حاجة المجتمعات ، حيوانية او بشرية ، للقيادة امر ازلي ، فصائل اخرى سبقتنا لهذا بكثير لكننا، مثلها ، الوحدة والخوف دفعانا الى الاستئناس، حتى بات صفة ملازمة لنا في جيناتنا ، لكن يبقى الانسان الوحيد الذي يعي ذلك باعتباره حاجة انسانية بالاضافة لكونه امر غرائزي، وبتوسع المجتمعات البشرية وتعقد حياتها وجدت السلطة ، والسلطة هنا مفهوم موسع للقيادة وان بقي معتمدا على الفرد، القائد ، ومنذ هذا التوسع الكبير في المجتمعات حتى يومنا هذا وجد نظامان اساسيان للحكم ، دكتاتوري و ديمقراطي ، والاخير حديث جدا بحسابات التاريخ البشري رغم عراقته متمثلا ببعض الانظمة عند الهنود والاغريق ومحاولاتهم الجادة في تعزيزه فضلا عن تجارب اخرى ولكن في مجتمعات صغيرة قضت عليها الامبراطوريات الكبيرة كالفارسية والرومانية والاسلامية والمغولية .
تصنيف انظمة الحكم وحصرهما بهذين النظامين فقط يجعلنا نقع باشكال يجب التعريج عليه ، فحين نقول عن نظام ما انه ديكتاتوري ، نساوي في هذا بين عبد الكريم قاسم وكاسترو وشافيز وبين صدام والقذافي وهتلر ،ويواجهنا الاشكال ذاته عند اطلاق صفة الديمقراطية على انظمة امريكا والمانيا وفرنسا بنفس الطريقة التي نطلقها على الانظمة الحالية في العراق ولبنان وروسيا ، رغم ان الاليات واحدة ، ونفس الامر ينسحب على مقارنة مجتمعات كاليابان والسويد وسويسرا مع مجتمعات كالعراق و افغانستان والسعودية ،
مايهمنا من هذا هو التباين بين المجتمعات ، كثير من المهتمين يرون ان انظمة الحكم الديمقراطية غير صالحة لكل المجتمعات ، وان المجتمعات المتخلفة تحتاج لانظمة ديكتاتورية ، لانها لاتقاد الا بالقوة ، وفي هذا وله الكثير من المبررات المقنعة ، وكان يمكن ان يكون رأيا راجحا في الصواب لولا انه اغفل ان السلطة هي التي تربي المجتمع وليس العكس وان الناس على دين ملوكهم ، وان المجتمع الصالح قد ينجب قائدا صالحا او طالحا ، فلا يمكن انكار الصلاح على مجتمع وجد فيه بعض الطالحين ، لكن الحاكم الصالح يؤسس لمجتمع صالح بالضرورة ، لذا فان الارضية غير المهيأة للديمقراطية ليست عذرا يعتد به كثيرا ، الا اذا وجد الدكتاتور العادل ، وهذا امر صعب ان لم يكن مستحيلا في مجتمعات سلمنا مسبقا بجهلها ، وتعذرنا بعدم اجادتها للقراءة والكتابة فكيف يمكنها الادلاء بصوتها في الانتخابات التي هي وسيلة من وسائل الديمقراطية ، وهذا ايضا ليس مبررا كافيا ، رغم وجاهته ، لانك ترى ، احيانا ، رجلا اميا بمستوى وعي وادراك يفوق كثيرا مستوى من هو في منصب كبير في السلطة ،
لذا فلينتهي هذا الجدل ولنقبل جميعا بالصندوق كحكم ، لاننا لابد ان نبدأ به يوما ما ، فلم ليس الان مادام فيه منجاة للجميع ، ولايمكن الاحتكام لغيره خصوصا في هذه المرحلة ، ولكي نسير في ركب نظام اثبت صلاحه ونجاحه في اغلب بلدان العالم المتحضر علينا ان نساعد الناس على فهمه ونرشدهم لحسن الاختيار بدل تقريعهم تارة والنقمة على التجربة تارة اخرى ، فالتجربة العراقية تبقى تجربة مميزة في المنطقة رغم نواقصها وكان يمكن ان تقطع شوطا متميزا بزمن قصير لولا تعثرها نتيجة الاستهداف الخارجي وما خلفه من تكتلات طائفية ، وما دعوات عدم مشروعيتها الا دعوات اقل ما توصف به الجهل واتباع مأرب خاصة ، فالانقضاض على هذه العملية السياسية وفشلها لن يفضي لاي شي الا تفتيت العراق ارضا وشعبا .
ما نحتاج الى معرفته وادراكه والعمل على اساسه هو هذا التنوع والتباين والاختلاف الكبير الذي يكتنف مجتمعنا ، والبحث عن اكثر الناس بعدا وتجردا عنه لحكم هذه البلاد ، فنحن في العراق ، كما في كل البلدان ، لايمكن ان نتفق حتى على القيم التي وصفت بالمطلقة فالحق عندي باطل عند اخر وما يراه جميلا اراه قبيحا والخير اذا كان عندي ان اهدي جاري طبقا من طعام قد يكون عند غيري ان يهديه لغما يرسل اشلائه للسماء قبل روحه لمجرد اختلاف في الرأي وهو يظن في ذلك خير ، ونحن لم نستطع الاتفاق ، ولا غيرنا، على دين او عرق او طائفة ، ومازلنا مختلفين حتى في الايمان بالله ، ومازال مفتي السعودية يظن ان الارض ليست كروية !
ولاننا بشر، لانختلف كثيرا عن غيرنا ، ولا فرق بين امي ومتعلم في هذا ، نحن متفقون وباجماع لايشذ عنه احد على قيم محددة ، العدالة والمساواة والحرية ولخصوصيتنا اضيف اليها النزاهة ، وهذه هي ذات الاسس التي تحكم بها الانظمة الديمقراطية في العالم ، فسمرة بشرة اوباما لم تمنع البيض من انتخابه مثلما لم تمنع ذوي الاصول الاوربيه انتخاب متحدر من اصول افريقية ولم يكن دينه يشكل امرا ذا اهمية عند الامريكين ، لانهم يريدون من يحكم بهذه القيم التي نالت اجماعا من كل البشر ، اما نحن فلن يصلح حالنا طالما البعض متمسكون ب ( ماننطيها ) والبعض الاخر متمسك ب ( اذا لم تكن لي فلن تكون لغيري ) ، لن ينصلح الحال ومن يتصدر الفعل والفعل المعارض تسيره الغرائز والعواطف ، لن نواكب الركب ونحن نمتطي الحصان بالمقلوب وابصارنا شاخصة للماضي ، نفتش في بطون الكتب العتيقة بحثا عن ترهات ونقائص علها تضيف شيئا لقاموس الشتائم التي نتبادلها ،
لذا فالخوف من الفرقة والتمزق والقلق من الخوض في المجهول يجب ان يدفعنا الى دعم النظام السياسي القائم ، تعديله ، تطويره ، بناءه على اسس العدالة والمساواة والحرية ، فضح الفاسدين ، اقصاء كل الوجوه التي رافقتنا طيلة هذا العقد ، والبدء من جديد ، وبالصندوق ، بارادة جديدة تحمل الامل بمستقبل مشرق يحفظ لنا عراقيتنا المشاعة الباقية ابدا ، ونحفظ انتماءاتنا الاخرى في بيوتنا فهي ملكية خاصة . وماعدا ذلك زبد سيذهب جفاء فلا الشيعة قادرون على اخضاع السنة ولا بات بمقدور السنة اعادة عقارب الساعة للوراء . يجب ان نفهم هذا .