17 نوفمبر، 2024 9:52 م
Search
Close this search box.

كورونا صيّرنا فئران مختبرات في عالم هش

كورونا صيّرنا فئران مختبرات في عالم هش

كنا نجهل أن عالمنا هش إلى هذا المستوى، حالنا اليوم مثل حال ملاكم مشهور تعرفه الحلبات، اعتلى حلبة النزال مستهزئا بخصم ليس له تاريخ مدون في صفحات هذه اللعبة، وما إن دق جرس البداية حتى تلقى لكمة طرحته أرضا، لكمة لم يكن قد ألفها من قبل، من خصم لم يكن قد حسب له حساب، وما إن نهض حتى تلقى الثانية والثالثة، عندها التقط منديل الاستسلام الذي رمي إليه، كما يمسك غريق بطوق النجاة، وانسحب من حلبة النزال خائفا لاهثا يجر أذيال الهزيمة، حاول أن يلفلف الأمر لجمهوره المذهول من هول ما حدث له، هو البطل الذي طالما تغنى أمامهم بقبضته الفولاذية، ولكن خطابه لم يوار حقيقة انهزامه الداخلي، الذي كان واضحا يغطي على ملامحه.

هذه هي حال العالم اليوم، كما تظهرها الأرقام المتزايدة لقتلى كورونا ومصابيه، التي تبث عبر قناة كورونا الفضائية أرقام الموتى والمصابين والمتعافين، بالترافق مع موسيقى تشبه لحن الموت، لتطلع مشاهديها على ما حل بالبشرية من موت لا يميز بين انسان وآخر، وتذيع اخبار العالم العاجز أمام زحف فيروس شرس يهاجم بضرواة منقطعة النظير، لن تقدر على إيقاف تقدمه كل جيوش العالم الجرارة المدججة بالسلاح، من طائرات، وغواصات وقباب حديدية، ومنصات باتريوت، وسي سي أربعمائة، التي كم تباهت بها دول عظمى، مدعية أنها ستغير حتى مسارات الكويكبات والكواكب التي قد تهدد الأرض، وها هي اليوم مثل لعب الأطفال أمام المهاجم الجديد، الذي يترصد النخب الحاكمة تحت قباب البرلمان، وفي القصور الملكية والرئاسية، متوعدا بالموت، مخرسا أصوات المتعجرفين، الذين كثيرا ما كانوا يدّعون أنهم يمتلكون قوة لا تقهر، لم يجهروا، ولكنهم حتما قالوا في سرهم: نحن نمتلك قوة لا يقهرها حتى الله، إنهم اليوم ضعفاء منهزمون أمام فيروس لا يرى بالعين المجردة، لا أستبعد أن له أسلافا، وربما أخوة وأصحابا، في دهاليز المختبرات العميقة، لدول تدافع في العلن عن حقوق الإنسان التي تنتهكها أبشع انتهاك في السر، فإن قتلى كورونا منذ مهاجمته الناس في أواخر عام 2019 حتى هذه اللحظة يقلّون عن ثلاثين ألف قتيل، نسأل الله أن لا يزيدون، يتوزعون على كل بقاع العالم، في حين أن قتلى قنبلتي هيروشيما وناجازاكي المدينتين اليابانيتيين الصغيرتين، يزيدون عن المائة وخمسين ألف.

إن كورونا يتوعد البشرية بالموت، فإن نجوا من الموت فإنه يتوعدهم بالجوع، لأنه يضع الفلاح أمام خيارين، إما التواجد في الحقل فيكون عرضة للإصابة، وإما البقاء في المنزل فيكون فريسة للجوع، وأمام الخيار نفسه يضع العامل، وإن كان العامل نفسه محكوما بخيارات الفلاح، فنحن لا ناكل سيارات وحواسيب، حتى الأغنياء الذين يظنون أن ثرواتهم توفر لهم الطعام واهمون، فعندما تخلو الحقول وتهجر المعامل، سينفد مخزون أعظم الأمم ثروة، حقا أنه لمآل مرعب، اللهم أجرنا .

اعتقد أن كورونا، على الرغم من الرعب الذي يشيعه بيننا، أنه يلفت انتباهنا إلى أننا كنا نسلك المسار الخاطئ، فنحن، بني آدم، قد وقفنا يوما ما أمام خيارات كثيرة، كلها جاهزة للانطلاق، ولكن لا نعلم من كل تلك الخيارات سوى حاضرها الذي رايناه، أما مآلاتها فلا علم لنا به، أغرانا مسارا ما، احتكمنا إلى عقولنا، مغالين في قدرتها على الإحاطة بكل الاسرار، فاخترنا ذلك المسار ومشينا، وها نحن نصطدم بكورونا، يطوقنا بجيوشه، يحيط بنا من كل الجهات، يقطع علينا حتى طريق التراجع، فنحن اليوم أسرى عنده، ومن يدري ماذا سيكون بعده، أخشى أن يكون كورونا هذا خطا متقدما، لقوات اأدهى قيادة وأكثر تنظيما وأشد فتكا، فنحن كمن وقع في كمين، أو فقد قواه في منتصف بحر هائج، لا يستطيع أن يعود ولا يستطيع أن يواصل، أي كمن تقطعت به السبل، ليس لنا سوى الرجوع إلى الله جلّ وعلا، الله الذي نسف صائغو فكرنا الحداثي الجسور إليه، عندما أعلنوا أنه قد مات، وقال آخرون إنه موجود ولكن لا سلطة له علينا، وقال غيرهم إنه موجود ولكن يجب ان نعصيه، ما دفع سفهاء حداثتنا إلى المجاهرة بعبادة الشيطان نكاية به، لا أعلم هل سيقبل الله عودتنا، ولكنني أعلم علم اليقين أنه عفو يصفح وهو الغفور الرحيم.

جاء كورونا ليخبرنا، نحن بني آدم، أننا واهمون، عندما أسرفنا في صناعة سلاح هدفه أن يقتل به بعظنا بعضا، فوفّر علينا جهدنا، وتكفّل هو نفسه بتحقق شهوة القتل فينا، من دون نتكلّف استخدام الترسانات الذرية والنووية، جاء هازئا بغبائنا: فلو اننا وظفنا ثرواتنا في اعداد العدة له لهزمناه، ولكن منعنا حسن حظه، بل سوء طالعنا، وربما، لا قدر الله، أن أوان هزيمته قد فات، لأن العالم منذ أمد بعيد يسير بإمرة فئة ضالة، حولت الناس إلى فئران مختبرات، استنسخت وعدلت جينيا، وتلاعبت بخرائط الوراثة، وبمقدرات عباد الله الخانعين المستسلمين لقدر تصوغه تلك الفئة الضالة نفسها، وتسوقه على أنه قدر الإنسان المحتوم الذي قدره الله، وحاشا لعدالة الله أن تخط هذا القدر المشين للإنسانية، لقد أوصلتنا هذه الفئة الضالة إلى خراب، ولم توصلنا إلى شيء مما يدّعى، لم نصل إلى تخوم عالم الظهور، كما يقول بعض المسلمين، أو إلى تخوم عالم القيامة، كما يقول بعض المسيحين، وإنما نحن الآن على تخوم يباب الشاعر الإنجليزي اليوت، الذي يقول: يا ابن آدم، أنت لا تقدر أن تقول أو تحزر، لأنك لا تعرف غير كومة من مكسَّر الأصنام، حالنا مثل حال اللص فوتشي الذي اجترأ على الله، كما يقول دانتي في جحيمه، فهاجمته الزواحف والتفت حوله حتى أنه لم يستطع حراكا.

اللهم اني ابرأ اليك من نفسي، ومن الفئة الضالة التي أوهمني، وافوض إليك أمري، لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، عليه توكلت وإليه انيب.

أحدث المقالات