كورونا .. البشرية في لحظة اختبار !

كورونا .. البشرية في لحظة اختبار !

خاص : بقلم – أحمد عبدالعليم :

منذ فترة ليست بالقليلة والحضارة الغربية، في طبعتها الأخيرة، تخضع لاختبارات جسيمة تتعلق بكينونتها، بقدرتها على إظهار هذا الجانب الإنساني الذي زعمت في مرحلة ما أنها تعبر عنه، وفي واقع الأمر أنها قد فشلت في معظم هذه الاختبارات تباعًا، إذ إنها عبر مجموعة منها مازالت تكرس لنمط عيش لا يكشف سوى عن تلك الجوانب البدائية في توافقاتنا البشرية التي نعيش عبرها، والتي تجلت خلال العقدين الأخيرين عبر تغيرات مفصلية في مفهوم مركزي في الحضارة الغربية وهو (الفردية).

تمثل هذه المفردة مفهومًا مركزيًا في الفكر الليبرالي الحديث، وربما كانت مفردة ذات أهمية ودلالة عندما تجلت عبر تناقضها الحتمي مع (الجماعة)، البحث عن (الذات) في مواجهة (الجماعة) وهو أمر يتسم بالمنطقية، غير أن التحولات الإبستمولوجية، ومن ثم الاجتماعية التي طرأت على المفهوم بعد غياب (الجمعي) اتسمت بالقسوة، تجلي الجشع، الأنانية، غياب التعاطف، إعلاء الغرائز الأولية، التمركز حول (الذات) في تجليها البدائي والأولي، الخوف من الآخر، التشكك في الغرباء، النهم المفرط في ماديته، غياب الإحساس بالأمان، تجليات تجعل من هذا الإنسان الذي سعى عبر عصور طويلة للتخلص من أوهامه الأولى، واسبعاد مخاوفه البدائية عبر رحلة الثقافة التي تأسست من خلال صيغ التعايش المشترك، يقف وحيدًا معزولًا في مواجهة “الرعب”.

هنا يأتي الاختبار في تجليه (الهزلي)، الذي يتسم بالقسوة، فالعزلة (غير الاضطرارية لم تعد اختيارًا، بل أصبحت اضطرارًا، الفصل والعزل لجماعات بشرية لم يعد يجدي أو ينفع، لا مفر من الاتصال المشترك، وهذه المرة عبر رسالة (مرعبة)، “كورونا لا يصيب الفقراء وحدهم، لسنا بمنأى عن الإصابة بأمراض الفقراء”، وهذا سر توحشه كما يعتمل في أذهان القائمون على إدارة العالم. ومن ثم على الجميع أن يختار العزلة. قرارات جنونية تشي بخوف يصل لحد الرعب، حظر تجوال، منع المخالطة، توقف الحيلة كما كنا نعرفها قبل تفشي هذا الرباء غير الطبقي بإمتياز، الفقراء حاضرون بقوة في المشهد.

وما أعرفه أن هذا “الفيروس” ليس نهاية العالم، كما يزعم البعض، ولكنه ربما يمثل السؤال الأخير الذي تطرحه الطبيعة على البشرية في مفترق الطرق؛ مثل هذه الأسئلة التي كان يطرحها الكائن الخرافي (أبو الهول) على المارة قبل العبور وشرطًا للعبور، وهو ما يستدعي إجابة مناسبة تضع الإنسان على طريق جديد يمكنه أن يتسع للبشر جميعًا.

يوجد الإنسان في هذه اللحظة، التي تتسم بـ (الموات/الجمود)، وفي هذا العالم الذي تسوده الحاجة والندرة والعنف والإستلاب ويصير فيه (هو) نتاج لإنتاجه، بما يعني أن العمل الذي يقوم به، أي عمله الخاص وقد انقلب عليه، يصبح إنتماءه (هو) لمجموعة عاجزة تحكمها قساوة المادة، حيث يشعر البشر جميعهم بالخضوع لما هو أقوى منهم، ولا سيطرة لهم عليه، محكومين بالهموم المعيشية اليومية، مقتولين بالوحدة، غير مبالين بالشأن العام، وفي ظنهم أن هذا هو العادي/الطبيعي، في نظام (طبيعي) بل وضروري، لا يد لهم فيه ولا مفر لهم منه، حيث لا يعرفون حياة أخرى، في هذه الأثناء لم يصل البشر بعد إلى (التاريخ) ولم يشارك الإنسان بعد في صناعته، لأن التاريخ يبدأ حيثما تبدأ مجموعة من البشر في امتلاك مشروعها الخاص، حيث المشروع يعبر عن (حرية فردية) و(خلاص جمعي).

من الضروري أن نعيد النظر في هذا النمط من العيش، وأن نتذكر أن أسوأ جريمة للإنسان (الجريمة التي لا تغتفر)؛ تتمثل في اعتقاده بتفوقه (الشخصي)، وفي معاملة الناس على أنهم أشياء، وإن يكن ذلك باسم العرق أو الثقافة أو الرسالة… إلخ، وأن ندرك أن الأمل الوحيد في ألا يلقى “أحدنا” من “أمثاله” معاملة مجحفة، يكمن في إحساس الجميع إحساسًا مباشرًا (وهو في مقدمتهم) بأنهم موجودات “متألمة” ومن ثم في قدرتهم على “العطف” الذي يمكن أن يمنح القوانين والعادات والتقاليد والأعراف معنى أعمق وأكثر إنسانية، والتماثل مع جميع أشكال الحياة، بدءًا بأشدها تواضعًا، من أجل أن يتيح للناس (في عالم تزيد زحمته من الاعتبارات المتبادلة) العيش معًا، وأن يعيد (بديهته الأولى) بوصفه (موجودًا حيًا ومتألمًا) شبيهًا بجميع الموجودات الأخرى، قبيل الانفصال/التمايز عنها باعتبارات ومعايير تابعة وهامشية تؤكد على البنية العميقة للامساواة وتبررها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة