ما أصطلح علي تسميته ب”نظرية المؤامرة” هو نمط في التفكير و التحليل السياسي يتبعه الفاشلون و العاجزون، نمط في التفكير يتبني نسق غير واقعي و غير عملي و غير علمي في الربط بين الأخبار او الاحداث السياسية و الإجتماعية و الاقتصادية، و يتبني مقاربات بعيدة و قياسات مع الفوارق للخلوص الي استنتاجات معدة استباقاً! و استنتاجات قد لا تتسق مع المقدمات حتي.
هذا النسق من التفكير و التحليل يجد رواج في المجتمعات التي تميل للاعتقاد في الخوارق و الخرافات و الغيبيات و تميل لقبول الشعوذات و الدجل، المجتمعات التي تؤمن “بالعين”، و “العمل” عندها هو ما يقوم به المشعوذ “الفكي” و ليس ما يقوم به العامل أو الطبيب أو المهندس أو العالم ..
يتفشي “تفكير” المؤامرة تحديداً لدي مجتمعات و شعوب بلدان العالم الثالث و بتركيز اكبر لدي عوام و خواص “نخب” البلدان الاسلامية و العربية.
تلك المجتمعات يختلط في عقل فردها ما هو منطقي بما هو غير منطقي و بين العقل و التسليم و بين العلم و الايمان، فتغيب و تتلاشي الحدود بينهما.
هذا النمط من التفكير مؤشر علي العجز، و الضعف في مواجهة الحقائق و تغيير الواقع، لذا يكون البديل السهل هو نسج تصور لا واقعي لا يعين علي فهم المحيط انما يقدم تبرير علي العجز، فتصوير الواقع علي انه “مؤامرة” مدبرة باحكام من قبل جهات “غامضة” لها قوة هائلة و امكانات لا متناهية يقدم نوع من العزاء و يخلق حالة من الترضية النفسية تبرر الخنوع و الاستسلام و تجعل للاحساس بالعجز طعم حلو المزاق و وقع جيد في النفس عوضاً عن طعم العجز و الاستسلام “الحقيقي” المر كالحنظل أو اشد مرارة!
و لكون الخرافات ضاربة بجذورها في تاريخ البشر فان نظرية المؤامرة كذلك لها تاريخ و ارث تليد، و لها مسلماتها التي تشكل اساس تعتمد و تبني عليه “و إن كان اساس هش بطبيعة الحال” فمقولات من شاكلة “أبحث عن المرأة” و التي تعزو آية مشكلة بنظر الرجال للمرأة “المجتمع الذكوري”، و انساق شيطنة الاخر و الغريب كنسبة اي مشكلة أو مصيبة لليهود عند المسلمين و عند المسيحيين كذلك، و ارجاع اي كارثة أو خلل للمهاجرين و الغرباء عند الوطنيين.. الخ
كل تلك المسلمات أو المقولات تعتمد نهج واحد هو التبسيط المخل للمشكلة لايجاد رابط بينها “المشكلة” ومشكلات اخري و من ثم نسبتها لفاعل معين كما يعتمد التعميم المخل كذلك في التسبيب ثم في الاستنتاجات و فرض نتائج حالة علي عدة حالات اخري و تكرار نفس الاحكام و الاراء و المواقف السابقة مرة و مائة مرة اخري..
لهذا السبب تجد المجتمعات التي تتبني منهج نظرية المؤامرة في التحليل تجدها تراوح مكانها و تجتر الافعال بل و تجتر الاحداث بلا كلل، لذا تراوح مكانها لعدة عقود بل و عدة قرون دون ان تحدث اي اختراق يغير حالها، بل و حتي دون ان تلحظ انها تراوح مكانها.. فلنظرية المؤامرة مفعول كحبوب الهلوسة و المؤثرات العقلية التي تفقد من يتعاطاها القدرة علي التعامل مع محيطه لأنه يتصور محيط آخر غير ما هو قائم بالفعل.. بل و زمن غير الزمن و مكان غير المكان!
ان مجتمعات هذه المنطقة لن تبرح مربع الفشل و التخلف ما لم تنتفض اولاً علي ذاتها و تتخلص من نمط التفكير العقيم هذا و ترمي نظرية المؤامرة في مكب النفايات مع سائر القاذورات و الاوساخ و ترمي معها كل من يصر علي استخدام هذا المنهج المتبلد.