24 نوفمبر، 2024 5:29 م
Search
Close this search box.

عوائد الصادرات النفطية ومدى تدهورها في ظل انهيار اسعار النفط

عوائد الصادرات النفطية ومدى تدهورها في ظل انهيار اسعار النفط

إعداد/ احمد موسى جياد
استشارية التنمية والابحاث/العراق
ستنخفض عوائد العراق من صادرات النفط للتسعة اشهر المتبقية من هذا العام بنسبة 44.4% قي حالة انخفاض اسعار نفط برنت الى 30 دولار وبنسبة 87% اذا انخفضت الاسعار الى 10 دولار وضمن افتراض امكانية العراق من تحقيق اقصى معدلات انتاج وتصدير النفط وذلك بالمقارنة مع العوائد المحتسبة على اساس اسعار التصدير الفعلية لشركة سومو لشهر شباط الماضي؛ علما ان اسعار نفط برنت انخفضت الى اقل من 25 دولار يوم 18 اذار حسب بيانات مجلة النفط والغاز الامريكية (OGJ)، والقادم اسوء .
سيترتب بالتاكيد على هذا الانهيار في عوائد الصادرات النفطية اثار مدمرة على جميع المتغيرات الاساسية في الاقتصاد العراقي مما يحتم اتخاذ اجراءات استثنائية لمواجهة الموقف الحرج جدا والمتوقع استمراره لغاية نهاية هذا العام على أقل تقدير في ضوء المعطيات الدولية المعقدة التي تم اخذها بنظر الاعتبار عند اعداد هذه المداخلة واجراء الحسابات التفصيلية التي استند عليها التحليل.
يأتي تدهور سعر النفط والعراق في اسوء اوضاعه على الاطلاق ومن كافة الجوانب. فالبلد يعاني ومنذ فترة طويلة من جملة من الازمات بعضها مستعصي والاخر دوري متكرر، بعضها داخلي والاخر انعكاس لعلاقات دولية غير متكافئة واعتبارات جيوسياسية على النطاق الدولي.
فالوطن يعاني من ويواجه ازمة اجتماعية سياسية (سوسيوسياسية) تمثلت بالانفصام الواضح والشرخ الواسع بين “المواطن” من جهة و”الحكومة” و “الاحزاب السياسية” من جهة اخرى: وقد تكثفت هذه الازمة وبرزت بشكل واضح منذ شهر تشرين اول من العام الماضي؛ “انتفاضة اكتوبر” ولحد الان.
كما ويعاني البلد من ازمة مؤسساتية تمثلت بعدم وجود حكومة مكتملة الصلاحيات وفشل تشكيل حكومة جديدة مما اثر ويؤثر حتما على ادارة الازمة؛ وقد اكدت هذه الازمة المؤسساتية على مدى هشاشه النظام السياسي وضعف اسسه الهيكلية.
كذلك يعاني العراق من ازمة قيادية تخصصية على كافة الصعد السياسية والمجتمعية والحكومية والبرلمانية وما تشهده تلك الاصعدة من تمزق وتناقض ونرجسية سياسية.
اما الازمة الاقتصادية التنموية فحدث بلا حرج؛ رغم كل التخصيصات المالية الهائلة لازالت كل مؤشرات التنمية المستدامة والخدمات الاساسية بمستويات متدنية مما يؤشر وبوضوح صارخ فشل التفكير والتنفيذ الاقتصادي والتنموي، وعلى افتراض وجود هكذا تفكير، للحكومات المتعاقبة .
كذلك تأتي الازمة الامنية والسيادية لتجعل الوضع اكثر سوءً وخطورةً؛ فتهديدات داعش والاعتداءات المتكررة لقوات “التحالف” الامريكية وتدخلات الدول الاقليمية، صغارها وكبارا، تمثل خطرا حقيقيا اضافيا.
يضاف الى ذلك الازمة الجيوسياسية الداخلية المستمرة وخاصة بين الحكومة “الفدرالية” وحكومة الاقليم واستمرار الاخيرة في ممارسة سياسة الابتزاز المعروفة “خذ وطالب” وخاصة ضمن تفاهمات “ابو هاشم وابو مسرور” السيئة. يضاف الى ذلك طموحات بعض سياسيي “الاقليم السني”.
والكل يعلم ان العراق يعاني من ازمة الفساد المستشري المشرعن “كلبتوكراسي” الذي استنزف الموارد المالية الهائلة دون تحقيق اية انجازات تنموية معتبره او ملموسة.
واضاف تزامن ازمة الامن البيولوجي (Biosecurity) مع فائض الإمدادت النفطية الدولية بعدا مؤثرا للغاية. ان هذا التزامن غير المسبوق بين انتشار الوباء وفائض العرض و”توقف” الطلب وتضخم المخزونات النفطية ( Oil inventories) -مثل الخزين الاستراتيجي “الالزامي” للدول الاعضاء في منظمة الطاقة الدولية؛ الخزين الاستراتيجي او الاحتياطي في الدول الاخرى اضافة الى مختلف انواع الخزين التجاري/الصناعي للشركات والمصافي سواء كان في الخزانات الثابتة او العائمة في ناقلات النفط او شركات ومكاتب المضاربة بالنفط على المستوى الدولي- يجعل من انهيار اسعار النفط الحالي يختلف الى حد بعيد عن الانهيارات السابقة في الاعوام 1987 و2008 و2014 وسيقود بالنتيجة الى اثار كبيرة وواسعة ويتطلب بالضرورة اجراءات عديدة وكلف هائلة لمعالجة تلك الاثار.
واخيرا وليس اخرا ازمة المنطلقات الجيوسياسية الدولية المتناقضة لثلاثي روسيا والسعودية واميركا التي ستقود بالضرورة الى حالة “خاسر- خاسر” على المستوى الدولي، بضمنها الدول الثلاث (وهذا ما ستوضحه حسابات مداخلتي الثانية حول الموضوع في الايام القادمة).

ليس المجال هنا تناول تلك الازمات اعلاه بل لابد من الاشارة اليها كي نفهم مدى خطورة وتعقيد وتاثير ازمة انهيار اسعار النفط على العراق كما يوضحها التحليل التالي.
تم تقدير التاثير المباشر لانهيار اسعار النفط من خلال الخسائر في عوائد العراق من الصادرات النفطية تحت مختلف مستويات اسعار وطاقات تصدير النفط العراقي. وقد تم اجراء الحسابات ضمن الاعتبارات التالية:
1ـ اعتماد البيانات الرسمية العراقية لشهر شباط قدر تعلق الامر بحجم انتاج النفط الخام وحجم الصادرات النفطية وسعر تصدير النفط (دون شمول بيانات الاقليم)؛
2- تتعلق الحسابات بالاشهر التسعة المتبقية من هذا العام حيث ينتهي العمل باتفاق “اوبك+” في نهاية شهر اذار الحالي؛
3- تم تقدير طاقة انتاج النفط القصوى على اساس اعلى انتاج شهري فعلي مضافا اليه حجم التخفيض الذي اعتمد تمشيا مع قرار أوبك+ ومع افتراض امتثال العراق بذلك التخفيض (رغم تباين المواقف بشان مدى ذلك الالتزام). علما ان هذا الافتراض قد لا يكون واقعيا في حالة توقف انتاج بعض الحقول النفطية بسبب لجوء الشركات النفطية الاجنبية الى استخدام فقرة “الظروف او القوة القاهرة” مما يدفعها الى ترحيل كادرها الاجنبي كما حصل في حقل الغراف/محافظة ذي قار اعتبارا من 18 اذار؛
4- بسبب محدودية الاستهلاك الداخلي للنفط، وخاصة في قطاع التصفية والبتروكيماويات وتجهيزات توليد الطاقة الكهربائية، فان اية زيادة في انتاج النفط تم احتسابها ضمن الصادرات النفطية؛
5- ان اسعار تصدير النفط العراقي التي تنشرها شركة سومو تمثل المعدل الشهري للصادرات النفطية حسب معادلات سعرية وترتيبات تسويقية عديدة (ليس المجال هنا الخوض فيها)؛ وبسبب ذلك فان البيانات المتوفرة ولسلسلة زمنية طويلة تشير الى ان اسعار تصدير النفط العراقي تكون عادة اقل من سعر نفط برنت (وهو مؤشر اسعار النفط الدولية) وبمعدلات متباينة. وعليه فقد تم اعتماد سعر التصدير على اساس سعر برنت مطروحا منه معدل الفرق السعري بين نفط برنت واسعار شركة سومو لشهري كانون ثاني وشباط لهذا العام. وقد اعتمد لهذا الغرض اسعار برنت التي تتضمنها قاعدة بيانات “افاق الطاقة في المدي القصير لوكالة معلومات الطاقة الامريكية(EIA-STEO)؛
6- في ضوء ما ذكر اعلاه تم احتساب مجموع عوائد الصادرات النفطية الشهرية المستقبلية (على اساس معدلات التصدير اليومية القصوى) ومقارنتها بالعوائد المتحققة فعلا في شهر شباط الماضي (قبل فشل اجتماع اوبك+ الاخير) ثم تقدير حجم الخسائر الشهري واجمالي الانخفاض او الخسائر في تلك العوائد التي سيتحملها العراق بسبب انهيار اسعار النفط الحالي؛ كما هو موضح في الشكل البياني التالي.
تقديرات مجموع عوائد الصادرات النفطية (OER الاعمدة الزرقاء) ومجموع الخسائر (LOEL الاعمدة الحمراء) التي سيتحملها العراق في عوائد الصادرات النفطية (مليون دولار) وحسب اسعار مختلفة لنفط برنت (دولار/برميل)
للفترة نيسان: كانون اول 2020

ان اهم ما تشير اليه الحسابات اعلاه ما يلي:
اولا؛ قد تنخفض مجموع عوائد الصادرات النفطية الى مستويات غير مسبوقة تصل الى حوالي6.229 بليون دولار اذا انخفضت اسعار نفط برنت الى 10 دولار للبرميل واستمرت على هذا المستوى طيلة الفترة المتبقية من هذا العام. وهذا يعني ان حجم الخسارة في عوائد الصادرات النفطية يتزايد كلما انخفضت اسعار النفط؛ حيث ستزداد نسبة الانخفاض في عوائد الصادرات النفطية من 1.8% الى 87% عند انخفاض الاسعار من 50 الى 10 دولار للبرميل. بكلمة اخرى ان اية زيادة في انتاج وتصدير النفط العراقي لا يمكن لها ان تعوض العوائد المتحققة قبل فشل اجتماع “اوبك+” الاخير؛
ثانيا؛ كذلك سيزداد حجم الخسائر في عوائد الصادرات عند توقف الانتاج في اي من الحقول النفطية ( كما حصل يوم 17 اذار عند توقف انتاج حقل الغراف وسيستمر لمدة غير معرفة وبذلك سينخفض حجم انتاج وصادرات العراق “القصوى” بحدود 60 الى 95 الف برميل يوميا)؛ اي ان تقديرات هذه الدراسة تمثل افضل حالةBest case scenario على قدر تعلق الامر بالمعدلات القصوى لانتاج وتصدير النفط.
ثالثا؛ وبذلك سيواجه العراق حتما حالتي “المنزلق الخطير” و “كابوس الازمة المالية للدولة ” حيث ستجد الحكومة نفسها عاجزت عن حتى دفع رواتب موظفيها، والتي حذرت (كما حذر بعض خبراء النفط العراقيين المرموقين) منها مرارا وتكرارا في كتاباتي السابقة، وذلك لعدم توفر اي نوع من الاحتياطي المالي او صندوق سيادي؛
رابعا؛ وبالنتيجة ستستمر محنة العراق مع استمرار الظروف التي ادت الى هذا الانهيار الكبير في اسعار النفط؛ وهذا محتل جدا في ضوء مؤشرات “الامن البيولوجي” والاعتبارات الجيوسياسية الدولية والتوقف غير المسبوق في مجمل النشاطات وفي جميع القطاعات وفي اغلب الدول وتزايد كل من فائض عرض النفط وحجم الخزين النفطي.

ضرورة التحرك الجدي السريع والمنضم- مقترحات للحوار
في ضوء ما تقدم ارى ان على الحكومة العراقية (المنتهية ولايتها والقادمة!) والجهات المختصة والخبراء النفطيين والاقتصاديين والبرلمانيين والاكاديميين مناقشة هذه الازمة المدمرة بجدية وبشكل مستعجل وبكل شفافية بعيدا عن المناكفات السياسية والمواقف المتشنجة والطروحات الشعبوية للتوصل الى تصور مشترك لما يجب عمله. ولهذا الغرض اقترح المحاور التالية للنقاش والتي ارى التركيز عليها، علما ان النسب المذكورة ادناه هي لأغراض استرشادية وليست تحديدية.
اولا: محور موازنة 2020 : تبني موازنة تقشفية ومن ضمن ما تتضمن ما يلي:
1- اعتماد قاعدة”1/12″ من حجم الانفاق الفعلي لعام 2019 لتحديد الانفاق الشهري مع تخفيضه بنسبة لا تقل عن (25%)؛
2- تخفيض الرواتب والامتيازات المالية وغيرها (سيارات، حماية؛ مخصصات، …) من مستوى معاون مدير عام فصاعدا في السلطات الثلاث وكذلك الحكومات المحلية بنسبة (50%) وبقية الموظفين بنسبة (10%)، مع استثناء اوطأ ثلاث درجات وظيفية من اي تخفيض؛
3- عدم دفع اية مستحقات للاقليم مالم يتم تسليم كافة نفط الاقليم الممكن تصديره (لتجنب خسائر الفروقات السعرية الكبيرة التي تتحملها صادرات الاقليم والتي تقدر بما يزيد على 11.14 دولار للبرميل خلال عام 2019 مقارنة بسعر نفط برنت)؛
4- الغاء تمويل النشاطات غير الاساسية كالاحتفالات والمناسبات والايفادات؛
5- الغاء تعدد الرواتب
ثانيا: محور تقليص عدد الوزارات الى الحد الادنى وذلك بتبني اسلوب الدمج القطاعي
ثالثا: محور وزارة النفط:
1-الغاء جولة التراخيص الخامسة؛
2- تجميد برامج عمل وميزانيات عام 2020 لحقول جولات التراخيص ما لم يتم الاتفاق على تاجيل المستحقات في حالة الاستمرار بتنفيذ البرنامج؛
3- تفعيل المواد المتعلقة بتدوير المستحقات الفصلية في عقود جولات التراخيص ؛
4- عدم الموافقة على برامج عمل وميزانيات عام 2020 للحقول التي تزيد اجور الخدمة فيها على 4 دولار للبرميل وهي بدرة و الفيحاء ونجمة والقيارة ما لم يتم الاتفاق على تاجيل المستحقات في حالة الاستمرار بتنفيذ البرنامج؛
5- تجميد عقود الرقع الاستكشافي (جولة التراخيص الرابعة)، وتجميد او تخفيض النشاطات الاستكشافية؛
6- الغاء اجراءات احتفالية اوبك في بغداد؛
7- تجميد بعثات الطلبة والموظفين للدراسة في الخارج على نفقة الدولة؛
8- اعداد خطة طوارئ لمواجهة امكانية ايقاف الانتاج في بعض الحقول؛
9- تجميد العمل بمنح الاسعار التفضيلية للاردن لانتفاء الحاجة الى ذلك بسبب تدني اسعار النفط؛
10- تكثيف شركة سومو نشاطات البيع الفوري لتحقيق فروقات سعرية ان كان ذلك ممكنا؛
11- قيام وزير النفط الحالي باعتماد “دبلوماسية النفط عن بعد” وذلك بهدف تقريب المواقف (بين روسيا والسعودية) لتقليل الاضرار التي لحقت بمنظمة اوبك وتسببت بالانهيار المدمر في اسعار النفط، وذلك لاستحالة عقد اللقاءات الثنائية او الجماعية.
رابعا: محور التعاون المالي الدولي
بسبب التخصيصات المالية الهائلة التي تم توجيهها لاغراض “الامن البيولوجي” على المستوى الدولي فقد يكون من الصعب حصول العراق على الدعم المالي المطلوب لتجاوز الازمة، اضافة الى الاعتبارات الجيوسياسية التي قد تقف عائقا في هذا الطريق. ومع ذلك اري القيام بما يلي:
1-الطلب من كل من الصين وروسيا تقديم المساعدات المالية و/او تاجيل جميع المستحقات لشركاتها النفطية والتجهيزات السلعية (التجارية) والعسكرية؛ ويمكن قي هذا المجال استخدام آليات “اللجان المشتركة للتعاون الاقتصادي والفني” المعمول بها منذ عقود. يتم استخدام اسلوب “التفاوض عن بعد وكذلك من خلال السفراء المعتمدين في بغداد” بسبب استحالة اللقاءات الثنائية المباشرة؛ وعليه على الجانب العراقي تقديم طلبات محددة وواضحة وبشكل موحد من قبل لجنة عليا متخصصة محدودة العدد تضم رئيس الوزراء ووزيرة النفط ووزير المالية ومحافظ البنك المركزي العراقي ورئيس مصرف الرافدين، مدعومة بخلية ازمة تتكون من عدد محدود من المختصين المعرفين بجديتهم وعلميتهم ومعرفتهم بتفاصيل الامور قيد البحث لتهيئة البيانات والمعلومات واطر التعاون المطلوبة و غيرها من اساسيات العمل لمواجهة هذا الضرف الاستثنائي.
2- تقوم اللجنة العليا بمفاتحة كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بتقديم الدعم المالي العاجل كل حسب الاليات التي تعتمد في هذه الحالات؛
3- تقوم اللجنة العليا بمفاتحة الحكومة الامريكية بتاجيل دفع كافة مستحقات التجهيزات والخدمات العسكرية الامريكية وعدم تحمل العراق لأية كلف تتعلق بنشاطات قوات التحالف الدولي/الامريكي؛
4-اعلام دولة الكويت ولجنة تعويضات الحرب التابعة للامم المتحدة بتاجيل اقسط التعويضات الى العام المقبل؛
5- الطلب من منظمات الامم المتحدة المتخصصة وخاصة منظمة الصحة العالمية تقديم المساعدات المالية والعينية والتقنية لمواجهة وباء كورونا (كوفيد-19)؛ كذلك مفاتحة كافة المنظمات الدولية والدول التي قامت او ستقوم بتاسيس صناديق خاصة او تسهيلات بشرية وتقنية وعينية لمواجهة الوباء على المستوى الدولي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة