يبدو أن التوفيق ليس حليفا لولي العهد السعودي قط. الرجل يخسر في كل الجبهات. اليمن. إيران. سوريا. قطر. العراق. الانفتاح. التحرر. حقوق الإنسان. حتى جبهة الترفيه خسرها بإمتياز واضطر إلى غلق كافة المرافق السياحية والترفيهية بسبب فايروس كورونا. اخرها حرب اسعار النفط المستعرة مع روسيا والتي بدأت تطلق النار الى الخلف في وجه بن سلمان.
لا شك أن السعودية وروسيا، قصدتا تحطيم اسعار النفط، عندما قررتا انهاء تفاهم عمره ثلاث سنوات، دفع بأسعار النفط الى الصعود وحافظ عليها. بعد أسبوعين من ذلك، ومع وعود المنتجين بضخ أربعة ملايين برميل إضافية يومياً الى الأسواق عند اكتمال الشهر، موسكو والرياض، تجدان نفسيهما أمام ضرورة حساب كلفة ذلك القرار وأخذه في نظر الإعتبار بمحاولة إعادة ترتيب الإنفاق الحكومي.
في الوقت الذي يبادر فيه الروس الى تأجيج الحرب بضخ ٥٠٠ الف برميل إضافية يوميا وطمأنة السوق بأن لديهم ما يكفي من الموارد لسد عجز الموازنة عند مستوى ٢٥-٣٠ دولار للبرميل على مدى ٦ الى ١٠ سنوات دون الإضطرار الى ضغط النفقات فإن بن سلمان أعلن هذا الاسبوع انه سيقلل الإنفاق الحكومي بمقدار ١٣،٢ مليار دولار ( ٥٠ مليار ريال سعودي) وهو ما يعادل ٥% من مصروفات الموازنة العامة لعام ٢٠٢٠. ومع أن الحكومة السعودية قالت أن تقليل النفقات سيشمل الفقرات ذات التأثير الأقل اجتماعيا واقتصاديا فإن سرعة تأثير تراجع الأسعار لا يبشر بخير ويؤكد أن اقتصاد المملكة السلماني الريعي هش وغير قادر على الصمود عكس الإقتصاد الروسي المنوع والقوي نسبياً.
روسيا طبعا لن تنجو من خسائر لا بأس بها ومن تراجع معتبر في الإيرادات ومصادر الموازنة، خصوصا مع الركود الإقتصادي العام الذي فرضه وسيفرضه فايروس كورونا هذا العام والعام الذي يليه على الاقل. حسب التقديرات سيكون هناك تراجع في الإيرادات الروسية بمقدار ٣٩،٥ مليار دولار امريكي، (٣ ترليون روبل) إلا أن وزير المالية الروسي أنتون سيلينوف لا يتوقع حصول أي عجز في الموازنة الآن. المراقبون يتفقون مع الوزير الروسي لأن البلاد ليست اقوى ماليا فقط، وإنما اقتصاديا وسياسيا. في هذا الخصوص يشيرون إلى القدرات المتواضعة للقيادة السعودية وتخبطها في العديد من الملفات وارتباك احوال آل سعود عموما، ويراهنون على الطرف الذي سيخفض طرفه الأول وينكس رايته ويستسلم.
يرى أغلب المتابعين ان بن سلمان أخطأ في حساب قدراته المالية ولم ينتبه لتأثير الوباء الذي قلص الطلب على النفط اضافة الى الإنخفاض الحاد في الأسعار، وسيجبر، أيضا حسب توقعات المراقبين، الى الإعتماد على احتياطياته النقدية الإستراتيجية في وقت لم بحاجة أبدا الى حشر نفسه وبلده في عنق الزجاجة.
وكالة فيتش الدولية للتصنيف الائتمانى تقول ان السعودية بحاجة إلى سعر ٩١ دولار/برميل لكي تتعدل موازنتها المالية للعام الحالي، وخلافا لإدعاء بن سلمان ان بلاده قادرة على التأقلم، تؤكد الوكالة ان استقرار السعر عند ٣٠ دولار للبرميل لمدة اطول سوف يستنزف الثروة السعودية بوتيرة أسرع وسيؤدي إلى إيقاف الكثير من المشاريع التنموية ويعطل خطط رؤية ٢٠٣٠ التي يعول عليها بن سلمان كثيرا لإثبات وجوده، بينما هناك احتمال كبير ان المشاريع غير النفطية قد تنتهي كليا بسبب الركود الاقتصادي الفايروسي.
تقول مذيعة الجزيرة اللامعة غادة عويس في واحدة من تغريداتها الأخيرة: دعوا كورونا تأخذني. الوباء أهون من الغباء.