19 ديسمبر، 2024 12:03 ص

قراءة في رواية لأنني أحبك للفرنسي غيوم ميسو السرد بوصفه رسالة تعريفيه ومعرفية

قراءة في رواية لأنني أحبك للفرنسي غيوم ميسو السرد بوصفه رسالة تعريفيه ومعرفية

الرواية الناجحة وبكل تأكيد، هي تلك الراوية التى تجعلنا ونحن نقرأها، نتعايش مع احداثها، كأننا نراقب ما يحدث عن قرب ونتفاعل ونتألم او نفرح مع ما نتعايش معه من احداث وشخصيات تلك الاحداث بجميع ما تتعرض له من وجع او من فرح او من آمال وطموحات او من احباط وتهميش اومن خطورة تتعرض له تلك الشخصيات. تجعل الاحداث المتخيلة وكأنها واقع معيش وليس تخيلا؛ وهي في هذا السرد المجسد رسما بالكلمات او نقلا لواقع مفترض، نقلا واقعيا لجميع ما يتعرض له الانسان في الحياة من تهميش وظلم وقسوة لاتحتمل في ظل نظام يفتقر من جهة الواقع لاى عدالة وانسانية بل هو يطحن الانسان حتى يحوله الى آلة، ينتزع منه انسانيته وهو يبحث له عن فرصة او فسحة للعيش او مخرج ما للخروج من هذا الخانق الضيق والذي تسود فيه بفعل الواقع الذي يحيط به والذي تتزاحم فيه، الجريمة والمخدرات حتى يتحول الانسان الى رقم فائض عن الوجود من ناحية ومن الاخرى، أداة بشرية تشغيلية لهذا النظام في الحياة بوصفها قاعدة جدلية وجودية بينهما. رواية لأنني احبك، للكاتب الفرنسي، غيوم ميسو، واحدة من هذه الروايات. فهي رواية متخيلة، جميع الاحداث فيها والشخصيات، سواء الثانوية او الرئيسية؛ شخصيات متخيلة بأمتياز، ومن الجهة الثانية هي رواية واقعية بافراط، اجتماعية وسياسية ونفسية، وهي نتاج العلومة في عصر الثورة المعلوماتية والتطور الهائل في حقل الذكاء الاصطناعي ومارافق او واكب هذا التطور من تطور اخر في حقل العلاج النفسي بطرق مستحدثة وغير تقليدية، الكاتب وظف هذا التطور في سرد احداث الرواية. الروي في هذه الرواية ليس كلاسيكيا او تقليديا وليس حداثويا او ما بعد الحداثة؛ روي متفرد في اجتراح طريقة للروي التجريبي بأستخدام الذكاء الاصطناعي، الذي واكب التطور في علم النفس وفي علومة الانسان والاقتصاد والتجارة..
المبنى الحكائي
الشخصيتان الرئيستان، قادمتان من العالم السفلي، في احد ضواحي لاس فيغاس، حيث تسود الجريمة والمخدرات والبغاء، يرتبطان عن طريقة الصدفة، بصداقة متينة ويتشاركان في الهم والإرادة بضرورة الخروج من هذا الوضع. مارك، الأبن الوحيد لحارس مدرسة الذي يتخذ من المدرسة مكانا للسكن والعيش فيها مع ابنه الوحيد. في احد الايام واثناء فترة فراغ بناية المدرسة من الطلاب، والتى اعتاد فيها، مارك الابن، في مذاكرة دروسه وتأدية واجباتها المدرسية في مكتبة المدرسة، فوجيء بصوت وطقطقة في احد مخازن الكتب، وفي الركن القريب منه، ليخرج في اللحظة التالية، كونور، ولد في مثل سنه. ليرتبطا بصداقة حميمية..يواجهان معا فيها؛ قسوة الحياة والجريمة والمخدرات، ويناضلان معا وبإرادة قوية لاتلين وبعقل ثاقب، على طريق هدفهما المشترك، وهو التخلص من هذا الواقع. يتعرض كونور للحرق من قبل اثنين، من عصابات الجريمة والمخدرات، في موقع للقمامة، بعد ان يشفى من الحروق التى تركت اثرا لايمحى على جسده، بمساعدة طبيبة، تحمل في نفسها الكثير من الانسانية؛ يقوم بقتل الاثنين حرقا، لكنه ظل يعاني من هذه الجريمة لاحقا وعلى مدى سنوات عديدة. يتحصلان على شهادة جامعية بمساعدة المال الذي استولى عليه، كونور، من القتيلين، حرقا، ولاحقا على التخصص في الطب النفسي، ليعملان في عيادة للطب النفسي، يتشاركان فيها. الشخصيات الثانوية؛ نيكول زوجة مارك، موسيقية مشهورة. ليلى، ابنة نيكول ومارك. إيفي، شابة فقدت امها او ماتت امها، بنتيجة تلف كبدها بفعل ما تتناوله او تحتسيه من الخمور وبكميات كبيرة، بالاضافة الى المخدرات.أيفي تكافح من اجل الحصول على المال اللازم لأجراء عملية ابدال كبد امها التالف باخر حي، من الذين يتعرضون الى الحوادث. تعمل عاملة تنظيف في احد الفنادق الراقية، في الجانب الثاني من لاس فيغاس، في قلب المدينة، حيث تتواجد الاحياء الراقية والشوارع التى تكتظ بمراكز المال والاعمال والتجارة. تصمم على قتل الطبيب الذي باع تسلسل امها في الحصول على كبد حي، الى اخرى لقاء مئات آلألاف من الدولارات..تغادر لاس فيغاس، لتتيه في شوارع نيويورك . بعد ان تحاول سرقة حقيبة الدكتور كونور الذي يتركها، لكنه يندم كثيرا، من انه لم يأخذها معه، الى البيت، تذهب لحالها في الليل الثلجي الذي يحاصرها، مما يجبرها على العودة الى بوابة العمارة التى يقطنها الدكتور كونور كي تحتمي من البرد فيها، تلقي الشرطة القبض عليها”- ما الذي بوسعي ان اقدمه لك، ايها الملازم؟ – اثنين من رجالنا سيأتون للقبض على فتاة شابة تحتل بهو عمارة الفيلاج. لقد قالت ان امها ماتت وليس لها عائلة في نيويورك.” ليلى، ابنة مارك ونيكول، تختفي في ليلة عيد الميلاد ولم يعثروا لها على اثر..اليسون هاريسون التى تعاني من تبكيت الضمير، لدهسها طفلا، مات في الحال، والذي يقض مضجعها ويسلب منها راحة البال على مدى خمسة سنوات مضت، مما يجعلها تنقاد خلال هذه السنوات، على الرغم من إرادتها الى تعاطي المخدرات واحتساء الخمور بأفراط شديد..تبحث عن من ينقذها مما هي فيه”- بماذا تشعرين؟ سأل الطبيب. – قتلت شخصا.- من انت؟ – أنا أليسون هاريسون. تقدم كونور بعض خطوات بأتجاه النافذة. من خلال الزجاج، في الشارع، رأي امرأة شابة تستند الى مقدمة السيارة.- وأين انت الآن يا أليسون؟ – اسفل شقتك تماما.
(الحبكة بأستخدام التطور في الذكاء الاصطناعي)
يبدأ السرد في ليلة عيد الميلاد، يستمر لساعات او لفترة هي اقل كثيرا، من يوم؛ في لقاء ين منفصلين ولكنهما متزامنين، اذ، يتعرض الدكتور كونور الى سرقة حقيبته من قبل ايفي وهو في طريقه الى شقته، في اللحظة ذاتها وفي مكان أخر، تتعرض نيكول بعد خروجها من حفلة موسيقية احيتها في ليلة عيد الميلاد الى مهاجمة احد المجرمين وفي لمح البصر، ومن حيث لم تتوقع ينقذها متشرد، في الوهلة الاولى لم تتعرف عليه، ولكنها في الثانية التالية وحين تنظر في وجهه، تعرف انه زوجها، الطبيب النفساني، مارك. مارك الذي بعد ان عجز عن العثور على ابنته التى اختفت بغتة. ظل مصرا على ان ابنته حية، وفي مكان ما من الولايات المتحدة، وهي الآن، كان يتصور أو ان هذه الصورة كانت راسخة في عقله الباطن، من أنها حية، وتتعرض الآن وفي هذا الوقت، للتعذيب من خاطفيها. لذا، وتحت يقينية هذا الحس الملموس ذهنيا؛ يهيم في شوارع المدينة، متشردا لخمسة سنوات خلت حتى لحظة، انقاذه لزوجته، عله يعثر عليها او على اثر منها، يدله عليها. في هذه اليلة التى انقذ فيها زوجته، نيكول، من موت محقق، تأخذه نيكول الى البيت، ليمضي فيه ليلة واحدة. لكنه وفي فجر جليدي لليوم التالي، يغادر البيت، ضعيفا، هشا، يجر اقدامه جرا على سطح الشارع الجليدي، وتحت تهاطل ندف الثلج. نيكول تتابعه بنظرات عينيها، حين لم تتمكن من ثنيه من الخروج في العاصفة الثلجية، تبصره عندما سقط على الثلج الذي غطا وجه الطريق. تتصل بكونور، الصديق المشترك؛ ليعاونها في انقاذ زوجها المتشرد والذي سقط توا على ثلج الشارع، كي يساعدها في العودة به الى الشقة. في هذه الاثناء، تتلقى نيكول من الشرطة، اتصالا، يبلغها، من ان ابنتهما حية وتم العثور عليها في لاس فيغاس، من قبل الشرطة.. مارك بعد ان يحلقا لحيته، زوجته وصديقه، الدكتور كونور، ويبدلا ملابسه، يذهب الى هناك، كي يعود بأبنته، يذهب وحيدا، من دون ان ترافقه زوجته التى رفضت، مما يثير لديه الكثير من الاسئلة والكثير من الاستغراب.. في الطائرة التى تعود به ومعه أبنته ليلى، والى جانبه، تجلس ايفي، الشابة الضائعة، ومن الجانب الثاني،تجلس ابنته ليلى التى عاد بها حية. يتعرف على ايفي التى تقوم بسرد حياتها له، بطريقة الفلاش باك، تسرد بضمير الغائب وليس بضمير المتكلم! كما تقتضي تقنية الاسترجاع. ايفي التى تعيش مع امها المصابة بتلف الكبد، حياة بئيسة جدا، تعمل عاملة تنظيف في احد الفنادق الراقية، كي تتحصل على المال اللازم لأبدال كبد امها التالف باخر حي، عندما يأتي دورها، تصاب بالخيبة حين ابلغها الدكتور من ان امها لايمكن اجراء عملية الابدال لها، لأنها قد تناولت الخمور في الفترة السابقة،مخالفة لتعليماته. الأم تصر على انها لم تحتسِ اية خمرة خلال هذه الفترة، لكن الطبيب من جانبه، يؤكد على احتساءها للخمرة، ويكشف لها، نتائج الفحوصات المختبرية.. وهو ايضا ومن جهته يقوم بذات الشيء، من الروي لحياته السابقة. عبر فصول ومحطات من السرد موزعة على شكل افلاش باك لحياة الشخصيتين. ويلتقي اثناء الرحلة وفي المكان المخصص لتناول المشروبات والاطعمة في الطائرة، في الطابق الثاني منها؛ ب أليسون هاريسون، ابنة الملياردير هاريسون الذي مات منتحرا بعد اصابته بمرض الزهايمر. اثناء احتساءها للخمرة تنجذب الى مارك الذي يشترك معها، على نفس الطاولة، لتبدأ بسرد حياتها له وايضا بطريقة الفلاش باك، وما تعانيه من تكبيت الضمير، بسبب دهسها طفلا في ليلة ممطرة وعاصفة. يجعلها هذا الاحساس، تعيش في التيه وفي احتساء الخمور بأفراط، بالاضافة الى المخدرات، كي تتخلص ولو لفترة من وجع الذنب الذي يمزقها من الداخل.. ويدمر حياتها.. الشخصيات الثلاث، وفي عقلها الباطن تحمل ألم ممض يسلب منها الراحة، ويجعلها تضيع في دورب الحياة. المكاشفة بين الشخصيات الثلاث والذي يقود هذه المكاشفة، هو الدكتور مارك، الذي يحاول ان يدفع ايفي الى الحياة والى الصفح عن الدكتور الذي تسبب في موت امها؛ موضحا لها، من انها، سوف تظل لاحقا، تعاني من هذا الانتقام، أن هي اقدمت عليه. وذات الفعل يقوم به مع أليسون عندما تعاني من ثقل الجريمة الغير مقصودة والتى اقترفتها في الليلة الماطرة تلك. يجري هذا السرد، في لعبة سردية تجريبية، غاية في المهارة، وفي الاسلوب، وفي متبنيات الحبكةالمحكمة،التى تجعلنا نتشارك مع معاناة الشخصيات، وندخل عاطفيا في صلب الاحداث وتطورها وسخونتها في شد ممتع ومذهل. تستمر الرحلة لساعات طويلة. حين تحط الطارئة في المطار، يفاجأ مارك من لاأحد في الطائرة من بقية الركاب ألا هو وايفي وأليسون ، والطائرة فارغة تماما ولاأحد غيرهم فيها، حتى الطاقم والمضيفات لاوجود لهن فيها، يبحث في زوايا الطائرة الفارغة الا منهم. لكنه، وفي الثانية التالية، حين يرجع الى مقعده في الطائرة الى جانب ابنته، ينذهل، حين ينظر الى مكانها الفارغ، وصوتا اخر، ومن مكان ما من بطن الطائرة، يقول له: بابا، أنا ميته. تتوالى عليه وايضا على بقية الشخصيات، المفاجأت السريالية والواقعية في الوقت ذاته، في لعبة ماهرة، لسرد مدهش، ومكتنز بالمعاني والرسائل المعرفية والتى سوف نأتي عليها، لاحقا، في هذه السطور؛ تعرف أليسون، وبطريق الصدفة ومن خلال نقش مرسوم على ذراع الطفل الذي دهسته، من ان الذي تسببت في موته، لم يكن طفلا، كان طفلة، ليلى، هي ابنة رفيقها في السفر، الدكتور مارك الذي تبوح له، حينها، بهذه المعلومة..في الدقائق التالية، يطلعنا الدكتور كونور ونيكول، زوجة، مارك؛ من ان الجميع كان الدكتور كونور، قد قام، بأجراء طريقة جديدة في العلاج النفسي والعصبي، كي ينزع من العقل الباطن للشخصيات الثلاث، ما سيطر عليها من وهم، سواء وهم الانتقام او وهم الابنة الميتة والتى لم تزل حية في لاوعي مارك او وهم تبكيت الضمير في زمن لم يعد فيه، هذا التبكيت مفيدا. في النهاية يقول الدكتور كونور؛ من ان هذه الطريقة، كانت في السابق، تستغرق سنوات وفي جلسات لاحصر لها، لكنها، الآن، في ساعات، بالعلاج السايكولوجي بالتنويم المغاطيسي وبأستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي.” اليوم عيادة موزارت، السابعة مساء. ثلاثة اجساد. مارك وأليسون وأيفي. ثلاثة اجساد ممدة جنبا الى جنب في رواق المستشفى، ثلاثة اجساد وضع كل منها داخل مقصورة صغيرة عازلة للصوت على شكل شرنقة. ثلاثة رؤوس غطيت بخوذة مزودة بأقطاب كهربائية موصولة بجهاز كومبيوتر. كان كونور و نيكول يقفان خلف لوحة المراقبة، ينتظران بقلق استيقاظ المرضى الثلاث من حالة التنويم المغانطيسي التى غرقوا فيها منذ ساعات.” . في الخاتمة تنجح الشخصيات في التخلص مما ترسب في عقلها الباطن، لتمارس حياة طبيعية وتتقدم فيها وتحقق ما تريد وتصبو اليه؛ كأيفي التى وبمساعدة الدكتور كونور، تصبح طبيبة متدربة، تخطط للزواج بالدكتور كونور..
(الدلالة والرسائل المعرفية)
في ضاحية من ضواحي لاس فيغاس، حيث عاشا كل من الدكتور مارك والدكتور كونور، صباهما وجزءا مهما من شبابهما، تنتشر البيوت المتداعية، التى تعشش فيها الجريمة والمخدرات، واخرى وفي ساحات هذه الضاحية حيث تكثر، شاحنات النقل التى عفى عليها الزمن والتى تركت هنا كأنقاض خرجت من العمل، ولكنها، دخلت في الخدمة البشرية،بأستخدامها من قبل المهمشين ومن الذين لاماؤى لهم، كبيوت لهم ولعوائلهم. يذهبون في كل صباح للعمل في لاس فيغاس، وفي القلب منها، والتى تنتشر فيها مراكز الاعمال والمال والتجارة وناطحات السحاب. أيفي، واحدة من هؤلاء الذين اتخذوا من شاحنات النقل المتروكة، بيتا لها هي وامها. تذهب كل اليوم للعمل كمنظفة في فندق أواسيس العريض ” هنا حيث كل شيء ضخم: الحديقة الداخلية، مزروعة بألف نخلة، يجتازها نهر صغير يغطي شاطئه رمل ناعم، حديقة الحيوانات حيث تتمازج الاسود والنمور البيضاء، المساحة الجليدية حيث تعاني طيور بطريق بدينة مع حوض الكائنات المائية بمائه البالغ مائة ألف لتر، بحيث يسع استقبال دولفينات.” في الجانب الاخر من إمريكا، في مانهاتن، في زمن لاحق من حياة التشرد للدكتور مارك التى عاش فيها، في احشاء المدينة، تحت ناطحات السحاب التى ترتفع في نيويورك، في مانهاتن، وتنتشر فيها ايضا، فوق الارض، على السطح، مراكز المال والاعمال والتجارة، في الجانب الغاطس، تحت الارض حيث عاش الدكتور مارك، حياة التشرد، في مترو الانفاق، او في قنوات المجاري، يعيش المشردون من الذين لا عوائل لهم تلزمهم بالكفاح من اجلها ولابيت لهم ولامأوى لهم يلوذون به من المطر والبرد والثلج ” نيويورك الفضلات الادمية التى تروي شبكة واسعة من الانفاق، من الكوى والفجوات، آلاف من البشر الخلديين الملفوظين الى الاعماق السحيقة، بدواعي الهرب من صلف البوليس، يجدون انفسهم محصورين داخل الانفاق القذرة وسط الجرذان والغاط..” في الدولة الاغنى والاقوى في العالم، الولايات المتحدة الامريكية، يكثر فيها، المشردون الذي يعيشون في الشوارع وفي الزوايا المظلمة، أذ ينخر الجوع فيهم ويسلب منهم انسانيتهم، تائهون في المحطات والمطارات، في الاركان غير المرئية، يبحثون عن ما يسد رمقهم، ويسكت صراخ المعدة الفارغة” ايفي في الخامسة عشر من العمر ذات منظر قوطي. كانت قد امضت ليلتها الفائتة نائمة على احد المقاعد ولقد خلف ذلك لديها ألاما موجعة. كانت بطنها تبقبق، ومفاصلها تطقطق، وعظامها من الهشاشة بحيث توشك ان تتقصف. نظرت برغبة الى الكونتوار حيث يقدمون قهوة الستاربكس والحلويات، لكنها لم تمتلك في جيبها ادنى دولار. خلسة، تحت وطأة الجوع، التقطت من سلة قمامة الكوفي شوب فضلة جاتو وكأسا بداخله راسب عصير البرتقال”. عندما يسود التحكم للمال في العلاقة الانسانية، ويتحكم في كل مفاصل الحياة والعلاقات بين البشر، تتراجع القيم الانسانية، لتخلي مكانها للقسوة والقهر” لم يعد لديك قلب ولا أنسانية. لقد تلوثت بكل ما تجلبه النقود من مساؤي: الاحتقار وفقدان القيم. ما زلت لا تفهمين ان الثروة لاتمنح الحقوق فقط وإنما تتطلب ايضا الواجبات..”. في مقطع من الرواية والذي كان تحت العنوان التالي ” 2001-2006: سنوات الظلام” هذا العنوان الذي شكل العتبة لهذا المقطع؛ يحمل رسالة معرفية ذات دلالة واضحة، تقودنا وبمساعدة النور الذي تسلطه كلمات جسد هذا النص من السرد الى معرفة المعاني العميقة لهشاشة جبروت القوة وضعفها الكامن في اعماق نظام قوتها الاعظم، التى تحملها سطور هذا المقطع” اين كنت هذا الصباح؟ اليوم التالي، 11أيلول-سبتمبر2001- ليلى، خذي حقيبتك، ستتأخرين عن مدرستك وأنا عن عملي.- ألم تكوني تعرفين أنني كنت ميسكلور؟ – من هو ميسكلور؟ – الرجل الاكثر قوة في العالم. – أرى السيارة صرخت ليلى. هل استطيع فتحها بواسطة جهاز الانذار؟ ناظرا الى ابنته وهي تصدر اوامر الفتح الاوتوماتيكية للأبواب، تساءل مارك من اين بوسع الخطر ان يأتي. كان الهواء عليلا، وأبدا لم تكن السماء زرقاء كما هي عليه الآن. قبل ان يستقر امام المقود، ألقى نظرة الى ساعته: أنها الثامنة و45دقيقة. بعد اقل من دقيقة ستصدم الطائرة البرج الشمالي. بعد اقل من دقيقة، ستفقد نيويورك معالمها الرئيسية وكل يقينياتها.” ..