في مقطع فيديو تداولته مواقع التواصل الاجتماعي يظهر شخصا بلحية بيضاء يكشف عن معلومة تتحدث بان لبس الكمامة للوقاية من وباء كورونا داخل المراقد الدينية لا يجوز لانها مطهرة، ويستند بذلك إلى أدعية متوارثة، تتحدث عن طهارة الأماكن المقدسة، ليقوم المتجمعون من حوله من “عباد الله” بالبكاء ورفع الأصوات بالدعاء، كتأييد لاكتشافه “العظيم”، الذي يعكس صورة من المفاهيم “المغلوطة” التي تربى عليها المجتمع بسبب تصرفات العديد من “المتصدين” كرجال دين او حتى قادة الفكر الذين يتبعوهم العديد من الناس.
لكن… هذا الرجل المسكين لا يعلم بان الطهارة التي يتحدث عنها ليست بمعنى الطهارة المكانية إنما تفسيرها مرتبطة بالطهارة المعنوية أو النفسية، التي تميز آل بيت النبي (عليهم السلام) عن غيرهم من “خلق الله”، ولو كان حديث الطهارة المكانية عن المراقد المقدسة والمساجد بهذا المعنى لما كنا بحاجة إلى توظيف عمال للخدمة لمتابعة تطهيرها بشكل يومي، فمن غير المعقول ان تكون تلك الأماكن خالية من الفيروسات ونجد في الوقت نفسه هناك من يصاب ببعض الأمراض على اقل تقدير “الانفلونزا” لدى عودته من زيارة احد المراقد أو بسبب وجوده في مسجد يزدحم بالمصلين، فهذه القضايا لا تتعلق بقدسية تلك الأماكن إنما بالنظافة الشخصية واتباع الإجراءات الوقائية التي توفر الحماية وتمنع نقل العدوى للأخرين، وهذه تحتاج لمنطق العقل وليس الى اعتماد الخرافات وإشاعتها لأغراض الكسب والسيطرة على عقول “الفقراء”.
فما حصل خلال الأيام الماضية بعد انتشار وباء كورونا في بلادنا واتخاذ الإجراءات لمواجهته ومنها منع التجمعات بمختلف اشكالها وخاصة الدينية، ما دفع العديد من رجال الدين إلى استغلال “العاطفة” لدى فئات من المجتمع “للتمرد” على الدعوات التي تطالب بالوقاية ورفض إغلاق المراقد الدينية من خلال ممارسة سياسة الجهل، ليخرج علينا احد الخطباء متحديا بانه لن يصيبه وباء كورونا حتى لو قبل شخصا مصابا بهذا الفيروس بفضل “حبه” للإمام الحسين (عليه السلام)، والأكثر من ذلك يهاجم اصحاب مرجعية العقل ويتهمهم بمحاربة “العقيدة الدينية”، متجاهلا بانه اول من اساء للدين والمنهج الصحيح الذي يدعو للتعامل مع القضايا بواقعية بعيدا عن “القصخونات” التي تنشط مع وجود الجهل، كما يقول الكاتب والطبيب النفسي الأمريكي ايرفين يالوم، في روايته (مشكلة سبينوزا)، الذي اخبرنا بانه “لو بحثت في العالم كله فلن تجد قوماً أو ديناً لا يؤمن بالخرافات، فما دام هناك جهل، فإن البعض سيتمسكون بالخرافات، إن التخلص من الجهل هو الحل الوحيد، ليكمل حديثه، أشعر انّها معركة خاسرة، فالجهل والإيمان بالخرافات ينتشران كالنار في الهشيم، وأعتقد أنّ رجال الدين يغذون هذه النار ليضمنوا مراكزهم، ولهذا أصبحت على قناعة بأنني يجب أن أكون حراً، وإذا لم تكن تلك الطائفة موجودة، فعليّ أن أعيش دون طائفة”، وهذه أصبحت مشكلة نعاني منها في مواجهة اخطر وباء يهدد البشرية مع الغياب العلاج المناسب للقضاء عليه، بعد ان عجزت دول تمتلك إمكانيات طبية وأرصدة مالية عن الصمود أمامه.
اكثر ما يؤسف في التصدي لوباء “عدو الشعوب” هو ما نقلته وسائل إعلام أمريكية بان اول شخصية وجدت العلاج المناسب للوقاية من كورونا كان نبي الإسلام محمد (صل الله عليه واله وسلم)، مستدلة بذلك بالأحاديث النبوية التي تدعو للنظافة واستمرار غسل اليدين باعتبارها أفضل وسيلة للتعقيم، وما ذكره رسول رب العالمين، حينما سأل عن مرض الطاعون فاجاب، “إذا سمعتم الطاعون بارض فلا تدخلوها، وإذا وقع بارض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها”، لتكون هذه اول دعوة للحجر الصحي كما وصفتها وسائل الإعلام الأمريكية، لكن على ارضنا نجد من يحرض الناس على مخالفة جميع تلك الرسائل من خلال دعوتهم للخروج والتجمع في المسيرات الدينية وكسر حظر التجوال الذي أوصت به الجهات الصحية، بحجة ان “كورونا لا يصيب المؤمنين المخلصين في إيمانهم، ولا المسلمين الملتزمين بأحكام الشريعة، لان الفيروس عقاب للبشر على ما كسبت أيديهم”، وهو ما صرح به رجل دين يدعي المرجعية.
الخلاصة.. ان استمرار تجاهل النصائح الطبية والإجراءات الوقائية والإصرار على خرق حظر التجوال من خلال الممارسات الدينية كما حصل في زيارة الإمام الكاظم (عليه السلام) وحضور صلاة الجمعة بأعداد كبيرة في مسجد الكوفة وشرق العاصمة بغداد، قد يهدد “بكارثة” لا يمكن تخيلها خلال الأيام المقبلة وخاصة مع ارتفاع نسبة الإصابات بالفيروس بين ساعة وأخرى، والتي تحاول وزارة الصحة “اخفاء” الأرقام الحقيقية لأسباب قد تتعلق بعدم إشاعة الخوف بين المواطنين، لكن هذا جميعه يتحمله من يرفض الاستماع لدعوات “العقل” واتباع النصائح الطبية التي فضلها المرجع الديني السيد علي السيستاني على جميع الواجبات الدينية في مثل هكذا حالات…. اخيرا… السؤال الذي لابد منه… لماذا يتمسك بعض رجال الدين بمنطق “الجهل”؟..