كتب غضنفر لعيبي : لم يمنع الوضع الامني السيء شبانا عراقيين من التعبير عن انفسهم بممارسة الغناء والعزف والرقص التعبيري وفنون اخرى، في محاولة لبث الامل في بلد تعود على عنف تبدأ به نشرات الاخبار، وعاجل يومي ينذر بموت العشرات.
يقول عازف العود منتظر سادة من اهالي مدينة الصدر، لـ”العالم” ان القتل الذي يحصد ارواح الناس يوميا لن يؤثر على عمل شباب واع يقدم الفرح في بلد الحزن، مضيفا ان “رسالتنا هي الحب والسلام، ونخاطر بحياتنا من اجل ان يعرف العالم أجمع ان في العراق حياة وطاقات شابة تعمل على نشر مفاهيم الحب والجمال، ولا يزيدنا الموت سوى اصرار على المضي بمشروعنا في طريق السلام”.
ومضى سادة إلى القول، “الموسيقى اداة للتغيير، ونحاول ان نجسد الفرح بنوتات موسيقية يتفاعل معها الناس الذين فقدوا الامل بالحياة”، موضحا ان “الالحان التي نقدمها تختلف عن الاغاني الصاخبة التي يؤديها الشباب في الوقت الحاضر”.
وتابع، “نتخذ من الموسيقى وسيلة لتثقيف الناس ولنشر الوعي، ومن المستحيل ان تكون وسيلة لكسب العيش في العراق”، موضحا انه يشتغل بالاعمال الحرة (عامل تأسيسات صحية)، لأن “الحياة تجبرني على العمل واعالة عائلتي المكونة من 5 افراد”.
وزاد، “لن اتمكن من الذهاب الى حفل موسيقي ستيقيمه مؤسسة ثقافية يوم غد الخميس، لأني لن استطيع ان اترك عملي، وسيحيي الحفل زملاء لي”.
الشابة نورا ترقص الدراما دانس مع مجموعة شباب لا تتجاوز اعمارهم الـ 18 سنة، تضطر الى وضع قطعة قماش على وجهها عند مزاولتها الرقص التعبيري في الاماكن عامة، ولا تؤدي رقصاتها في اي مكان خوفا على حياتها.
نورا لم تتحدث لـ “العالم”، الا بعد ان تأكدت بأننا لن ننشر اسمها الصريح ولا نلتقط صورة لها، قائلة ان “الوضع في العراق مرتبك جدا، ولا يمكن لفتاة مثلي ممارسة هوايتها بحرية، بوجود قتل بسبب وبدون سبب”، واضافت ان “المجتمع العراقي لا يعرف معنى الحريات الشخصية، ولا يتفاعل الا القليل مع هذا النوع من الفنون، بسبب العزلة عن العالم الخارجي، والاهتمام بأمور بعيدة عن الفن والثقافة”.
واضافت الشابة ان “الحركات الراقصة التي اقدمها بمرافقة مجموعة من الشباب والشابات عادة ما تكون في اماكن مغلقة بعيدة عن اعين الناس، واذا ما أدينا حركاتنا في مكان، عام فيجب ان نثق بكل الحضور ونغطي وجوهنا، ان يكون المكان مؤمن”.
فيما قال حسن الفريداوي وهو عازف وشاعر “ليس هنالك اهتمام من قبل المؤسسات الحكومية بطموحات الشباب، ولم توجه الينا اية دعوة حكومية لأقامة حفل موسيقي او امسية ثقافية، اعتقد ان الحكومة منشغلة بأمور اخرى غير الفن”.
واضاف الفريداوي “نحاول ان نقدم موسيقى هادئة تبعث الهدوء والطمأنينة عند العراقيين لأنهم سأموا اخبار القتل والعنف” وقال، “ننفق من اموالنا الخالصة من اجل المشاركة في امسيات ثقافية وموسيقية وليس هنالك اي دعم لجهدنا، ولا يهمنا المال بقدر ما يهمنا كسر حاجز الخوف والرعب ، ونحاول ان ننسي المواطن العراقي همومه اليومية”.
وأشار الفريدواي إلى “المعزوفات التي نقدمها، تجعل العراقيين ممن يتابعنا يعيشون ولو للحظات بأجواء تبعدهم عن هموم البلد والاحداث المؤلمة التي تمر يوميا على المواطن العراقي”.
واكد أنه يفكر في “اقامة حفل موسيقي في حديقة عامة في المناطق الشعبية”، وأوضح أن “العزف والغناء الذي يقوم به الشباب يبث روح الفرح الغائب مع اتساع دائرة العنف التي تضرب البلاد ولا تستثني مناطقهم الشعبية”.
وقال أيضاً، “من المستحيل ان نقدم موسيقانا في اندية ليلية لأنها اساءة للذوق العام وللأنسان، وانا على استعداد للعمل في البناء(العمّالة) ولن اشتغل في ملاه ليلية”.
الصبية روان سالم لم تتجاوز الـ 12 من عمرها، تعزف على آلة الاورغن وتغني، وهي من اهالي مدينة الحلة قالت لـ “العالم”، ان “رسالة الحب والسلام يجب ان تصل من خلال العزف والغناء والثقافة والعلم، ولا يمكن القضاء على احلامنا بالافكار السوداء التي يحاول الارهاب زرعها”.
واضافت ان “الجمال لن يتحقق في العراق بوجود الخوف، والموسيقى نوع من انواع الجمال، وادعو الناس جميعا لسماع الموسيقى لأنها غذاء الروح ومن خلالها نتمكن ان ننشر مفاهيم الخير والسلام”.
واشارت الى انها “مستعدة للذهاب الى اخطر الاماكن من اجل ان ادخل الفرح الى قلوب الناس من خلال العزف والغناء”. وبينت، ان “الذين يعملون بمجال الفن هم قليلون جدا، الا ان الشارع العراقي يتفاعل معنا ونلقى ترحيب كبير اينما نعزف”. وتابعت،”كلما يضغطون زناد لقتل الابرياء، ترتفع اصوات اخرى تنادي بالحب والسلام”.