تباينت التيارات الاسلامية الليبرالية والتقليدية في تفسير الديمقراطية تبعاً لتجربتها الانسانية وخبرتها العملية في الادارة والتنظيم للحياة السياسية للدولة وقدرتها على بلورة فهم جديد للرأي العام لتقبل افكارها واراءها .
وتنقسم هذه التيارات الى قسمين ، الاولى تؤكد على أن الديمقراطية ليست مبدأ وانما اداة ، والاخرى تؤمن ان الديمقراطية مبدأ اساسي للنظم السياسية للتعامل مع المواطن بحقيه المدني والسياسي مما ينبغي التمسك بها كمبدأ ينبغي اعتمادها في الحياة السياسية المعاصرة ، وكلٌ منهما له حجته في تفسيرها واعتمادها في نهجه وسلوكه لمفهومي المبدأ والاداة .
القسم الاول ينظر ان نجاح أو فوز عدد من المرشحين وتبوأ مراكز في السلطة والقرار بالرغم من وجود نقاط سوداء في حياتهم السياسية مما يشكل تراجعاً عن قيم المبادىء التي تناضل الشعوب من اجل اشاعتها ، فلو كانت الديمقراطية مبدأ لما سمح لهؤلاء بالصعود ، لذا فانها اداة للوصول الى السلطة والحكم . اما القسم الثاني فيعتبرها مبدأ كونها يرتكز عليها الحكم الرشيد وبدونها لا يمكن أن تتحدد العلاقة بين المواطن والسلطات أو بين الفرد و الحاكم . وامام هذه التصورات لمفهوم الديمقراطية في كونها مبدأ او اداة نرى ان التيارات الاسلامية العراقية بدأت تتجاوز هذه الاشكالية كي لا تلصق بها التشددية والتخلف ومعاداة الديمقراطية وبالتالي لم توقف برامجها السياسية في حدود المبدأ او الاداة وانما ركزت على النتيجة النهائية في ممارسة الحكم الرشيد وبناء دولة المؤسسات . واكدت ان الصعود الى السلطة ليس هدفاً وانما وسيلة لبناء وادارة الدولة وتقديم الخدمات للمواطن . ان الذي يهمنا هو بروز و تنامي دور التيارات الاسلامية المسيسة وتأثيراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية على المجتمع بالرغم من توفير بعض متطلبات وحاجات الناس من خلال استقطاب اعداد كبيرة من الشباب العاطل عن العمل واعطائهم الوعود بايجاد منافذ عمل لهم وتعينهم في دوائر الدولة او في المكاتب والفروع التابعة لها مما اوجد نوعاً من عدم الولاء المطلق والايمان بفكر وطروحات هذه التيارات مما شكل تحدياً لاستقرار وتطور النظام السياسي في البلد ، فضلاً عن التشكيك في نوايا هذه التيارات . نعتقد أن الماضي بالرغم من جراحاته المريرة في الاجساد والنفوس والعقيدة الا انه شكل مرحلة مهمة من مراحل الرأي في عصر العولمة . وبالتالي اعتناق الديمقراطية لا يعني القفز على الحاضر حتى وان كان متعثراً لان طريقها غير معبد ولا يهمنا سواءاً كانت مبدأً أو اداةً وانما مشروعاً للبناء والتطور .