أجرت قناة العراقية الفضائية مقابلة غاية في الأهمية ليلة الاثنين 26 آب الجاري مع رجل الدين العراقي الذي كان يعيش في مصر منذ السبعينات ، وهو الدكتور طالب الرفاعي ، الذي يمتلك أفقا ثقافيا ومعرفيا واسعا ، ودماثة خلق وتواضع قل نظيرها، وقد عرض حقائق كثيرة ، بطريقة يتقبلها كل إنسان يريد ان يرتبط بعلاقة مع الخالق دون حواجز أو معرقلات ومع رجال الدين الذين يقلدهم البعض ..وهنا أورد المضامين المهمة التي سردها الدكتور طالب الرفاعي بشأن نظرته للكثير من الجوانب الاعتبارية للشخصيات ذات التوجهات الدينية وكما يلي :
1. أشار الدكتور طالب الرفاعي رجل الدين العراقي المعروف الى ان تفخيم القاب بعض رجال الدين يعكس حالة ضعف في الأمة ، حين تدخل في مراحل أزمات وفوضى، إذ لم يعرف التاريخ الاسلامي الصاق ألقاب تؤله العالم الديني والخلفاء الا بعد ضعف الدولة العربية في الاندلس في زمن المماليك، حين راح ( البعض ) يطلق مختلف أوصاف التفخيم لملوك قرطبة، بعد ان وصلت مرحلة الدولة الاسلامية في الاندلس الى الوهن والضعف والانحلال.
2. أورد الدكتور طالب الرفاعي ان “القيادة الدينية الشيعية” لم تعرف لقب” آية الله “الا في أواخر سنين ليست بعيدة ، وكانت أقصى درجة منحت لعالم شيعي عراقي هو “حجة الاسلام”، وكان رجل الدين الكبير في علمه يطلق عليه لقب “العلامة” او “الفقيه “، لكن مرتبة / آية الله/ جاءت في أوقات متأخرة جدا في العراق وإيران منذ عهد الشاه وفي زمن صراع الخميني معه.
3. أشار الدكتور طالب الرفاعي الى انه قد زار ايران في بداية تسلم الخميني للسلطة في ايران وقد قال له انه لافضل لك بقيام الثورة ، ولكن الله هو الذي قدر لك ان تكون على رأس هذه الثورة، ما يعني ان ركوب بعض القادة للثورات تأتي أحيانا بالصدفة، واحيانا إستغلالا للحدث، مشيرا الى نه صارح الخميني بكثير من الحقائق عما تتطلبه احوال المسلمين من توجهات انذاك.
4. أشار الدكتور طالب الرفاعي الى نقطة غاية في الخطورة وهو اضمحلال دور (المرجعيات )عندما يتسع الوعي، وعندما يشتد عضد الامة العربية والاسلامية وتقوى دعائمها، وتوقع ظهور علامات من هذا النوع، عندما يتم بناء ركائز الدولة العراقية والعربية وتختفي الالقاب وتفخيمها، بعد ان ينصرف الانسان الى العلم والمعرفة ويزول الجهل والتخلف من عقلية البعض الذين ركبوا موجة ( التوجه الديني ) في سنين سابقة لينهض قادة البلد بمسؤولياتهم في بناء انسان متحرر خال من العقد والدكتاتوريات ويمارس حريته ومعتقداته دون إكراه او ضغوط.
5. أكد الدكتور طالب الرفاعي ان رسالة الامام علي عليه السلام الى مالك الأشتر هي أول رسالة تهتم بحقوق الانسان وتكريم بني البشر ، وهي أساس لحرية الانسان ولإحترام كرامته، وتعد أول وثيقة بعد القران، كرست تقاليد عمل للتعامل بين البشر، حين قال الامام علي عليه السلام لمالك الأشتر عندما ولاه على مصر، ان من تتعامل معه ” إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق” وهي أول رسالة انسانية تؤكد اهتمام الاسلام بحقوق الانسان قبل ان يعرفها الغرب بأكثر من الف واربعمائة عام.
6. أكد الدكتور طالب الرفاعي على ضرورة الاهتمام بالتراث العربي الاسلامي فهو زاخر بالعلماء والمفكرين والمبدعين المتعصرنين ، والذين علموا العالم أصول الثقافة والوعي والعلم والاديان وأسلوب التعامل مع بني البشر واخلاق العرب التي فاقت كل أخلاق الدنيا وكان علماؤها محل أدب وتواضع وزهد وتعفف وبلاغة وحكمة ومعرفة شاملة جامعة من كل علم ، تنهل منهم الدنيا ما يشكل اعتزازا بكل هذه الكنوز التي لاتقدر بثمن.
هذه إطلالة سريعة على ماجرى من مقابلة ممتعة كانت قناة العراقية قد أجرتها بهذه الصراحة، لأول مرة ، وكنت أتمنى لو تعيدها مرة ثانية وثالثة وتزيد من لقاءات هذا الشيخ الجليل الذي يشع نورا وعلما ويزرع في النفس الأمل والثقة بالمستقبل، ويحذر من نكوص الامة وتدني أخلاقها وقيمها، ويوصي بعلماء العرب خيرا، لأنهم هم من حمل مشعل الحضارة وهم من اوقد كنوز المعرفة للحضارات والأمم الاخرى، التي تقدر حق العرب أكثر من قدر أبنائها لها، ورغم ان مقدم البنامج شاب في مقتبل العمر الا انه كان لديه قراءات جيدة عن كتب هذا الرجل الفاضل الذي لابد وان مصر التي أقام فيها طويلا ، أضافت اليه من علمها ومن شموخها ما يرفع رأس كل عراقي ان يكون رجل الدين بهذا النوع من التفتح الانساني وبلا عقد او تعقيدات..وشكرا لكل من يكرس أهمية عالمنا العراقي العربي ويوصي بأن يترفع رجال الدين عن تفخيم الالقاب، لانها لاتضيف للعالم أو لرجل الدين شيئا، وان منزلته ومكانته بمقدار علمه وعطائه واستفادة الآخرين من هذا العلم وتسخيره لخدمتهم، لا لاضعاف دور الانسان وتكبيل إرادته طالما ولد حرا، سيبقى حرا، وهو مبدأ قيمي رفيع قلما يتحث به رجال دين بهذه الصراحة، فوفقه الله على هذه الاضافات التنويرية، وشبابنا اليوم أحوج الى مفكرين بهذه الدرجة من الصراحة ، ليطلقوا عنانهم نحو الابداع لا ان يبقى الانسان قدريا ، يسلم ارادته للآخرين، دون ان يكون بمقدوره ان يقدم للحياة ما يكشف عن طاقاته وقدراته الخلاقة في بناء دولته والمحافظة على قيمه الروحية والاخلاقية في تمازج بين التراث والمعاصرة بأفق حي وفكر متنور.
وقد كرمته رابطة المثقفين العراقيين لسعة علمه وأدبه وكتب عنه مصطفى العمري يشيد بهذا العالم ( المغمور) بأنه عندما تم إرساله الى مصر من قبل المرجعية لم يكن محض صدفة بل هو ادراك منها على انه الرجل الاكفأ والمناسب ذو العقلية المنفتحة والعلمية الفذة فسافر الى مصر الكنانه حيث العلم والعلماء والشعر والشعراء والادب الجم والثقافة الواسعة فالتقى بعلمائها وادبائها ومثقفيها فكانت له بصمته هناك وشهد له المصريون بصولاته وجولاته الثقافية .
وأضاف انه بعد مرور السنوات شاءت الاقدار ان تنقله الى امريكا فحل بها منتصف الثمانينيات وكان محملاً بافكار ومشاريع كان يأمل ان يؤسس جامعة على غرار تلك الجامعات الكبيرة لكي ينهض بالمستوى العلمي و الثقافي لابناء الجالية , ويفكر في بناء مستشفى ضخم يستوعب المحتاجين وكبار السن كان امله كبير وفكره ومشاريعه اكبر من ان يفقهها البسطاء من الناس فلم يكن له ما اراد .