نظام الدراسه واسلوب الحياة
يختلف نظام الدراسه فى المانيا الغربيه فى الستينات والسبعينات من القرن الماضى عنه مثلا فى العراق وبريطانيا, فلا توجد امتحانات مركزيه محدده, نصف سنوى وسنوى وانما امتحانات شفويه او تحريريه يحددها الاساتذه, كما ان السنه الدراسيه تقسم الى الفصل الدراسى الصيفى والفصل الدراسى الشتوى وفى كل فصل تطرح محاضرات وسمينارات جديده وفى مواضيع وحقول اخرى غالبا ما تكون مكمله للفصل السابق ويعقب كل منهما عطله دراسيه وتكاد تكون فى الصيف اكثر من شهرين. هذا لايعنى ان الجامعه تغلق ابوابها وانما تهدأ وتيرة العمل ويحضر الاساتذه مواضيع المحاضرات والسمينارات للفصل القادم. لكى تحصل على تأهيل ” ماقبل الدبلوم” يجب ان تكون المشاركه فى عدد من المحاضرات والسمينارات التى تنجز فيها بحوث اوليه وفقا للمحددات التى تضعها الكلية المختصه. يتمتع الاستاذ بحريه اكاديميه واستقلاليه كبيره فى اقتراح وتقديم الماده العلميه وفى تحديد الامتحانات الشفويه والتحريريه والقرارات التى يتخذها لا يعتريها الشك. ان الطالب يتمتع ايضا بحرية التخطيط لمجرى دراسته واختيار المواد العلميه التى يرغب بها وتلائمه ولا توجد رقابة عليه ولا توجد قوائم الحضور والغياب. ان الشاب الذى يدرس فى الجامعه يجب ان يتحمل المسؤليه ويخطط لمستقبله. هذا المبدأ يمثل احد اهم المبادىء التى تقوم عليها الدراسه الجامعيه. ان نسبة حوالى 10% – 20% من الطلبه يترك الدراسه لمختلف الاسباب, منها ان يتوجه نحو ” مدرسه اكاديميه عمليه ” تأخذ الجانب العملى حيزا كبيرا وتعمل بالنظام المدرسى, خلافا للجامعه الى تاخذ بالجانب النظرى بشكل واسع ومستوى عالى, علما بان خريجى المدارس العمليه, وفقا للدراسات النخبه يشكلون النسبة الاكبر فى القطاعات الاقتصاديه, واخرون يتركوا الدراسه ويتوجهوا نحو العمل ويشكل التسرب الجامعى حوالى 10%. يمكن ملاحظة الجديه والاهتمام لدى الطلبه الالمان, حتى ان طلبة الدراسات الهندسية والعلوم الطبيعيه تجدهم فى سباق مع بعضهم بالرغم من الاتجاه للعمل الجماعى التعاونى مع بعضهم البعض خلافا لطلبة العلوم الانسانيه الذين لهم تطلعات اخرى, وغالبا ينهون الدراسه فى سنينها المحدده, بالاضافه الى ان 30% تقريبا يجد زوجته, رفيقة حياته اثناء الدراسه الجامعيه. احيانا ينتابنا الشعور بانهم كألالات المتحركه تتجه بشكل مستقيم سريع نحو الهدف.
كانت الحريه الاكاديميه التى توفرها الجامعه بالنسبه لنا كعراقيين وشرقيين بشكل عام غير ملائمه, كثيره وكبيره علينا فى فى حجمها ودفعتها المباشره حيث لم نحضى بفضاء من الحريه والاستقلاليه سابقا حتى نستطيع ان نبنى عليها نعيش, نتطور ونتمتع معها وبها. ان هذه الفضاءات الجديده, الثقافه, هى تعبر عن مستوى من التطور الاجتماعى/ الاقتصادى والتقنى, نشأة وتطورت عبر سنين طويله وجاءت نتيجة ناضل الشعب وقواه السياسيه ولم تكن منحة من الحكومه ولذلك فانها لها قيمه عليا لايمكن التفريط بها. كنا صغار السن, لم نبلغ العشرون,خامات طيبه من نتاج ثقافة واخلاقيات الطبقه الوسطى ولم نحصل على رعايه وارشاد حول نظام الدراسه واسلوب الحياة. وكان علينا ان نكتشف الخطأ والصواب, فى السلوك والتفكيرعن طريق التجربه والتى كانت فى كثير من الاحيان مثبطه للعزيمه وتكلف بعضا من الثقه بالنفس. لقد خسرنا بعض السنين وتأخرنا عن اجراء الامتحانات وكثرة الغيابات او تقديم بحوث السمينارات فى وقتها المحدد وكان علينا ان نشد العزم فى السنه القادمه لنفس الفصل الدراسى ولم يكن ذلك امرا بسيطا. لابد من الاشاره والتاكيد , من اننا لم نتعلم العمل المستقل, غير المحدد بكتاب اوملزمه ولم نتعرف سابقا على العمل الجماعى وتوزيع العمل بين المجموعه, عدا ذلك فان الانتاجيه لم تكن عاليه نتيجه للغه التى ما زالت فى مرحلة النضوج اولا, ثم اساليب البحث والحصول على المصادر التى ما زالت فى طور التعلم والتى كانت احيانا مخيبه للامال. ان تاريخ المانيا لايشيرالى خبرة وتجربه ومعايشة ثقافات شعوب اخرى, خاصة مع الافارقه والشرقيين, كما ان عدد الطلبه الاجانب فى الجامعات الالمانيه كان محدود جدا بالاضافه الى سنين الحكم النازى التى كانت المانيا شبه معزوله عن العالم. منذ نهاية الخمسينات وبداية “المعجزه الاقتصاديه” اخذ الاقتصاد الالمانى يستعين بالعمال الاجانب من ايطاليا, اسبانيا, تركيا والمغرب العربى, وكانت الجامعات الالمانيه الغربيه قد فتحت ابوابها للطلبة الاجانب ونجحت وزارة” التعليم العالى” فى جذب اعدادا من الطلبه الشرقيين والافارقه فى استخدام صيغة مغريه ” الدراسه والعمل” والحقيقه فقد كانت فرص العمل كثيرة جدا ويمكن ان تحصل على عمل مؤقت دائما, وفى حقيقة الامر وصل المانيا الغربيه عشرات الالاف من العمال الاجانب وكذلك من الطلبه الذين كلاهما فى تصاعد مستمر. ا كانت هذه الوجوه الغريبه, لونا سلوكا وثقافه حاضرة فى اماكن العمل, الجامعه, الشارع, المقهى, الحدائق العامه وكذلك فى التطلع والرغبه فى الجنس الاخر مما يعنى تصاعد عملية التنافس فى العمل والحياة الاجتماعيه مما افرز احكام مسبقة وجديده بين كلا الطرفين. كانت اوضاعنا كطلبة جامعة نحضى باحترام من قبل السكان وكانوا ينظرون لنا كأبناء عوائل غنيه وعوائلنا تمللك ابار النفط, وبنفس الوقت مثل عصافير الجنه: السحنة السمراء, الشعر الاسود والعيون العسليه, كل هذا غريب عليهم ويلقى اعجابهم.ان هذا الجانب هو الاخر احد المشكلات الدائمه التى ظهرت لدينا بحكم المحيط والثقافه الجديده, خاصة ان الاغلبيه الطاغية ليس لها معرفة وكيفية التعامل مع النساء, لاننا لم نتكلم مع بنت, امراه خارج نطاق العائلة وكان مبدأ العيب والخجل الذى تربينا عليه واستمر مرافقناالامين قد قلص وحدد من فعالياتنا ونشاطنا وقدرتتنا على التعلم الى حد كبير. ان قضية النجاح فى الدراسه, فى مجتمع جديد تلزم التعرف على مبادئه واعرافه وتاريخه وهذه قضيه فى منتهى الخطوره والاهميه, فىى البدايه كانت مرحلة الانبهار والاعجاب والنظره الايجابيه لكل ما يحيط بك وتختلف استمراريتها من شخص الى اخر, وتدخل مرحلة التساؤل والتشكك والنقد والتى يمكن ان تفرز رفضا كليا اوجزئيا لاسلوب الحياة, والرجوع الى اوليات الثقافه الوطنيه التى هى فى واقع الامر شىء اخر عما يعيشه الطالب هنا, فى المجتمعات الاوربيه بشكل عام. ان العمليه الاكثر تعقيدا تقوم على ادراك مكونات الحداثه وثقافتها مع عدم التنصل والرفض للثقافة الوطنيه القوميه , ان تحصل عملية تكامل مع الثقافتين وليس كما تطرح قضايا التثاقف فى اطار عمليه التاقلم. فى الحقيقة كانت هذه العمليه بالنسبه لتجربتى الذاتيه فى منتهى الصعوبة والتعقيد, خاصه فى قضية الشعور بالدونيه والضعف وعدم الاهليه اتجاه الالمان والاوربين بشكل عام. كيف واين الحلول, مع الزمن والتجربه, حينما تتسلح بالعلم والمعرفه, وتطوير اخلاقيات العمل والصدق فى النوايا والتعامل مع الاخرين, عندما تطرح اسئله جاده حول خفايا واديولوجيه العلوم التى تطرح فى السيمنارات وفى مناسبات اخرى سوف تجد قبولا حقيقيا من الاخرين وينظروا اليك بانك جدير بداقتهم, انك تحمل ثقافتين وتملك منهجا فى التفكير.
من القضايا التى كانت تؤرقنا هى مشكلة عدم توفر السكن وعدم استعداد البعض من العوائل تأجير غرف للطلبة الاجانب وما يصاحب ذلك من تاثير سلبى وتجربة مريره, ويمكن ان تكون تجربه غير ايجابيه مع احد الطلبه الاجانب, قلةالخبره واختلاف الثقافه, اما القطاع العقارى الخاص فان بدل الايجار مرتفع بالاضافه ان لايتلائم مع شدة الطلب. اما عن بيوت الطلبه التى قامت بتشيدها جهات حكوميه فهى قليلة جدا ويجب التسجيل عليها سريعا لكى تحصل ربما بعد سنتين على احد الفرص, فى الحقيقه ان هذه البيوت حديثه ومؤثثه جيدا واسعارها معقوله. كما توجد ايضا بيوت للطلبه تم تشيدها من قبل الكنائس او من قبل بعض روابط الخريجين القدماء. حينما عملت مع اتحاد الطلبه حضرت ندوة حول الطلبه الاجانب فى مدينة بون وكانت برعاية وزير التعليم العالى والبحث العلمى الاتحادى, وفى احد الجلسات شاركة بالمناقشه ووجهت الكلمه للسيد الوزير مباشره: من ان الوزاره تقدم عرضا مغريا للطلبه الاجانب” الدراسة والعمل” وبلا شك فان هذا العرض مغرى جدا ومشجع للراغبين, قاطعنى السيد الوزير وقال ما هو الضير فى ذلك؟! لا ضير فى ذلك من حيث المبدأ, ولكن كيف استطيع ان ادرس واعمل اذا لم احصل على سكن, او ان ادفع اسعار عاليه. قال الوزير انها مشكله وارجو مقابلتى فى نهاية الندوه. وفعلا عرضت عليه المشكله بشكل مفصل والمعاناة التى تنتج عنها. وسألنى ما هى مقترحاتك؟: ان تقوم الحكومه المركزيه وحكومة المقاطعات ببناء بيوت للطلبه وهناك وسائل وطرق متعدده لتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار. يبدو ان اقتراحى كان عقلانيا ويتلائم مع اسلوب ومنهج التفكير والاستثمار المعمول به فى الرأسماليات المتقدمه, فى نهاية المقابله اكد الوزير بأنى سوف اسمع منه خيرا. بعد حوالى سنة واحدة انجزت حوالى 12 عماره بيوتا للطلبه بطاقه استيعابيه تقدر تقدر بـ 1800 وحدة سكنيه منها حوالى 30% للعوائل الطلابيه. منذ ذلك التاريخ انتهت ازمة سكن الطلبه وخاصة معاناة الطلبه الاجانب. ان المانيا بلد رائع ومحظوظ ويمتلك كل المشوقات الاساسيه, انهار عديده منها ما يجرى خلال عدة دول اوربيه ( نهر الراين) والدانوب ونهر الماين التى تستخدم بنفس الوقت للنقل النهرى, وغابات شاسعه وسهول ووديان وجبال الالب …الخ, ان النظام الفدرالى الالمانى مازال فعالا وساعد وعمل بشكل مباشر على تخطى ماسى الحروب وعملية البناء, كما ان المانيا الاتحاديه دوله قانون ومؤسسات وبذلك فأن الحقوق تحميها القوانين والدستور, ولكن قد تقابل موظف فى الادارات الحكوميه المحليه لقضية ما والذى يمكن , لسبب ما ان يحول حياتك الى جحيم ويجعلك تدور فى حلقة مغلقه, ويحصل فى مناسبه اخرى ان تلتقى باخر فى منتهى اللطف والاخلاق والتعاون ويتخذ القرار المنسب مباشرة. ان القانون يعطى الموظف فسحه فضاء واسعه فى اتخاذ القرار, ترى ماهو المجال, السلبى او الايجابى الذى سيكون من نصيبك ؟! . ان الصور التى تنشأ تطبع التجربه والذكريات لدى الاجنبى فى مثل هذه المواقع والقرارات.