص بالمهمشين المنبوذين وفي الوقت الذي كنت افكر فيه في الديون المتراكمة وفي الايجار المتأخر عندئذ ادركت لا يمكن لأي احد كائنا من كان من ان يسلب منا حريتنا وكرامتنا فلا نلوم الا انفسننا فقط بل نحن من سلب حريتنا وكرامتنا بأنفسنا نحن من صنع الطغاة ونحن من مكنهم من رقابنا عندما احرقنا كل خياراتنا وركضنا وراء اوهام سراب ووعود كاذبة فلم نعد نملك اي سبيل لا للتقدم ولا للفرار. عندما نسيننا ارادتنا الجمعية وعندما قررنا ان يتخذ غيرنا القرار بدلا عنا وانتظرنا وطال الانتظار للغائب العزيز الذي قد لا ياتي الان لاننا سنسارع الى قتله ان جاء قبل وقته لعدم استعداد قادتنا للقبول به اصابنا الذل عندما قلبنا بالغير اوصياء وبذلك اصبحنا عبيدا مروضة كالحيوانات الداجنة تحت ضمن اقل من الحد الادنى من الحياة همنا الوحيد البقاء وخضعنا لقادة سكارى بافيون السلطة القاتل المزمن ورضينا بدور التابع لم نتقن حتى ان نكون كمتي تابع لمولاه بونتيلا في مسرحية برشت في مسرحية ” السيد بونتيلا وتابعه ماتي” لبرتولد بريخت علاقة الإنسان بالسلطة تتحدث الرواية عن “السيد بونتيلا”، المحاط بهالة من العظمة الأسطورية كأحد كبار الإقطاعيين في قريته، هالة لا يهتم من أحاطوه بها بكونه احد الظالمين الفسدة الذين يتناقض خطابهم بين قمة الفساد وقمة الإصلاح بفارق دقائق قليلة، بينما يبقى فعلهم دائما داخل اطار الفساد وحده!- فإن شرب “السيد بونتيلا” وأسكرته نشوة الخمر، ظهرت انسانيته واكتشف فداحة الجرم الذي يرتكبه في حق مجتمعه كل لحظة، وأقر بأنه رجل شديد السوء يحارب المبادئ ويترصد أصحابها، ثم تجده يبكي، ويتمنى أن تسقط الحواجز بينه وبين مجتمعه، ثم يتوب وينوب، ثم يطلق تصريحاً يحمل بين سطوره الأمل في التغيير، يتعهد فيه بلم شمل أهل القرية وتحقيق مطالبهم حتى يمكنه أن ينعم بينهم بحياة أكثر حباً، وأنه قرر التكاتف معهم، بحكم موقعه، لبناء غدٍ أكثر إشراقا.- وإن إستفاق “السيد بونتيلا” وصحا من سكرته، يكتشف مَن سمعه، في اعترافات السُكر، أنه كان يفكر بقلبه لا بعقله، ويحس بوعيه الباطن لا بشعوره الظاهر، وأنه إنقلب وحشاً حقيقياً له مخالب الطبقة المستغلة وأنيابها، وفيه قسوتها وخداعها، انه كائن آخر يختلف ويتناقض مع ذلك السكران الذي رآه! كائن عاد الى أطماعه واستغلاله من جديد، ونسى ما تعهد به وكأنه لم يكن، وكأنه لم يسكر قط!!- وبين سُكر “السيد بونتيلا” وصحوته، يظهر تناقض خطابه تناقض الخمر واللبن، وتضارب قراراته تضارب الليل والنهار، وكأنما أخرج السُكر حقيقته الكامنة وكشف ستر إحساسه الدفين بالذنب الذي يرتكبه في صحوته التي يحياها لحماية مصالحه وإملاكه وقصف رقاب معارضيه الذين يعترف بنبل مقاصدهم إذا سَكر! فيتراجع عن وعوده الطيبة وكلماته الرحيمة، ويتنكر لكل تصرفات سُكره التي تمثل قناعته بما ينبغي أن تكون عليه الحقيقة التي ينكرها في صحوته!- يبحث “السيد بونتيلا” جواره عن أولئك الندامى الذين اعتاد استمالتهم بدعوتهم للشراب، فيجدهم وقد تساقطوا من على كراسيهم ثمالى بما فيهم قاضي المدينة وصاحب الكلمة الرسمية العليا فيها، فيرى نفسه وحيدا لن يسمعه أحدهم إن تحدث عن مغامراته ومشاريعه إلا ساقي الحانة، ذلك الذي كثيرا ما استخدمه فسبر غوره وعرف أبعاده وثمنه، فآنفت نفسه عن منادمته.- وفجاة يقبل تابعه “ماتى” بعد أن تركه السيد ينتظر في الخارج كثيراً، يدخل وقد لسعه البرد والجوع، فيقبل على بقايا مائدة السيد يتناول فتاتها مرغما مكرها، ربما ناعياً حاله وما وصلت اليه وكيف انه هو الأولى بالمكانة التي يرفل فيها سيده، ومع ذلك ﻓ”ماتى” لا يفارقه عقله البارد ومحاولته للظهور بمظهر الذكي المتزن، أو السياسي المحنك، عسى أن يًمكِّنه ذلك من إقتناص فرصة تضمن له نوعاً من الانتعاش المحدود الذي لا يمكن لتفكيره الضيق أن يصل الى أبعد منه، فيسعى لإختبار إنسانية سيده السكران، فيحكي، في إحتيال خائب وسذاجة بادية، عن قصص الأشباح التي تظهر في ضيعة السيد، وكيف أن رائحة اللحم المشوي كفيلة بإبعادها!!ولكن السيد لم يكن أبداً بذلك الغباء، حتى في حالات سكره الذي لم يمنعه من طرد ذلك العامل الثوري الذي تجرأ وطالب بحقوق العمال، فأذنه ترفض سماع ما لا يحب سماعه، وهو يعلم جيدا ما يخطط له تابعه “ماتى”، حتى وإن توقف طموحه عند قطعة من اللحم المشوي! فيغير الموضوع بحرفية من يجيد المراوغة، ويحدثه مضطراً، فلم يبق غيره نديما، يحدثه عن خطاياه في حق أهل القرية، وكيف أنه يتمنى أن يجعل من صديقه “ماتى” وكيلاً عنه يرعى شئون العاملين في المزرعة والقصر، يحدثه عن طموحاته الخاصة ومشاكل جشعه المادي أو المعنوي، وكيف أنها تحتاج لتمويل لن يتحقق إلا بإستغلال مزرعة القرية الكبرى التي منحته تلك الهالة الأسطورية وقصرها المنيف، أو بالغرق في بحار الود والغرام مع تلك الشمطاء العجوز التي تطمع في تبوير المزرعة لتنتعش مزرعتها المقابلة على الطرف الآخر من القرية.يصمت “ماتى”، ولا ينصح سيده بشيء، يتركه يواجه مصيره المحتوم عندما يثور أهل القرية، إضافة الى أن ما يقوله السيد يخرج عن نطاق استيعابه الذهنى وطموحه السياسي الذي توقف عند قطعة اللحم المشوي!فينهضان لمغادرة الحانة، “ماتى”، مرغماً، يحمل ذلك الفاقد للوعي.. القاضي المسكور بخمر السيد، وأمامه يمضي السيد مترنحا ثملاً، يرغمه على التوقف مرة بعد أخرى لسماع خططه عن المستقبل، بينما “ماتى” يئن من وطأة ثقل القاضي على كتفه، ويخشى الاعتراض عن الحمولة أو التملل من سماع السيد، وترتسم على وجهه علامات البلاهة، ظاناً أنه يمنع نصحه وخبراته السياسية عن سيده بونتيلا، بينما الحقيقة أن منتهى تفكيره توقف عند حدود قطعة اللحم المشوي! مسرحية السيد بونتيلا وتابعه متي عرضت في بغداد يوما واحدا فقط تحت اسم (البيك والسايق) لابراهيم جلال وتمثيل يوسف العاني وبعدها منعت بقرار من طارق عزيز و السبب الذي أدى الى منع العرض الخوف من ان يربط الجمهور بين وصول حاكم المدينة في المسرحية لمنصبه مع الكيفية التي تسلم بها صدام حسين السلطة في العراق في نهاية سبعينيات القرن العشرين التي تعتبر ظروفا واضطرابات مشابهة أيضاً.لكنهم نسوا بان بطل مسرحية برشت هذا حكم بالعدل وهو على كرسي الحكم حيث كان ضميره مرشده بالرغم من انه غير أهل لمنصبه.