خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مرت هذا الأسبوع الذكرى الـ 17 للغزو الأميركي لـ”العراق”، الذي بدأ عام 2003م، حيث استمرت عملية الغزو من 20 آذار/مارس إلى 1 آيار/مايو 2003، والتي أدت إلى احتلال “العراق” عسكريًا من قِبل “الولايات المتحدة الأميركية” ومساعدة دول أخرى، مثل “بريطانيا” و”أستراليا” وبعض الدول المتحالفة مع “أميركا”، حسب تعريف “مجلس الأمن” لحالة “العراق”، في قانونها المرقم 1483 في 2003م، وانتهت الحرب بسيطرة “الولايات المتحدة” على “بغداد”.
وأطلقت مجموعة من الأسماء على هذا الصراع؛ هي “حرب العراق” و”حرب الخليج الثالثة” و”عملية تحرير العراق”، وأطلق المناهضون لهذه الحرب تسمية: “حرب بوش”، على هذا الصراع أو “حرب احتلال العراق”، بحسب (ويكيبيديا).
وبدأت عملية غزو “العراق”، في 20 آذار/مارس 2003م، من قِبل قوات الائتلاف بقيادة “الولايات المتحدة الأميركية” وأطلقت عليه تسمية “ائتلاف الراغبين”.
وانتهى الاحتلال الأميركي لـ”العراق” رسميًا، في 15 كانون أول/ديسمبر 2011م، بإنزال العلم الأميركي في “بغداد”، وغادر آخر جندي أميركي “العراق”، في 18 كانون أول/ديسمبر 2011م.
وحسب الرئيس الأميركي السابق، “جورج دبليو بوش”، ورئيس الوزراء البريطاني، “توني بلير”، مهمة التحالف: “تجريد العراق من اسلحة الدمار الشامل، ووضع حد للدعم الذي يُقدمه صدام حسين إلى الإرهاب وتحرير الشعب العراقي”.
ومن أبرز تصريحات القادة والمسؤولين في العالم، خلال السنوات الماضية، عن تلك الحرب :
مسؤول بريطاني سابق: “أميركا ورطتنا في غزو العراق”..
تناول كتاب، صُدر عام 2017، لرئيس الوزراء البريطاني السابق، “غوردون براون”، دوافع تقف وراء قرار “لندن” المشاركة في غزو “العراق”.
وبحسب (روسيا اليوم)؛ اتهم “براون”، في الكتاب الذي يحمل عنوان: “حياتي وأزمتنا”، “الولايات المتحدة”، بتوريط الحكومة البريطانية، عن طريق الخداع في المشاركة بالعملية، موضحًا أن: (البنتاغون) كان على علم بأن “بغداد” لا تملك أسلحة الدمار الشامل ولم يُبلغ “لندن” بذلك.
وذكر “براون”؛ الذي كان يتولى إبان غزو “العراق”، في العام 2003، منصب وزير المالية، وخلف “توني بلير” في مقعد رئيس الحكومة العام 2007، أن التقرير الاستخباراتي السري الأميركي، بشأن مزاعم عن وجود أسلحة الدمار الشامل في قبضة نظام “صدام حسين”، لم يُسلم أبدًا للحكومة البريطانية، مشيرًا إلى أنه لو حدث ذلك، لتطورت الأوضاع لاحقًا، حسب سيناريو آخر.
“رايس”: السبب الحقيقي .. الإطاحة بـ”صدام حسين”..
فيما إعترفت مستشارة الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس الأسبق، “جورج دبليو بوش”، “كونداليزا رايس”، في آيار/مايو 2017؛ بأن السبب الحقيقي لإتخاذ “الولايات المتحدة” قرار غزو “العراق” للإطاحة بالرئيس العراقي، “صدام حسين”، لا لجلب الديمقراطية للدولة الشرق أوسطية المحورية، مؤكدة على أن الحرب، التي أقيمت في “العراق”، كانت “أميركا” تعلم أنها لن تجلب الديمقراطية لتلك الدولة، ولكنها سعت في حقيقة الأمر للإطاحة بـ”صدام”.
نائب رئيس الوزراء البريطاني: غلطة كارثية..
أما “جون سكوت”، الذي كان نائبًا لرئيس الوزراء البريطاني، “توني بلير”، في عام 2003، حينما شاركت “المملكة المتحدة” في غزو “العراق”، أعرب عن أسفه لتلك “الغلطة الكارثية”، مؤكدًا على أن الغزو: “لم يكن شرعيًا”، وأن القرار وتداعياته ستلازمه بقية حياته.
وقال “بريسكوت”: “في العام 2004، قال الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي آنان، إن تغيير النظام كان الهدف الأول لحرب العراق، وإنه كان غير شرعي. ببالغ الحزن والغضب أعتقد اليوم أنه كان مُحقًا”.
وأضاف أن: “قرار دخول الحرب وتداعياته الكارثية ستلازمني بقية أيام حياتي”، وأدلى “بريسكوت” بهذا الموقف في افتتاحية نشرتها صحيفة (صنداي ميرور)، عام 2016، بعد أربعة أيام على صدور تقرير يُدين قرار حكومة “بلير” المشاركة في غزو “العراق”.
“جورج بوش” نادمًا: مهد الطريق لصعود “داعش”..
في عام 2014، أي بعد مرور 11 عامًا على غزو “العراق”، أعلن “جورج بوش الابن”، الرئيس السابق لـ”الولايات المتحدة”، عن ندمه لغزو “العراق”، وأقر أنه بذلك مهد الطريق لظهور “تنظيم الدولة الإسلامية”، (داعش)، الإرهابي، وفقًا لصحيفة (ديلي ميل) البريطانية.
وقال “بوش”، في مقابلة مع إذاعة (سي. بي. إس. نيوز) الأميركية، إن قرار تنفيذ عمليات عسكرية على الأراضي العراقية عام 2003، كان الأمثل حينها، للإطاحة بالرئيس العراقي السابق، “صدام حسين”، وأنه لم يأخذ تهديد “بوش” على محمل الجِد، وحتى بعد القبض عليه، قال لمكتب التحقيقات الفيدرالي: “إنه لم يُصدق بوش”. وكشف عن ندمه على ظهور جماعة إرهابية جديدة بجانب تنظيم (القاعدة).
“ترامب”: أسوأ قرار إتخذ في تاريخ الولايات المتحدة..
في عام 2017؛ وصف الرئيس الأميركي، “دونالد ترامب”، قرار غزو “العراق” في عام 2003، بأنه: “قد يكون أسوأ قرار إتُخذ في تاريخ الولايات المتحدة على الإطلاق”، مشددًا على أنه ما كان يجب أن يحدث.
وقال “ترامب”، في أثناء مقابلة مع صحيفتي (تايمز) البريطانية و(بيلد) الألمانية، في كانون ثان/يناير 2017، إن الهجوم الأميركي على “العراق” ما كان يجب أن يحدث في المُقام الأول، مشددًا على أن قرار الغزو كان واحدًا من أسوأ القرارات، وربما أسوأ قرار إتخذ في تاريخ بلادنا على الإطلاق.
وأضاف “ترامب”: “لقد أطلقنا العنان.. إنه أشبه برمي أحجار على خلية نحل، إنها واحدة من لحظات الفوضى العارمة في التاريخ”.
وقد تسببت هذه الحرب في أكبر خسائر بشرية في المدنيين العراقيين، في تاريخ “العراق” وتاريخ الجيش الأميركي، منذ عدة عقود بسبب الهجمات الانتحارية لتنظيم (القاعدة).
وبلغت تكلفة الحرب الأميركية في “العراق”، 1.7 تريليون دولار، إضافة إلى 490 مليار دولار تُمثل مستحقات قدامى المحاربين، وهي نفقات قد تنمو إلى أكثر من ستة تريليونات دولار، خلال العقود الأربعة المقبلة، بعد حساب الفائدة، حسب دراسة أعدها معهد “واتسون” للدراسات الدولية بجامعة “براون” الأميركية.
وقالت الدراسة؛ التي حملت عنوان (تكاليف مشروع الحرب)؛ إن الحرب أفضت إلى مقتل نحو 134 ألف مدني عراقي وربما أسهمت في مقتل أربعة أمثال هذا الرقم.
فمع إدراج أعداد القتلى في صفوف قوات الأمن والمتمردين والصحافيين وعمال الإغاثة، ارتفع إجمالي ضحايا الحرب إلى ما بين 176 ألفًا و189 ألفًا، بحسب الدراسة.
وجاء نشر الدراسة، التي شارك في إعدادها نحو ثلاثين أكاديميًا وخبيرًا، متزامنًا مع الذكرى العاشرة لغزو “العراق”، بقيادة “الولايات المتحدة”، يوم 19 آذار/مارس عام 2003.
وذكرت الدراسة، التي أعدها المعهد عام 2011؛ أن إجمالي تكلفة الحروب تصل إلى 3.7 تريليون دولار على الأقل، وذلك بناء على النفقات الفعلية المعلنة من قِبل “وزارة الخزانة” الأميركية، بالإضافة للإلتزامات المستقبلية المترتبة على الحروب مثل المستحقات الطبية وتعويضات المعاقين من قدامى المحاربين.
وارتفع هذا التقدير إلى نحو أربعة تريليونات دولار في التقرير الأخير.
ومنذ ذلك الحين؛ دخل “العراق” في دوامة عنف وعدم استقرار سياسي وتحول إلى ساحة للصراع بين القوى الإقليمية.
خطأ كبير لا يمكن معالجته..
حول ذلك؛ قال “هاشم الشماع”، عضو مركز “العراق” للتنمية القانونية؛ أن “الولايات المتحدة الأميركية” أدركت مؤخرًا أن احتلالها لـ”العراق” كان خطاءًا كبيرًا، لا يمكن معالجتهُ، وأدركت أنها دخلت في وادي لا يمكن الخلاص منه على المستوى الاقتصادي والأمني والحضاري، بسبب غرورها الذي لا يتقي أن يضعها في المتاهات.
وأضاف أن احتلال “واشنطن”، لـ”العراق” 2003، يُعد إنعطافة تاريخية، حيث إهتز العالم لهذا الحدث، ولَم يستقر إلى هذا اليوم، ولو تتبعت الكوارث التي مرت بالشرق الأوسط لأدركت مدى أهمية “العراق” التي مسكت الأمن والاستقرار، وكان عامل توازن ضروري.
موضحًا أنه بعد أن أدرك “البيت الأبيض” أن احتلال “العراق” لم يكن الحل الأمثل؛ لاكتشافه أن صدامًا فعلاً على وشك السقوط، وأن نظامه سيدخل حيز الصراع، ولو تركوا الأمر للعراقيين لما وصل الحال إلى ما هو العالم عليه حاليًا، وخاصة الشرق الأوسط، والدليل على ذلك أن خطط “واشنطن” تغيرت في “ليبيا” و”سوريا”، حيث كانت قيادتها من الخلف في صراعات هذه الدول لتقلل الخسائر عليها، وتوضح أنها داعمة وليست مخططة، وكذلك الحال في: “مصر، وتونس، واليمن”. اليوم تتحمل “الولايات المتحدة الأميركية” تبعات أخطاءها في المنطقة، والحل لا يكمن فقط في انسحابها العسكري، كما هو الحال في “أفغانستان”، وكذلك حاليًا في “العراق”، ما لم تتصدى لإعادة بناء البُنى التحتية، وتعويض المتضررين، وتقديم الإعتذار الرسمي، وإذا لم تُنفذ “واشنطن” حاليًا، فإنها ستضطر لذلك مستقبلاً، لأنها ستحتاج إلى حلفاء حقيقيين لها في الشرق الأوسط بعد بروز قوى جديدة مثل، “الصين”، و”روسيا”. على أي حال إستذكار الاحتلال الأميركي لـ”العراق” يبعث على الحزن والمأساة التي عاشها هذا الشعب الصابر، والكوارث التي حلت به بسببه، وكذلك لا ننسى المقاومة العراقية في الوسط والجنوب، التي أجبرت المحتل على الانسحاب من “العراق”، وبقي الأثر السياسي الذي يجب أن يُعالج من خلال تصحيح العمل السياسي، وبناء دولة قوية تُطالب بحقوق الشعب.
فشلت في تطويع الواقع السياسي لإرادتها..
عضو المكتب السياسي لحركة (عطاء)، “كامل الكناني”، قال إن “الولايات المتحدة”، رغم الدمار الذي أحدثته في “العراق”، وتسبب بمآسي إنسانية وكوارث اقتصادية، إلا أنها فشلت في تطويع الواقع السياسي لإرادتها، وإقامة نظام يُنفذ أجندتها.
أما مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، “سيميون بغدوساروف”، فلفت إلى أن “العراق” لم يتمكن، حتى اليوم، من معالجة آثار الغزو الأميركي، مستبعدًا حصول انسحاب للقوات الأميركية خلال السنوات الخمس المقبلة.
ضمور كامل للحكم السياسي في البلاد..
قال “غريغوري لوكيانوف”، وهو عالم سياسي وخبير في المجلس الروسي للشؤون الخارجية، إن الاحتلال الأميركي ألحق ضررًا لا يمكن إصلاحه بـ”العراق”؛ في جميع مجالات الحياة في البلد والمجتمع.
وقال “لوكيانوف”: “لقد عانى العراق من ضرر لا يمكن إصلاحه. هذا، أولًا وقبل كل شيء، ضرر للنظام السياسي. لم يأخذ النموذج السياسي الأميركي الذي تم تقديمه على الإطلاق التفاصيل الإقليمية بالاعتبار. وكان هذا هو السبب في أنه لم يستعيد العراق السلام في البلاد: ظهرت الصراعات الداخلية على نطاق أوسع. بالإضافة إلى ذلك، تم الكشف عن عدم المساواة في المناطق بشكل واضح، حيث حاولت كُردستان العراق الانفصال عن العراق”.
وعن الضرر في مجال السياسة والحكم، أضاف: “الأهم هو أن ضمورًا كاملًا للحكم السياسي حدث في البلاد، بعد عام 2003، حيث تم تشكيل الحكومة تحت سيطرة أميركية مشددة. لذلك، فإن النخب العراقية الحديثة بشكل عام ليس لديها خبرة في الحكومة، والاحتجاجات الحالية المناهضة للحكومة في العراق هي صدى للتدمير الأميركي لنخب الحكومة”.
تدمير الاقتصاد العراقي بشكل كامل..
ويعتبر الخبير أن الاقتصاد العراقي قد دُمر بشكل كامل تقريبًا؛ وتراجع كثيرًا من الخطوات.
وقال: “لقد لحق باقتصاد البلاد أضرار جسيمة فقد دُمر ببساطة، استمر سوق النفط بالعمل فقط، وكان على العراق العودة إلى الأشكال التقليدية للإدارة، وأصبحت الدولة تعتمد على الشركات الأجنبية واستثماراتها”.
مسؤولة عن كل مشاكل العراق..
حول الأضرار المميتة التي ألحقها الاحتلال الأميركي، أشار “لوكيانوف” إلى أن جميع الأزمات والمشكلات التي أصابت “العراق”، منذ عام 2003، هي نتيجة للأعمال الإجرامية للجانب الأميركي.
وقال الخبير: “وعلى العموم، فإن الولايات المتحدة مسؤولة عن جميع الأحداث التي وقعت في العراق، منذ عام 2003. بما في ذلك، ظهور (داعش) في عام 2015، ونتيجة لذلك، الجالية المسيحية الكبيرة في العراق غادرت البلاد بالكامل – ومن غير المحتمل أن يعودوا”.
تعافي قريب للعراق..
وأوضح أنه: “بالطبع العراق لم يتعاف بعد من الإجراءات الأميركية في البلاد. ولكن يبدو أنه سيتعافى قريبًا جدًا”.
وأضاف: “العراق سيتعافى قريبًا جدًا من عواقب الاحتلال الأميركي. أموال النفط ليست الحل لجميع المشاكل. وأنا أخشى أن العراق لن ينُعم بالاستقرار في السنوات العشر المقبلة”.